على رغم من البعد الجغرافي للصراع الروسي ـ الأوكراني، إلا أن تأثيراته تجاوزت مساحة الحرب ووصلت إلى بغداد التي تبحث اليوم إيجاد أرضية مناسبة للحوار بين طرفي النزاع لاحتواء الأزمة وتبنيها الدعوة للحوار كأساس لحل المشكلات والخلافات الدولية والإقليمية، في ظل مخاوف من تأثير هذا الصراع إقليمياً ودولياً. إذ أن دخول العراق على خط التوترات كطرف فاعل في الأزمات العالمية الكبرى، يجنبه الدخول في سياسة المحاور.
زيارة "مهمة"
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أعلن خلال استقباله نظيره الأوكراني ديمتري كوليبا في بغداد اليوم الإثنين استعداد بلاده للتوسط لإحلال السلام بين موسكو وكييف، لكن الوزير الضيف شكك بفرص نجاح جهود السلام في الوقت الحالي.
وقال حسين خلال مؤتمر صحافي مع كوليبا، إن "هذه الزيارة مهمة لمستقبل العلاقة بين العراق وأوكرانيا، وأيضاً للدور العراقي المستقبلي في مساعدة أوكرانيا وروسيا".
وهذه الزيارة الأولى لوزير خارجية أوكراني إلى العراق منذ 11 عاماً، تأتي في أعقاب زيارة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بغداد في فبراير (شباط).
وتحاول أوكرانيا، التي تتمتع بدعم من شركائها الغربيين منذ أشهر، تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، تلقى في العاشر من أبريل (نيسان) الحالي، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتناول الاتصال العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تطويرها وتنميتها بالشكل الذي يخدم المصالح المشتركة.
وأوضح حسين أن بلاده مستعدة "لمساعدة الطرفين على الوصول أولاً إلى وقف لإطلاق النار، وثانياً بدء المباحثات"، وذلك في إطار مجموعة الاتصال التابعة للجامعة العربية التي يشارك العراق فيها منذ عام.
لكن وزير الخارجية الأوكراني استبعد نجاح أي مبادرة للوساطة في الوقت الحالي، وقال "لا يمكنك القول إنك تؤيد السلام بينما تحاول السيطرة على مزيد من الأراضي وارتكاب مزيد من الفظائع وتدمير القرى والبلدات"، في إشارة إلى الهجوم الروسي المتواصل على بلاده منذ فبراير 2022.
وأضاف "أياً كان ما يقوله المسؤولون الروس، فإن روسيا اليوم تريد الحرب، الوصول إلى جهود السلام سيستغرق وقتاً".
"مساحة للدبلوماسية"
وأكد كوليبا أن "روسيا يجب أن تقبل شيئاً بسيطاً للغاية، أوقفوا الحرب وانسحبوا من الأراضي الأوكرانية، وهذا سيخلق مساحة للدبلوماسية"، مشيراً إلى أن "استعادة وحدة أراضي أوكرانيا" تمثل "حجر الزاوية" لأي جهد لإحلال السلام.
من جانبه، قال وزير الخارجية العراقي "نؤكد مراراً وتكراراً أننا ضد الحرب ونؤمن بالحوار والمفاوضات، لكن الحوار والمفاوضات تحتاج إلى طرفين، حينما يصل الطرفان إلى قناعة بأنه من الضروري البدء بالحوار، ستكون بغداد في خدمة الطرفين".
وتابع "نرحب بزيارة وزير الخارجية الأوكراني إلى بغداد... أوكرانيا دولة زراعية وصناعية مهمة ونؤكد على استمرار العلاقات معها".
وبيّن أن "العراق يسعى إلى أن يكون جزءاً من الحل في ما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية"، وكشف أن "اللقاء بحث كيفية استمرار العلاقات التجارية مع أوكرانيا وتقويتها، فضلاً عن مجموعة من القضايا التي تتعلق بالمنطقة وأبعاد الحرب الاقتصادية".
وقال "زيارة وزير الخارجية الأوكراني إلى بغداد مهمة والعالم ينظر إلى معالمها".
ويأتي العرض العراقي بعد أن أعلن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أمس الأحد أنه ناقش مبادرة وساطة مشتركة مع الصين والإمارات، متهماً الولايات المتحدة وأوروبا بإطالة أمد النزاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحذير من الانخراط في المحاور
وعقب الزيارة، حذر القيادي في تحالف الفتح، عدي عبد الهادي، من الانخراط في محاور الصراع الروسي – الأوكراني، فيما أشار إلى أن بغداد تجمعها علاقة تاريخية مع موسكو.
وقال عبد الهادي في تصريح صحافي "ندعم المسارات الدبلوماسية التي تفضي لإيجاد حلول سلمية للصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، لكن في المقابل نرفض بشكل قاطع انخراط بغداد في محاور صراع أو الضغط ضد أي طرف".
وأضاف "إذا كان الغرض من زيارة وزير خارجية أوكرانيا إلى العراق، إيهام الرأي العام بأن بغداد تساند كييف في الحرب ضد موسكو، فهذا خطأ كبير"، لافتاً إلى ضرورة أن يكون العراق "بعيداً من محاور الصراع الدولي، وأن يدعم لغة السلام وإنهاء الحرب بشكل منصف لكل الأطراف".
وبحسب عبد الهادي "العراق تجمعه علاقات تاريخية بروسيا، الأمر الذي يحتم علينا أن نأخذ موقف الحياد في الأزمة الأوكرانية، وألا يكون موقفنا رهن ضغوط خارجية، بل وفق المصالح الوطنية العليا".
مستفيد من التجارب السابقة
في المقابل، يعتقد الباحث السياسي، علي البيدر، أن "رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أذكى من أن يقف إلى جانب طرف على حساب الآخر، فهو يقف على الحياد من أي أزمة إقليمية ودولية مستفيداً من التجارب السابقة التي أودت بالبلاد إلى مقتربات التفكك".
ودعا البيدر إلى توظيف حال الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد اليوم لتخفيف حدة التوتر في المنطقة والعالم، ولذلك تأثير كبير في الواقع العراقي، مؤكداً أن "العراق تربطه علاقات إيجابية مع كل من روسيا وأوكرانيا، ولا يمكن لنا دعم أي طرف من الأطراف في هذا الصراع".
ويرى الباحث السياسي أليس من مصلحة العراق أن يكون قريباً من أي طرف في هذه الأزمة، فالساحة العراقية لا تتحمل مزيداً من الخسائر بسبب المواقف السابقة في الاصطفافات الدولية والإقليمية التي حولت البلاد إلى حلبة لتصفية الحسابات.
وزاد، "دخول العراق على خط الأزمة يعني انتقال البلاد إلى طرف فاعل في معالجة قضايا عالمية كبرى، وهذا ما يحسب لحكومة السوداني التي نقلت البلاد من حال الفعل ورد الفعل إلى المبادرة، وهذا ما يحسب لها".