تنتشر موائد إفطار الفقراء في العراق (زيد العبيدي/فرانس برس)
اعتاد العراقيون على كثرة التسوق قبل حلول شهر رمضان، لكنّ القوة الشرائية تراجعت هذا العام، وفقاً لتجار وأصحاب محال مواد غذائية، فالإقبال على الأسواق أقل من السنوات السابقة.
ويعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية أبرز ما طرأ على تفاصيل شهر رمضان هذا العام، لكنّ الأزمة الاقتصادية التي خلفها انخفاض قيمة الدينار في مقابل الدولار الأميركي لم تمنع العراقيين من الاستعداد لشهر الصيام الذي تتزين فيه الشوارع والمنازل، ويتبادل الأهالي الطعام والشراب، وتمتد الموائد المجانية للفقراء.
يتوافد كثيرون على المحال لشراء المستلزمات الخاصة بالشهر الكريم، إضافة إلى المواد الأساسية لتحضير الأكلات المرتبطة برمضان، مثل الكعك والكليجة والعصائر، وخصوصاً الزبيب والتمر. يقول عزيز الحمداني، وهو صاحب متجر للمواد المنزلية في حي الأعظمية بالعاصمة بغداد: "العراقيون لديهم اهتمام بالغ بشهر رمضان، ومهما كانت الظروف، فإن استعداداتهم تظل قائمة سنة بعد أخرى، لكن هناك تفاوتا نلحظه كأصحاب متاجر، وعادة الأسباب اقتصادية، لكن في كل الأحوال، فالجميع يقومون بشراء ما يحتاجونه، وغالبية التجار يخصصون أغذية بأسعار مدعومة للفقراء ضمن حملات للتكافل".
يضيف الحمداني لـ"العربي الجديد": "الأحوال المعيشية تردت خلال الأشهر الماضية، لكنها لم تمنع العراقيين من الاستعداد الكامل لشهر الصيام، والإقبال على شراء الزينة، والمواد الغذائية، رغم أن أسعار بعضها ارتفع بشكل مبالغ فيه بسبب الاحتكار من قبل التجار الكبار، وخصوصاً الطحين والزيوت، لكن هناك منافذ أخرى لتوفير نوعيات سعرها أقل كي لا تشعر العائلات الفقيرة بأنها غير قادرة على الاستعداد للشهر".
وتشرح أميرة جهاد (51 سنة)، من حي الكرادة في بغداد، تفاصيل استعداداتها الخاصة، قائلة لـ"العربي الجديد": "أقوم بغسل المنزل بالكامل، السجاد والستائر وغيرها. العراقيون يعتبرون الشهر يزور منازلهم، وبالتالي لا بد من أن تهيئة كل الظروف، وليس من اللائق استقباله من دون تنظيف كل شيء وفق الموروثات القديمة لاستقبال رمضان".
وتكمل: "الاستعدادات لرمضان لا تنتهي إلا بنهاية الشهر، لأنه يحتاج إلى الكثير من اللوازم، وتخصيص مبالغ لتأمين حاجة الفقراء في المنطقة هو الآخر يحتاج إلى ترتيبات. نستعد على مسارين، الأول لتأمين حاجيات المنزل من مواد غذائية، وزينة، واستبدال بعض قطع السجاد والإنارة، والثاني عبر تأمين حاجات العوائل الفقيرة، فأهالي الكرادة، مثل غيرهم من العراقيين، يحرصون على توفير المواد الغذائية للفقراء خلال رمضان، والبعض يعمل في نهاية الشهر، على توفير ملابس جديدة ومبالغ مالية لهم، وهي تسمى (العيدية) في العرف الشعبي".
ويشير رياض محمود (68 سنة)، إلى أن "شهر رمضان يحتاج إلى استعداد نفسي قبل كل شيء، إذ إنه شهر الصفاء الروحي، ونستعد له عبر التصالح مع أنفسنا، وإنهاء العداوات والمشاكل مع الأخرين. بعد ذلك نتفرغ للاستعدادات الأخرى الخاصة بشراء المواد الغذائية، وصولاً إلى الملابس، وخصوصاً الدشداشة والطاقية للرجال والصبيان، وما يُعرف بالنفنوف أو الهاشمي، وهو ثوب فضفاض للنساء والصبايا".
ويوضح محمود لـ"العربي الجديد"، أنّ "العراقيين لا تمنعهم المحن أو ضيق المعيشة عن الاستعداد لشهر رمضان، لأنه يمثل استثناء بين أشهر السنة. لدينا في العراق مثل شعبي يقول (ماكو أحد يموت من الجوع)، وبالتالي فالحاجات يتم توفيرها بكل الطرق، وللفقراء حصة من الاستعدادات تشمل التبرعات والصدقات، والموائد الرمضانية، وتوزيع الوجبات قبل الإفطار، وخلال أيام عيد الفطر. الأعوام الأخيرة شهدت تراجع الاستعدادات، لكن التكافل يسهم في معالجة كثير من أزمات الفقراء".
أسواق
التحديثات الحية
وتبين الناشطة رواء علي (34 سنة)، أنّ "تزيين المنزل أحد الاستعدادات السنوية، ونحن نستذكر والدنا الذي رحل قبل سبع سنوات في شهر رمضان. يتشارك أفراد الأسرة في تحضير العصائر والتمور، وبعض الأكلات التي تحتاج إلى توفير مواد مثل الكليجة، والمدكوكة. لكن حملات التكافل أهم ما يميز الشهر، إذ تبدأ قبل حلوله، ويميز هذه الحملات أنها لا تنظم بالضرورة عبر منظمات أو مؤسسات، بل من عوائل تقوم باختيار أحد أفرادها، وتوفير المواد الغذائية له ليتكفل بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، وهذه الحملات تتواصل حتى حلول عيد الفطر، والذي تتوفر فيه الملابس والمبالغ المالية والوجبات الغذائية".
في صبيحة يوم العيد، يتوجّه العراقيون مع أطفالهم فجراً إلى المساجد لأداء صلاة العيد، وبعدها يقصدون "بيت العائلة"، وعادة ما يكون بيت الجدّ أو الجدّة أو العمّ الأكبر أو الخال الأكبر، وهناك يكون فطور العيد الذي لا يخلو من "القيمر" و"الكاهي" وهي قشدة مع رقائق بالعسل، إلى جانب المعجنات والألبان.