مسؤولون استولوا على عقارات فاخرة تابعة للدولة (صباح عرعر/فرانس برس)
يشهد سوق العقارات الفاخرة في العراق رواجا كبيرا وقفزة سعرية حيث تنافس أسعارها قيمة أسعار العقارات في عواصم أوروبية ومنها لندن.
ووفق سماسرة عقارات، وصل سعر المتر المربع الواحد في بعض مناطق العاصمة بغداد إلى أكثر من عشرين ألف دولار، وأن هذه الأسعار تتكرر في محافظات ومدن أخرى حيث تتركز العقارات الفاخرة خاصة في مراكز المدن المعروفة.
ويأتي انتعاش عقارات الأثرياء في وقت يرزح ربع العراقيين تحت خط الفقر ويعانون من بطالة مرتفعة وتضخم جامح، حسب إحصائيات رسمية.
ولا تمتلك وزارة التخطيط العراقية إحصائية رسمية عن حجم وأعداد وأسعار العقارات في المحافظات المختلفة، حيث كشف مسؤول في الوزارة طالباً عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوزارة ليست لديها بيانات بالأرقام.
وأضاف المصدر أن الوزارة لا تزال تعمل على إجراء مسح ميداني لإحصاء العقارات في عموم محافظات العراق، وتسجيل أعدادها ومساحتها ومتوسط أسعارها في السوق المحلية.
ارتفاع غير مسبوق
في سوق العقارات بالعاصمة بغداد، قال، رائد العزاوي، وهو أحد السماسرة إن العقارات في العراق بشكل عام والعاصمة تحديداً تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في الاسعار، ورغم ذلك يوجد إقبال كبير على شرائها من قبل فئات متعددة تمتلك الأموال منهم سياسيون ومتنفذون ومستثمرون.
وأكد العزاوي لـ"العربي الجديد"، أن أسعار العقارات الفاخرة في بغداد ومعظم المحافظات فاقت أسعارها قيمة أسعار عقارات مماثلة في عواصم عربية وأوروبية والكثير من بلدان العالم.
ومن بين تلك الأسباب التي يرصدها السمسار وأدت إلى الاهتمام المتزايد بهذه العقارات أنها باتت تعد تجارة واستثماراً مربحاً مع زيادة التضخم وتراجع قيمة الدينار، تتضاعف قيمة تلك العقارات خلال فترة قياسية قد لا تتعدى السنة الواحدة، مضيفاً أن من الأسباب الأخرى عمليات غسل الأموال التي يتجه إليها المتنفذون أو الذين يحصلون على أموالهم بطرق غير مشروعة.
وعن أنواع العقارات الفاخرة في العراق، أوضح العزاوي أنها تنقسم بين المراكز التجارية (المولات)، والعمارات السكنية والتجارية، بالإضافة إلى الفلل الفاخرة ذات المكان المميز والقيمة العالية والمكونة من مواد إنشائية عالية الجودة، وتختلف أسعارها من منطقة لأخرى حسب الأهمية.
أرقام قياسية
يرى خبراء ومختصون أن الإقبال على شراء الوحدات السكنية الفاخرة تسبب بارتفاع أسعار العقارات إلى أرقام قياسية، لأن استثمارها يعد استثماراً آمناً دفع المسؤولين في البلاد لتحويل استثماراتهم من الخارج إلى الداخل، فضلاً عن مخاوفهم من العقوبات الأميركية التي قد تجمد في أية لحظة حساباتهم في الخارج، مما يعني أن عمليات غسل للأموال تتم من خلال الاستثمار في العقارات، حيث لم تتخذ الحكومات المتعاقبة أي إجراء حقيقي للسيطرة على هذا الإجراء.
وقال الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، إن الإقبال على شراء العقارات الفاخرة، وارتفاع أسعار العقارات بشكل عام، يعودان إلى إجراءات البنك الفيدرالي الأميركي الذي اتخذ عقوبات وعمليات مراقبة للأموال بحق مسؤولين ومتنفذين عراقيين مجمدة أرصدتهم في الخارج.
وأضاف المشهداني، لـ"العربي الجديد"، أن المسؤولين الفاسدين لديهم وكلاء يقومون بشراء العقارات ومنها العقارات الفاخرة بأسعار مرتفعة، لضمان عدم مساءلتهم أو تسجيل دليل ملموس عليهم، مما يُعتبر طريقة جديدة لغسل الأموال، خاصة بعد تدهور القطاع المصرفي اللبناني الذي يشهد أزمة كبيرة، حيث كان السياسيون العراقيون يستثمرون أو يضعون أموالهم هناك.
وأضاف أن هناك أراضي وعقارات تابعة للدولة العراقية، وضعت جهات متنفذة وفصائل مسلحة يدها عليها بشكل كامل.
وأشار المشهداني، إلى أن العقارات السكنية الفاخرة اليوم اقتصرت على المشاريع والمجمعات الاستثمارية السكنية، التي لا يمكن للمواطن البسيط شراؤها، إنما خصصت لأصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين لأنها تتمتع بحماية أمنية عالية فضلاً عن توفر الخدمات الأساسية من ماء، وكهرباء، وخدمات بلدية، وأسواق.
دعم الدولة
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، إن ظاهرة بناء الفلل والعقارات الفاخرة في العراق لا تخلو من عمليات غسل الأموال، معتبراً أن تداول هذه العقارات يعد ظاهرة مبالغاً فيها لأنها حالة غير صحية من الجانب الاقتصادي.
وأضاف المرسومي لـ"العربي الجديد"، أن هناك عقارات تكون مدعومة من الدولة من خلال بناء مجمعات يحصل المستثمرون بموجبها على أراضٍ بأسعار رمزية، لكن يتم بيعها بأسعار عالية لا تتلاءم مع أصحاب الدخل المحدود.
وأكد أن العقارات الفاخرة تصنع فوارق طبقية تجاه المجتمع في هذا الجانب، كما تساهم في تبديد الأموال بدلاً من استثمارها في مشاريع إنتاجية وخدمية ترفع الضرر عن المواطن البسيط.
فشل المستثمرين
يرى الباحث الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن العراق يشهد أزمة سكن حقيقية، وبناء المجمعات السكنية الفاخرة لا يغطي ما يحتاج إليه البلد من وحدات، حيث إن الحاجة الفعلية للوحدات السكنية في العراق تصل إلى 3 ملايين وحدة سكنية، إلا أن الجمعيات السكنية لا تتعدى إنشاءاتها 10 آلاف وحدة سكنية سنويا فقط.
وبيّن التميمي لـ"العربي الجديد"، أن الدولة العراقية قدمت الدعم لإنشاء المجمعات السكنية بهدف تقليص أزمة السكن، إلا أن المستثمرين فشلوا في تحقيق هذا الهدف، واتجهوا إلى بناء وحدات سكنية فاخرة، تتجاوز القدرة الشرائية للمواطن.
وأشار التميمي إلى أن هناك حالة من الفوضى العمرانية تشهدها المدن ذات الكثافة السكانية، حيث يعيش ما يقارب 10 بالمائة من سكان البلاد في المناطق العشوائية التي تزيد عن 3 آلاف منطقة موزعة في عموم البلاد.