بعد أن زارت موانئ عشرات الدول، رست السفينة "لوكوس هوب" الحاملة لأكبر معرض عائم للكتاب في العالم، بجانب ضفة شط العرب بمدينة البصرة وفتحت زيارتها الأولى للعراق الأبواب أمام تنشيط الحركة الثقافية في المدينة المعروفة منذ مئات السنين بإرثها الحضاري ومكانتها الأدبية.
قبل توجهها إلى العراق كانت "لوكوس هوب" تجول بعض الدول المطلة على البحر الأحمر، إذ زارت الأردن والسعودية، ومن جيبوتي أبحرت إلى العراق بدعوة من الحكومة المحلية في البصرة، وبعد وصولها بساعات كان المئات يصطفون في طوابير بانتظار دورهم للصعود مجاناً إلى السفينة لزيارة معرضها.
ويضم المعرض أكثر من خمسة آلاف عنوان كتاب، معظمها صادرة باللغة الإنجليزية، ومنها كتب علمية وفلسفية وروايات، وأخرى تعليمية للأطفال.
الحكومة المحلية في البصرة وضعت منهاج فعاليات ثقافية وفنية وعلمية تقام يومياً على ظهر السفينة (اندبندنت عربية)
وتزامناً مع المعرض وضعت الحكومة المحلية في البصرة بالتنسيق مع إدارة السفينة منهاج فعاليات ثقافية وفنية وعلمية تقام يومياً على ظهر السفينة.
بدأت الفعاليات بمعرض مشترك للفنون التشكيلية، وجلسة قراءات شعرية لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، وعروض موسيقية لفرقة كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة، ومعرض للصور الفوتوغرافية.
زيارات مدرسية وجامعية
نتيجة للزخم الجماهيري الشديد على ارتياد السفينة، قررت الحكومة المحلية تخصيص فترات معينة للزيارات المدرسية والجامعية، وفترات أخرى للجمهور العام، كما تدرس جعل الدخول للعائلات فقط في حال تصاعد وتيرة الزخم أكثر خلال الأيام المقبلة، إذ من المقرر أن تبقى السفينة في البصرة 13 يوماً.
وبحسب نائب محافظ البصرة ضرغام الأجودي فإن "السفينة يزورها في المتوسط مليون زائر سنوياً، وخلال زيارتها لتايوان سجلت رقماً قياسياً عندما زارها 63 ألف شخص في غضون 10 أيام"، مضيفاً أن "العراقيين سيكسرون حاجز هذا الرقم، وهذا دليل على شغفهم بالقراءة، وحبهم للثقافة".
تجوب البحار منذ نصف قرن
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبلغ طول السفينة 132 متراً، وعرضها 21 متراً، وارتفاعها 34 متراً، وهي مصممة كسفينة ركاب منذ بنائها في عام 1973، وكان اسمها الأول "كوستاف"، وكانت تعمل في شمال المحيط الأطلسي، وفي عام 1983 تسلمتها شركة شحن غيرت اسمها إلى "نورينا"، واستخدمتها في الإبحار بين جزر فارو والدنمارك، وفي عام 2004 قامت منظمة (GBA) الألمانية غير الربحية التي ترفع شعار "كتب جيدة للجميع" بشراء السفينة بأموال متبرعين، وأطلقت عليها اسمها الحالي "لوكوس هوب" بعد تجديدها وإجراء تحويرات عليها لتكون سفينة للثقافة تحمل معرضاً للكتاب ومسرحاً وقاعة للمناسبات.
ومع قرب انتهاء العمر الافتراضي للسفينة يعتزم مالكوها إحالتها إلى التقاعد بعد انتهاء جولتها في منطقة الخليج، التي بدأت بالعراق، ومن المقرر أن تمتد إلى الإمارات والبحرين وقطر وعمان، ومن المحتمل أن تكون الهند المحطة الأخيرة في رحلتها الطويلة حول العالم، لتستبدل بسفينة أخرى جديدة.
مجتمع استثنائي داخل السفينة
يواظب على تشغيل السفينة أكثر من 350 شخصاً من 70 دولة، وكل واحد منهم يضطلع بدور محدد في إدامة العمل، ومنهم ربابنة وبحارة ومهندسون وأطباء وعمال تنظيف وباعة كتب، ولا أحد منهم يتقاضى أجوراً لقاء خدماته، فهم متطوعون بالكامل.
وقال نائب قبطان السفينة إيد فيربك (فرنسي الجنسية) لـ"اندبندنت عربية"، إن "مجتمع "لوكوس هوب" يعطي مثالاً حياً على قدرة البشر على التفاهم والتعاون والانسجام بغض النظر عن اختلاف أصولهم العرقية وتعدد جنسياتهم وتنوع ثقافاتهم"، معتبراً أن "ما شجعنا على الالتحاق بالسفينة كمتطوعين هو الفريق المتميز الذي يعمل فيها، والفرصة الفريدة التي نحظى بها في زيارة كثير من المدن حول العالم".
وقد انتهزت الحكومة المحلية في البصرة فرصة وجود المتطوعين الأجانب والاهتمام الإعلامي العالمي بزيارة السفينة لتخطو خطوة جديدة باتجاه تبديد الجمود الذي يعتري الواقع السياحي في المحافظة، إذ نظمت زيارات سياحية للطاقم الأجنبي إلى أبرز الأماكن، كمناطق الأهوار، وشارع الفراهيدي للكتاب، وسوق المقام التاريخية، ومحلة نظران التراثية التي تكثر فيها بيوت الشناشيل ذات التصاميم الفريدة.