أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية في العراق أمس الثلاثاء صدور قرار حكم حضوري بالحبس الشديد على رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش، جراء ارتكابه ما يخالف واجباته الوظيفية، والتسبب بالإضرار بالمال العام، إذ ارتكب مخالفات في شراء فندق بـ47 مليار دينار (ما يقارب 36 مليون دولار أميركي). ويحتل العراق المرتبة 157 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2022 من بين 180 دولة مدرجة على المؤشر.
دائرة التحقيقات في الهيئة، وفي معرض حديثها عن تفاصيل القضية التي حققت فيها مديرية تحقيق بغداد وأحالتها إلى القضاء، أشارت إلى أن قاضي محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية أصدر حكماً حضورياً يقضي بالحبس الشديد لمدة أربع سنوات بحق الرئيس الأسبق لديوان الوقف السني، لقيامه بمخالفة واجبات وظيفته عمداً، والتسبب في إضرار المال العام.
وتابعت الدائرة موضحة أن تفاصيل القضية تشير إلى أن المخالفات التي ارتكبها المدان، تمثلت بإقدامه على توجيه هيئة إدارة واستثمار الوقف السني لشراء فندق (أرمادا) الكائن في إقليم كردستان، على رغم عدم وجود جدوى اقتصادية، وموافقته على عكس الأمانات، خلافاً لتعليمات ديوان الرقابة المالية، لافتة إلى أنه أصدر أمر التنازل عن حق الطعن في دعوى استملاك الفندق، قاصداً بذلك منفعة أصحاب الفندق على حساب الدولة.
وأضافت أن المحكمة وبعد اطلاعها على الأدلة المتحصلة والإثباتات في القضية والأوراق التحقيقية توصلت إلى مقصرية المتهم، فقررت إدانته والحكم عليه حضورياً استناداً إلى مقتضات المادة 331 من قانون العقوبات.
ويشار إلى أن هيئة النزاهة أعلنت في الـ21 من مارس (آذار) الماضي، تمكن الفريق الساند للهيئة العليا لمكافحة الفساد من تنفيذ أمر القبض الصادر بحق رئيس ديوان الوقف السني الأسبق.
وسبق للهيئة أن أعلنت صدور أوامر استقدام بحق رئيس أحد دواوين الأوقاف وعدد من كبار المسؤولين في الديوان، لإحداثهم عمداً ضرراً بأموال ومصالح الجهة التي يعملون فيها، فضلاً عن أمر بمنع سفر المتهمين وحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
جائحة الفساد
ويشكل الفساد آفة كبيرة وخطرة في العراق، إذ وصف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مكافحة الفساد بـ"المعركة الكبرى للعراق"، معتبراً إياها "جائحة" لا بد من مواجهتها.
وذكر السوداني أن كل شيء يتوقف على عزمنا في مكافحة "جائحة الفساد، تلك المعركة الكبرى التي إن تهاونا فيها خسرنا كل معاركنا الأخرى"، مبيناً أن الانتصار في هذه المعركة لا يأتي إلا من خلال التعاون بين كل مؤسسات الدولة.
ولفت في تصريح له خلال إحدى المؤتمرات التي أقيمت في العاصمة بغداد، إلى أن الحكومة لن تتهاون أو تتلكأ مع أي تراجع أو خلل قد يتسبب في استغلال مال الشعب لمصالح شخصية أو حزبية أو فئوية.
الفساد تهديد لكيان الدولة
ويملك العراق اتفاقات دولية لمكافحة الفساد في العراق، إذ شدد النائب زياد الجنابي رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب، على "تصدي اللجنة لآفة الفساد التي تهدد كيان الدولة والمجتمع عبر انتهاج الأساليب الحديثة التي تغطي الجوانب الرئيسة لوظيفة النائب من رقابة وتشريع، وعبر التعاون المثمر مع لجان المجلس والجهات الساندة في الدولة العراقية، إضافة إلى الاستفادة من التعاون مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني بما يعزز دور البرلمان في مكافحة الفساد".
وقال الجنابي إن "مجلس النواب حرص منذ تأسيسه عام 2005، وضمن صلاحياته الدستورية من تشريع القوانين والانضمام للاتفاقات الدولية ذات العلاقة، على تشكيل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، ووضع المناهج التربوية والثقافية، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني في بث ثقافة النزاهة وحفظ المال العام، ووضع طرق فعالة لمكافحة ظاهرة غسيل الأموال، ودعم دور الإدارة العليا بتكثيف الجهود لتطويق الفساد والسيطرة عليه والوقاية منه، ووضع أنظمة فعالة لتقويم أداء المؤسسات الحكومية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن "مجلس النواب مارس دوره التشريعي وخلال دوراته النيابية السابقة والحالية، بإصدار قوانين عدة منها قانون هيئة النزاهة رقم 30 لعام 2011، وقانون ديوان الرقابة المالية رقم 31 لعام 2011، وقانون صندوق استرداد أموال العراق رقم 9 لعام 2021، وقانون الهيئة العامة للنزاهة لإقليم كردستان العراق رقم 3 لعام 2011. وصادق مجلس النواب على الانضمام إلى اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بموجب القانون المرقم 35 لعام 2007، والمصادقة على الاتفاق العربي لمكافحة الفساد بموجب القانون المرقم 94 لعام 2012".
ونوه رئيس لجنة النزاهة إلى "وجود جهات عدة في العراق تمارس دورها الرقابي في مكافحة الفساد، ومنها لجنة النزاهة النيابية، وهيئة النزاهة الاتحادية، وديوان الرقابة المالية، ومكتب غسيل الأموال ومكافحة الفساد"، معبراً عن ثقته بأن "التعاون مع المنظمات الدولية ذات العلاقة سيزيد من تعزيز وتنمية القدرات لدى أعضاء مجلس النواب في الجانبين التشريعي والرقابي في مكافحة الفساد في العراق".
حاجة ملحة
بدوره أكد سعد فياض المدير العام لمعهد التطوير النيابي أن "عملية مكافحة الفساد في العراق تعتبر حاجة ملحة وضرورية في مسيرة إلى واقع جديد من الاستقرار التنموي والاقتصادي، وصولاً إلى تحقيق رؤى مستقبلية للدولة وخططها لقطع دابر الفساد والمفسدين، وتعزيز ثقة الشعب في مؤسساته الوطنية". وأشار إلى أن "دعم مكافحة الفساد يتم عبر تفعيل نقاط القوة والمجالات التي يجب تعزيزها في الإطار القانوني، إلى جانب أهمية تشريع قانون مكافحة الفساد في العراق"، مبيناً أن "جزءاً كبيراً من هذه الجهود يعتمد على زيادة وعي البرلمانيين باتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والالتزامات الناشئة عنه، مما ينعكس إيجاباً على سمعة العراق وترتيبه عالمياً ضمن قائمة الدول التي تواجه الفساد بمختلف أشكاله".
واعتبر فياض أن "ضمان الشفافية والإصلاح القانوني إلى جانب الإجراءات المعتمدة لرفع مستوى أداء المؤسسات كافة ومنها مجلس النواب، إذ تضع المجلس في مواجهة التحديات ومواكبة الوسائل القادرة على إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع، فضلاً عن تحقيق رؤية متكاملة للوصول إلى الأهداف المنشودة".
من ناحيته لفت ياما تورابي مدير مشروع مكافحة الفساد إلى أهمية ورشة العمل في تناول كل ما يتعلق بمكافحة هذه المعضلة وأثرها في تغيير الأوضاع العامة في العراق.
تأخير عجلة النمو
أسهم الفساد في تأخير عجلة النمو الاقتصادي في العراق منذ أكثر من عقدين، إذ أشار الخبير الاقتصادي بسام رعد إلى أن الفساد بات وباء مستشرياً ينخر في جوانب المجتمع كافة.
ويضيف "هو إساءة استخدام السلطة العامة من قبل بعض الموظفين لغرض استغلال الموارد الاقتصادية لمنافعهم الشخصية. وتكمن خطورة ظاهرة الفساد واستشرائها في مجتمع ما في النتائج التي المتمثلة بتدهور الاقتصاد وعرقلة خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعليه فإن التكاليف باهظة جداً وتؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع عدم المساواة في الدخل".
وبحسب رعد "للفساد أضرار أخرى على المجتمع إذ إنه يقوض الثقة في الحكومة ويضعف المعايير الأخلاقية للمواطنين، إضافة إلى تقويض ثقة المجتمع الدولي والمنظمات العالمية بالدول التي تستشري بها ظواهر الفساد. وكما يعلم الجميع فإن العراق احتل المرتبة 157 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2022 من بين 180 دولة مدرجة على المؤشر. وعليه فإن ضرورة مكافحة هذه الظاهرة وتطويقها وعلاجها مطلب أساسي لتحقيق النمو والازدهار".
ورأى الباحث الاقتصادي أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة التي نعيشها اليوم يتمثل في قيام الحكومة بالعمل الجاد من أجل استئصال تلك المعضلة لضمان عمل الحكومة لجميع الناس وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي.