الاقتصاد نيوز/ بغداد
تحدَّث أمين عام أوابك المهندس جمال اللوغاني، في حوار مع "منصة الطاقة"، عن رؤيته لتطورات الأوضاع بسوق النفط والغاز وقطاع الطاقة المتجددة، في ضوء الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية عالميًا.
وأشاد اللوغاني بقرار الخفض الطوعي في إنتاج النفط لدول تحالف أوبك+ الذي جرى في الثاني من أبريل/نيسان الجاري، بقيادة السعودية وروسيا و7 دول أخرى، مؤكدًا أهمية تلك الخطوة في دعم استقرار سوق النفط.
كما تحدَّث أمين عام منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول أوابك عن تبعات انهيار مصرف سيليكون فالي الأميركي، ورؤيته لمدى تماسك سوق النفط، ومتى يتدخل تحالف أوبك+ لإنقاذ الأوضاع.
وفي هذا الحوار، الذي يُعدّ الأول له منذ تولّيه مهام منصبه في الأول من مارس/آذار الماضي، كشف المهندس جمال اللوغاني أبرز مشروعات الغاز العربية، ورؤيته لأسباب عدم ارتفاع أسعار الغاز في شتاء 2022/2023 كما كان متوقعًا.. وإلى نص الحوار:
ما رأيكم في خطوة الخفض الطوعي بإنتاج النفط لعدد من منتجي أوبك+، وهل يمكن أن تتسبب في زيادة التضخم؟
مساء يوم 2 أبريل/نيسان، أعلنت السعودية و8 دول في أوبك+ خفضًا طوعيًا في إنتاج النفط بمقدار 1.66 مليون برميل يوميًا، من مايو/أيار المقبل وحتى نهاية العام الجاري (2023)، هذا بالإضافة إلى خفض الإنتاج المتفق عليه بمقدار 2 مليون برميل يوميًا، في الاجتماع الوزاري رقم 33 للتحالف، الذي عُقد في الخامس من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وبناءً على ما تقدّم، يكون إجمالي خفض الإنتاج المعلَن من بعض دول تحالف أوبك+ خلال المدة الممتدة من شهر مايو/أيار وحتى نهاية العام هو 3.66 مليون برميل يوميًا، أي ما يمثّل قرابة 3.6% من إجمالي الطلب العالمي في عام 2023، البالغ 101.9 مليون برميل يوميًا، وفقًا لأحدث توقعات منظمة أوبك.
ومن وجهة نظرنا، نرى أن هذه الخطوة تعدّ إجراءً احترازيًا يهدف أساسًا إلى دعم استقرار سوق النفط"، وفي هذا السياق، نودّ الإشارة مجددًا إلى حالة عدم اليقين المحيطة بسوق النفط، فالاقتصادات العالمية الرئيسة تشهد تباطؤًا في أدائها، وتستمر البنوك المركزية في سياساتها المتشددة لكبح جماح التضخم، وهو ما قد يُضعف الطلب على النفط.
ومن جانب اَخر، فإن إمكان تنامي التوترات الجيوسياسية في شرق أوروبا يُعدّ أحد أهم العوامل التي قد يكون لها تأثيرات كبيرة في أساسيات سوق النفط، لا سيما الأسعار، خاصة في ظل التدخل المباشر في آليات التسعير بسوق النفط من قِبل كل من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي وأستراليا، والتي فرضت سقفًا سعريًا على صادرات النفط الخام والمنتجات النفطية الروسية المنقولة بحرًا.
كما نودّ تأكيد نجاح النهج الاستباقي لتحالف دول أوبك+ الذي يعتمد على التقييم المستمر لظروف السوق والاستعداد لإجراء تعديلات فورية على الإنتاج بأشكال مختلفة، إذا لزم الأمر، خاصةً في ظل التقلبات المرتفعة وزيادة حالة عدم اليقين المحيطة بسوق النفط العالمية.
ما رؤيتكم لسوق النفط وردة الفعل بعد انهيار بنك سليكون فالي "Silicon Valley" في منتصف مارس/آذار الماضي؟
أسواق النفط العالمية شهدت حالة مرتفعة من عدم اليقين بسبب تنامي المخاوف بشأن الاستقرار المالي في الولايات المتحدة الأميركية، بعد انهيار سيليكون فالي، وهذه أسوأ أزمة مصرفية منذ عام 2008، عندما أصبح المصرف غير قادر على تلبية طلبات السحب من قبل العملاء بسبب أزمة سيولة، وامتدّت هذه الأزمة إلى كل من بنك New York’s Signature وبنك Credit Suisse.
وعلى الرغم من أن عمليات إغلاق البنوك ليس لها تأثير مباشر في الإمدادات أو الطلب على النفط، فإنها تشكّل خطرًا على استقرار الاقتصاد العالمي، فقد تخوَّف المستثمرون في أسواق النفط من إمكان حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي، خاصة في ظل مواصلة مجلس الاحتياطي الفيدرالي تشديد السياسة النقدية للحدّ من التضخم، وما يرتبط بذلك من مخاوف بشأن ضعف الطلب على النفط.
هل توقعتم الانخفاض الكبير في أسعار النفط بعد انهيار سليكون فالي؟
أسعار الخام النفط استردّت معظم خسائرها الناجمة عن الأزمة، بدعم من الإجراءات المصرفية التي اتُّخِذَت، بما في ذلك موافقة شركة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية على بيع ودائع وقروض بنك Silicon Valley إلى مؤسسة First Citizens، واستحواذ بنك "يو بي إس" السويسري على بنك Credit Suisse، وهو ما أسهم بشكل كبير في تهدئة المخاوف من أن الاضطرابات المالية قد تضرّ بالاقتصاد وتُقلّص الطلب على الوقود.
بعضهم يقول، إن سوق الطاقة، والنفط خاصة، "هشة" لدرجة أنها تتأثر بأيّ معطيات دولية.. ما صحة ذلك؟
عادةً ما تكون كل القطاعات الاقتصادية عرضة للتأثر بأيّ معطيات دولية، وهو ما يمكن ملاحظته في جائحة فيروس كورونا المستجد والأزمة الروسية الأوكرانية.
وفي هذا السياق، نجحت سوق النفط العالمية في التكيف بشكل سريع نسبيًا مع سلسلة الصدمات الكبيرة التي تعرضت لها على مدار الأعوام الماضية، وكان تحالف دول أوبك+ هو أحد أوجه التعاون الذي أسهم بشكل أساس بتحقيق الاستقرار والتوازن في سوق النفط، الذي يُعدّ أمرًا ضروريًا لتحقيق النمو المستدام في أداء الاقتصاد العالمي.
غير أن تنامي التوترات الجيوسياسية، وما يرتبط بذلك من زيادة التدخلات الحكومية في سوق النفط، جعلت السوق عرضة لحالة مرتفعة من عدم اليقين، خاصة أن مخاوف أمن الطاقة والقدرة على تحمّل تكاليفها المرتفعة أصبحت هي المحركات الرئيسة لسياسة الطاقة العالمية.
عند انهيار أسعار النفط يطالب كثيرون بأن يتدخل تحالف دول أوبك+.. هل تؤيدون ذلك؟ وما هو الحد الأدنى لانخفاض الأسعار الذي يمكن عنده أن نرى التحالف يتدخل لإنقاذ الوضع؟
القرارات التي اتخذها تحالف دول أوبك+ منذ بدء تشكيله وحتى الوقت الحالي قدّمت دليلًا حيًا على الدور المهم الذي أدّاه في تحقيق توازن واستقرار سوق النفط العالمية المتقلبة، وهو دور من المرجّح أن يستمر في المستقبل.
وهنا تجدُر الإشارة إلى أن التحالف عادةً ما يراقب عن كثب أيّ تطورات قد يكون لها تأثيرات طويلة المدى في هدفه الرئيس، وهو توازن واستقرار سوق النفط العالمية، كما أنه يتبع نهجًا ناجحًا يتمثل في اتخاذ إجراءات استباقية لتحقيق هذا الهدف، مثل القرار الأخير بخفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يوميًا حتى نهاية العام الجاري (2023)، في ظل حالة عدم اليقين المرتفعة التي تكتنف الاقتصاد العالمي وتوقعات سوق النفط، والحاجة إلى تعزيز التوجيه طويل المدى لسوق النفط.
صدرت تصريحات رسمية مؤخرًا من وزيري الطاقة في السعودية والجزائر، ووزير النفط الكويتي، يحذّرون من انهيار سوق النفط في حال إقرار مشروع قانون "لا أوبك NOPEC" الأميركي .. كيف تنظرون إلى هذا التشريع ومدى تأثيره في سوق النفط؟
هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها التلويح باستعمال قانون "NOPEC"، ولم يلتفت مؤيّدو مشروع القانون إلى أنه في حاله إقراره سيؤدي إلى عجز الإمدادات عن تلبية الطلب المستقبلي في سوق النفط العالمية بشكل ملحوظ، خاصة في ظل وجود عدد من العوامل، كالتالي:
أولًا: محدودية الطاقة الإنتاجية الفائضة الناجمة عن نقص الاستثمارات في قطاع النفط، والذي تفاقم بدوره بسبب محاولات الاستغناء عن الوقود الأحفوري.
ثانيًا: انخفاض المخزونات الإستراتيجية إلى مستويات متدنّية حرجة على خلفية استعمالها من قبل الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية خلال العام الماضي أداةً للتأثير في موازين السوق النفطية في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية، وهو الأمر الذي ثبتَ عدم فعاليته بمرور الوقت.
ثالثًا: تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على إنتاج النفط الخام في روسيا، التي قررت مؤخرًا خفض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميًا بدءًا من شهر مارس/آذار 2023، استجابة للحظر المفروض على صادراتها النفطية.
هل يتفق أمين عام أوابك مع ضرورة عدم تصدير النفط إلى أيّ دولة تضع سقفًا لأسعار نفط أوبك، مثلما قال وزير الطاقة السعودي، بأن بلاده لن تصدّر النفط إلى أيّ دولة تضع سقفًا على أسعار نفط المملكة؟
إن وضع سقف لأسعار نفط أوبك يعدّ تدخلًا مباشرًا في أساسيات السوق العالمية، سيكون لها تداعيات كبيرة، ليس فقط على استقرار وتوازن سوق النفط، ولكن على أمن الطاقة العالمي عمومًا.
ما توقعاتكم للطلب على النفط في 2023؟
تشير التوقعات إلى نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2023 بدعم رئيس من تعافي النشاط الاقتصادي والصناعي في الصين (أكبر مستورد عالمي للنفط)، التي قررت في نهاية العام الماضي إلغاء القيود الصارمة المرتبطة بسياسة "صفر كوفيد - Covid Zero" لمنع انتشار فيروس كورونا، غير أن هذه التوقعات تحيط بها حالة من عدم اليقين مرتبطة بتباطؤ أداء الاقتصاد العالمي، ومستويات التضخم المرتفعة.
ما توقعاتكم لأسعار النفط عام 2023، في ضوء كل هذه التحديات والتوترات الجيوسياسية؟
سوق النفط تحيط بها حالة مرتفعة من عدم اليقين، يصعب معها تحديد مستوى محدد قد تصله أسعار النفط، ولكن عمومًا هناك عدّة سيناريوهات مختلفة لاتجاهات أسعار النفط في عام 2023.
وتعتمد تلك السيناريوهات على مستوى أداء الاقتصاد العالمي (انتعاش/أو ركود)، وما يرتبط به من (ارتفاع/انخفاض) في الطلب على النفط الخام ومنتجاته، وسياسات البنوك المركزية الرئيسة (المتشددة/أو الميسِّرة)، ومعدلات التضخم العالمية (ارتفاع/ أو انخفاض)، ومستوى التوترات الجيوسياسية وتداعياتها (تصاعد/ أو تراجع)، فضلًا عن إمكان حدوث أيّ انقطاعات غير مخطط لها في الإمدادات، وإمكان عودة تفشّي فيروس كورونا (لا سيما في الصين).
ما متوسط تكلفة إنتاج النفط في دول الخليج؟
تُعدّ تكلفة إنتاج النفط في دول الخليج هي الأقلّ على المستوى العالمي، نظرًا لموقعها الجغرافي وتكوينها الجيولوجي وكبر حجم الحقول (وفورات الحجم) والكفاءة التشغيلية مع استعمال أحدث التقنيات العالمية.
وتشير التقديرات إلى أن متوسط تكلفة إنتاج النفط في دول الخليج يتراوح ما بين 3 دولارات و15 دولارًا للبرميل.
توقعت أوابك أن يشهد شتاء 2023 ارتفاع الطلب إلى مستويات قياسية، وأيضًا الأسعار، لكن الوضع في السوق كان هادئًا، ما السبب؟
ظروف الشتاء المعتدل في أوروبا أدّت دورًا رئيسًا في تراجع الطلب على الغاز، علاوة على تطبيق الصين لسياسة صفر كوفيد، والتي أدت إلى تراجع حاجة السوق الصينية للغاز الطبيعي المسال، وحلّت في المركز الثاني عالميًا، خلف اليابان.
كانت منظمة أوابك أول من طالب الدول بتوقيع عقود غاز طويلة الأجل، هل هي بالفعل الطريقة المثلى للمشروعات الجديدة؟
صناعة الغاز الطبيعي المسال صناعة باهظة التكاليف، ولذلك تضمن العقود طويلة المدة للبائع الحصول على تدفقات نقدية مستمرة لضمان استمرار ضخ الاستثمارات في موارد الغاز وتغطية التكاليف، بينما تضمن للمشتري الحماية من تقلّب الأسعار التي تعاني منها الأسواق الفورية، مع ضمان تأمين الإمدادات.
ما أبرز المشروعات العربية المرتقبة، والتي بإمكانها الإسهام في تأمين الإمدادات الأوروبية؟
مشروع توسعة "حقل الشمال" بدولة قطر بطاقة 49 مليون طن سنويًا، ومشروع "تورتو أحميم" في موريتانيا بطاقة 5 ملايين طن سنويًا، ومشروع في الفجيرة للغاز الطبيعي المسال بطاقة 9.6 مليون طن سنويًا، وستسهم هذه المشروعات في رفع الطاقة التصديرية للغاز الطبيعي المسال، الأمر الذي سيمكّنها من زيادة صادراتها من الغاز المسال إلى السوق الأوروبية والعالمية حال توقيع اتفاقيات جديدة، بما يحقق المنفعة المشتركة لكلا الجانبين.
بحسب دراسات أوابك، ما هي احتياطيات الغاز المتوقعة في شرق المتوسط؟
أولت الأمانة العامة لمنظمة أوابك اهتمامًا خاصًا بمنطقة شرق المتوسط منذ سنوات، في إطار متابعتها لأبرز التطورات الإقليمية والدولية في مجال الطاقة عمومًا، والغاز الطبيعي خصوصًا، إذ أصدرت دراسة متخصصة في عام 2018 بعنوان "واقع وآفاق الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط"، أشارت إلى احتواء منطقة شرق المتوسط بقسميها الشرقي والغربي، بداية من السواحل السورية وصولًا إلى شمال مصر، على احتياطي غاز قابل للاستخراج يُقدَّر بنحو 470 تريليون قدم مكعبة، بالإضافة إلى قرابة 10 مليارات برميل من سوائل الغاز، علمًا بأن حصيلة ما اكتُشِفَ إلى الآن بلغ أقلّ من 100 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، أي نحو 21% من إجمالي التقديرات لثروات المنطقة المحتملة.
بحسب التقرير الأخير لأوابك عن الغاز والهيدروجين، هل يمثّل الهيدروجين فرصة للدول العربية، خاصة كبار منتجي النفط؟
لا شك أن الدول العربية حاضرة وبقوة في المشهد العالمي للهيدروجين، إذ وضعت عدّة دول أهدافًا محددة بأطر زمنية لإنتاج الهيدروجين والحصة المستهدفة من التجارة العالمية، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، الأمر الذي يعكس حرصها على الوجود في هذا السوق الواعدة مستقبلًا، والظفر بحصّة سوقية مهمة، لتضيف إلى موقعها الريادي في أسواق الطاقة دورًا جديدًا بصفة مصدّر للهيدروجين، أسوة بدورها التاريخي مصدّرًا عالميًا لإمدادات النفط والغاز منذ عدّة عقود.
ما توقعات أوابك لعدد مشروعات الهيدروجين في الكويت والسعودية وسلطنة عمان والجزائر ومصر في نهاية عام 2023؟
حسب التقرير الأخير لأوابك حول تطورات الغاز والهيدروجين، بلغت حزمة المشروعات المعلَنة في إنتاج ونقل واستعمال الهيدروجين في الدول العربية نحو 73 مشروعًا، والتي جاءت "بمحفظة متنوعة"، شملت مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، ومشروعات لإنتاج الهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء، ومشروعات لنقل الهيدروجين واستعماله في مجال النقل البري والبحري والجوي.
ومن المتوقع أن يرتفع العدد نهاية العام، في ظل الاهتمام المتزايد بهذا النشاط.