كرسي للسوداني في قمة الديمقراطية

آخر تحديث 2023-04-11 00:00:00 - المصدر: شفق نيوز

2023-04-10T10:30:46.000000Z

في القمة من أجل الديمقراطية الأولى التي دعا إليها الرئيس الأمريكي جو بايدن نهاية عام 2021، عبّرت عن توقعي باللغو المنتظر عندما يتم اعتبار العراق دولة ديمقراطية مفترضة، وهو سخف يفوق سخف الوعد السياسي الذي أطلقه جورج بوش بتحويل العراق إلى واحة ديمقراطية في المنطقة، بيد أنه سرعان ما تحولت تلك الواحة إلى وصفة أمريكية صريحة للخزي والظلم والفساد والفشل.

وفي القمة الثانية الافتراضية والسريالية التي انعقدت قبل أيام عبر تطبيق زووم منحت كرسياً لرئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، فيما الدرس الأكبر الذي تعلمته الولايات المتحدة بعد عشرين عامًا على احتلال العراق إنها فشلت في انتاج دولة على شاكلتها بالقوة وفق نصيحة كولن باول لبوش “قسّم كي تُسيطر”.

فوجود السوداني في مؤتمر بايدن للديمقراطية يعيد إلى الذاكرة صلافة سيء الذكر أحمد الجلبي عندما أعلن مبكرًا بعد تزعم الترويج لاحتلال بلده “المفترض”! والقضاء على مؤسساته الوطنية عام 2003 بأن دول المنطقة لن تسمح بقيام عراق ديمقراطي!

الأمر الذي دفع إيمي هوثورن مديرة أبحاث مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى اعتبار دعوة العراق إلى قمة بايدن للديمقراطية بالمعيبة بدرجة كبيرة.

يتحرك بايدن في المنطقة الرمادية من الديمقراطية، ويستخف بالواقع عندما يتعلق الأمر بالبؤس والفساد السياسي القائم في العراق، بمجرد منح كرسي عن بعد للسوداني واعتبار حكومة الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية، “حكومة ديمقراطية” أسوة بالديمقراطيات العريقة.

هذا يعني أن الديمقراطية مريضة، لكنّ السياسيين الأمريكيين يرفضون إدخالها إلى غرفة العناية المركزة، منذ سردية أكاذيب احتلال العراق بذريعة صناعة الديمقراطية ثم غياب الحقيقة بشأن الهزيمة المريعة للقوات الأمريكية في أفغانستان.

من الواضح أن الإهمال والانطواء الأوروبي الأمريكي بشأن جريمة الديمقراطية التي ارتكبت في أفغانستان والعراق، يتم القبول بها في المجتمع الدولي بوصفهما نتاج عمل من أجل الديمقراطية نفسها!، ذلك ما يكشف للعالم أن قمة بايدن مثيرة للسخرية عندما يسمح للراديكاليين بالوقوف أمام التاريخ والصراخ عن القيم المثالية “السوداني نتاج حزب طائفي مبني على أساس تقسيم المجتمع العراقي”، وهكذا لم يكن ينقص قمة بايدن إلا القبول بإبراهيم رئيسي ممثلا ديمقراطيًا لإيران في قمة الديمقراطية.

بعدما فشلت الولايات المتحدة في اختراع “دولة ديمقراطية” في العراق بقوة السلاح، يحاول بايدن زرق حقنة في جسد الديمقراطية العليل، فالحرب على الإرهاب حولت حياة شعوب دول إلى مجرد علف لإنتاج عناوين عريضة في الصحف الأمريكية تحيي قوة القادة الغربيين وعملهم السريع وعزمهم عبر أكاذيب متصاعدة ومستمرة، ولا أحد منهم أعتذر عن تلك الأكاذيب بعد افتضاحها للرأي العام.

فإذا كانت الولايات المتحدة قد استوعبت درسًا كبيرًا واحدًا في القرن الحادي والعشرين، فهو أن الديمقراطية لم تنشأ تحت تهديد السلاح وبعد عشرين عامًا من احتلال العراق.

ووفقًا لـ V-DEM وهو معهد أبحاث سويدي، يعيش ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان العالم الآن في أنظمة استبدادية “شارك بعض حكومات هذه الدول في قمة بايدن باعتبارهم ديمقراطيين”. هذا التحول الدائر يبرر مصطلح “الركود الديمقراطي”.

لا تأتي المشاركة في القمة بالضرورة مع أي التزامات “بما في ذلك مشاركة العراق”، ولا توجد أي آليات حقيقية لإلزام الدول المشاركة ببعض المعايير المتعلقة بديمقراطياتها.

وهكذا كانت قمة بايدن للديمقراطية متجر نقاش غير منطقي أو عرض غير مرحب به في تناقض السياسة الخارجية الأمريكية على المسرح العالمي، حيث تذهب واشنطن للمضاربة من أجل حقوق الإنسان في بعض السياقات وتنظر في الاتجاه الآخر في سياقات أخرى.

فما من دولة في الشرق الأوسط رفعت فيها الولايات المتحدة البنادق وأصبحت ديمقراطية، إلا ان مجرد اعتبار حكومة الإطار التنسيقي ديمقراطية، فذلك يدفع التاريخ الى الشفقة على الديمقراطية نفسها. وأن زخ فيها بايدن حقنه سياسية فاقدة الصلاحية كعلاج سريالي في قمة عقدت عن بعد.

لقد شهدت القمة التزام الولايات المتحدة مع دول أخرى بتعزيز معايير شفافية الشركات، وزيادة قدرات الحكومات على تتبع ومنع “الأموال القذرة” للحكام الفاسدين والمستبدين من أن يتم غسيلها في أنظمتهم المصرفية. لكن بمجرد وضع هذا الالتزام على السوداني الذي تتبوأ حكومته قمة مؤشر الفساد العالمي، نرى أن اللغو مستمر وبنجاح على مدار دورتين في قمة بايدن للديمقراطية!