20 عاماً على الغزو الأميركي: ساسة العراق يقيمون في منازل مصادرة

آخر تحديث 2023-03-27 00:00:00 - المصدر: العربي الجديد

أحد قصور صدام حسين بالبصرة، يناير 2022 (حسين فالح/فرانس برس)

لا يزال معظم المسؤولين الكبار في الحكومة العراقية الحالية وزعماء الأحزاب والمليشيات والنواب يقيمون في منازل وقصور عائدة للدولة العراقية، بطرقٍ غير قانونية ومن دون استئجار من الدولة، بل من خلال العلاقات الشخصية والمصالح السياسية.

وكانت حكومات عراقية سابقة، تحديداً حكومتي حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، سعت إلى فتح ملف المنازل والقصور العائدة للدولة، التي كانت تستقر فيها عائلة الرئيس الراحل صدام حسين والمقرّبون منه والمسؤولون في النظام الذي أسقطته الولايات المتحدة عام 2003، لكن من دون جدوى.

منازل وقصور مستولى عليها

وتنتشر عشرات المنازل والقصور الكبيرة في العاصمة بغداد، ومنها في أحياء الجادرية والكرادة وكرادة مريم والمنطقة الخضراء والقادسية واليرموك والحارثية، وهي مجمعات سبق أن أسست في زمن صدام حسين، وبقيت تستخدم من قبل المسؤولين.

وكان من المفترض أن تعود إلى الدولة وتحوّلها إلى مراكز وهيئات وأبنية حكومية، إلا أن المسؤولين الحاليين وقادة الأحزاب يتنعّمون فيها، وفقاً لمراقبين، بطريقة لا تختلف كثيراً عن عهد ما قبل عام 2003.

وعلى وجه التحديد، فإن القصور والمنازل الفخمة الواقعة داخل حدود المنطقة الخضراء ومحيط ساعة بغداد، حصل عليها مسؤولون وسياسيون من القوات الأميركية التي أخضعت تلك المناطق لسلطتها بعد احتلال بغداد. وكان عام 2009 تحديداً الأكثر نقلاً لتلك المباني والقصور من عهدة القوات الأميركية إلى حكومة نوري المالكي، التي بدورها وزّعتها على قيادات سياسية مختلفة.


غالبية سكان المجمعات لا يدفعون للدولة أي مبالغ

وتم الاستيلاء على مباني شارع أبو نواس والجادرية والكرادة عنوة من قبل مسؤولي الأحزاب بعد دخولهم بغداد عام 2003، إذ تركها شاغلوها وهم من أسر قيادات ومسؤولي البلاد قبل الغزو الأميركي، بعضها ملك شخصي ويعود لرؤساء سابقين أيضاً مثل أحمد حسن البكر، عدا عن استغلال مقرات حزب البعث العراقي ومراكز أمنية من قبل تلك الأحزاب ومن بعدهم فصائل مسلحة مختلفة.

ويرفض المسؤولون العراقيون، وبعضهم لا يمتلك وظيفة في الدولة أصلاً، الخروج من هذه المنازل التي يعتبرها العراقيون "مستولى عليها بالقوة"، على الرغم من المطالبات الكثيرة التي تصدر عن ناشطين وصحافيين وقانونيين، فيما لا يستجيب المسؤولون لقرارات قضائية صدرت في وقتٍ سابق، قضت بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لصدام حسين ورموز نظامه، وتسليمها إلى وزارة المالية. ويبرر المسؤولون وجودهم في هذه المنازل بأنها "بطريقة أصولية ورسمية، من خلال دفع الإيجارات للدولة العراقية".

لكن مصادر مقرّبة من حزب ديني، كشفت أن "غالبية المجمعات التي تحوي هذه المنازل، في بغداد تحديداً، مثل مجمع القادسية وداخل حدود المنطقة الخضراء، لا تدفع للدولة أي مبالغ، بل إن المسؤولين يتبادلون بين بعضهم البعض هذه المنازل. وأحياناً يتم إهداء هذه المنازل من مسؤول أو زعيم حزب لآخر، كما هو الحال في منزل في حي القادسية أهداه رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى زعيم حركة بابليون ريان الكلداني".

ووفقاً للمصادر نفسها، فإن "الوزراء ورؤساء الكتل البرلمانية وقادة الفصائل المسلحة جميعهم يقيمون في المنازل العائدة للدولة من دون أي أوراق رسمية لاستئجارها، وهناك شخصيات سياسية بلا مناصب، لكن الواقع السياسي والاتفاقات فرضت أن يكونوا دائماً بالقرب من مصادر القرار، مثل حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ونوري المالكي وباقر جبر الزبيدي وسليم الجبوري ومحمود المشهداني، وغيرهم".

وبيّنت المصادر أن "الأمر ينطبق على الشقق الكبيرة والفارهة داخل المنطقة الخضراء، إذ أن بعضها مستولى عليها من قبل نواب سابقين لديهم علاقات قوية برموز السلطة الحاليين".


محمد عنوز: لا تستطيع أي جهة أن تجبر المسؤولين على الخروج من هذه المنازل

في السياق، يقول مقرر اللجنة القانونية في البرلمان، محمد عنوز، إن "وجود شخصيات سياسية في منازل فارهة وقصور داخل المنطقة الخضراء وفي أحياء حيوية في بغداد، من دون عمل سياسي حقيقي أو وظيفة في الدولة، يعد استيلاءً بكل تأكيد".

ويضيف، في حديثٍ مع "العربي الجديد": "تحدثنا عن هذا الأمر كثيراً، لكن لا تستطيع أي جهة أن تجبرهم على الخروج من هذه المنازل، على الرغم من أنها موسومة بتبعيتها لنظام البعث، بل يستقرون فيها من دون وجه حق".

ويضيف عنوز أن "بعض المسؤولين استحوذوا على هذه المنازل. وهناك حديث عن قيام بعضهم بتحويل ملكيتها من الدولة أو بعض رموز نظام صدام حسين إلى إخوة وأقرباء وزوجات بعض المستولين، من خلال الاحتيال والتزوير". ويشير إلى أن "السيطرة بهذه الطريقة على مقدرات الدولة العراقية وأملاكها، أسلوب تسلّطي سيدفع ثمنه كل هؤلاء المسؤولين، كما دفعها من كان قبلهم".

مصادرة أموال وحجز أملاك

وفي عام 2018، أصدرت هيئة المساءلة والعدالة، المكلفة بمتابعة ملف النظام العراقي قبل 2003، قرارين: الأول تضمّن مصادرة أموال 52 شخصاً مقرّباً من صدام حسين، والثاني تضمّن الحجز على أملاك 4257 من المسؤولين في تلك الحقبة.

وضمن هذه الأملاك، أحد المنازل التي استولى عليها رئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي، لكنه أصدر بياناً قال إنه "يدفع بدل إيجار باهظ مقابل المنزل الذي يقطنه في العاصمة بغداد".

أما الناشط السياسي في بغداد أيوب محمد، فيشير إلى أن "الاستحواذ على المنازل بدأ على أيدي الأحزاب بعد عام 2003، ثم إلى الفصائل المسلحة، وليست كلها عائدة للدولة، بل إن هناك أملاكاً عائدة لعراقيين من كل الطوائف، لكن المسيحيين تضرروا أكثر من غيرهم، خصوصاً أملاكهم في جانب الرصافة ببغداد، التي تحولت إلى مقرات حزبية وأخرى لفصائل الحشد الشعبي".

ويؤكد محمد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "جميع الأحزاب تستولي على منازل وقصور وعمارات، وهناك جهات سياسية تمنع عائلات عراقية في المنفى من العودة إلى البلاد لبيع أملاكها، وتستخدم هذه الأملاك كمخازن في أسوأ الأحوال، وكمنام لضيوفها من تنظيماتها في المحافظات".

ومن أبرز الشخصيات التي تستولي اليوم على ممتلكات عامة وخاصة في بغداد، إياد علاوي، الذي استحوذ على منازل عدة في شارع الزيتون ببغداد. أما رئيس تيار "الحكمة" عمار الحكيم، فيسيطر على منزل وزير الخارجية السابق طارق عزيز في منطقة الجادرية.

كما يستحوذ رئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، على قصر البندقية، بينما يستولي زعيم منظمة "بدر" هادي العامري على قصر دجلة في الكرادة، وغيرهم من المسؤولين الذين ينتشرون في أحياء أخرى، من بينها مجمع الوزراء في القادسية، الذي يضم نواباً في البرلمان مثل حسين عرب، وسابقين من آل الطالباني.