عناصر في "الحشد" في بغداد، يناير 2022 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
تجاوزت أعداد عناصر فصائل "الحشد الشعبي" في العراق 200 ألف مسلح وفقاً لما أعلنه رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض، في تصريحات له عبر محطة تلفزيون محلية عراقية مساء أمس الأول الثلاثاء.
وقال الفياض، في لقاء متلفز، إن "أعداد عناصر ومقاتلي الحشد الشعبي كانت 170 ألف عنصر حتى إقرار ميزانية عام 2022، التي سميت بالأمن الغذائي، والتي سمحت بإضافة نحو 30 ألف عنصر من المفسوخة عقودهم".
وأضاف: "بالفعل تم استيعاب هؤلاء، حتى بلغت الأعداد حالياً أكثر من 200 ألف عنصر، وتحديداً قرابة 204 ألاف عنصر، لكن البرلمان في المرحلة الحالية لم يخصص أي درجة وظيفية للهيئة، وإن أفراد الحشد ما زالوا بلا رتب عسكرية رسمية وقانون الخدمة والتقاعد الخاص بهم ما زال على طاولة البرلمان". وبيّن أن "مهام الحشد الشعبي الأولى الدفاع عن الدولة لا الحكومة، وليس هناك مقارنة بين الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني".
مهدي تقي: أعداد عناصر الحشد الشعبي التي طرحها الفياض قد تكون غير كافية
واعترف الفياض بأن "الفساد منتشر في جميع فصائل الدولة والمجتمع ومن ضمنها الحشد والجيش، وأن فصائل الحشد هي من حاصرت منزل رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي (في مايو/أيار 2021)"، لكنه نفى، في المقابلة، أن "يكون الحشد قد استهدف إقليم كردستان".
اتهام الفصائل "الولائية" باستغلال "الحشد"
وتتهم الفصائل المسلحة الموالية لطهران، وهي التي تعرف محلياً بـ"الولائية"، أي المرتبطين بشكل مباشر بـ"فيلق القدس" الإيراني، وأبرزها "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، ومليشيات أخرى، بأنها تستغل غطاء "هيئة الحشد الشعبي"، للحصول على أموال كبيرة.
وهي تتهم تحديداً بإدراج آلاف الأسماء الوهمية ضمن جداول التعيينات، لتُدخل مليارات الدنانير العراقية في خزائن هذه الفصائل، لممارسة نشاطات تجارية وأخرى عسكرية ضد التواجد الأميركي في البلاد، وتمويل وسائل الإعلام الخاصة بها لمهاجمة الحراكات السياسية المناوئة لها، وتحديداً المدنيين والعلمانيين في البلاد.
وفي العام 2020، تمت معادلة مرتب عنصر "الحشد الشعبي"، بمرتبات الجنود بالجيش العراقي، والبالغ واحدها مليونا و250 ألف دينار ما يعادل قرابة ألف دولار شهرياً، إلى جانب منحهم نفس المخصصات المتعلقة بالسكن وغيرها، مع التأكيد على توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً ما زال كل فصيل مسلح يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والتواجد بين مختلف المحافظات التي ينتشر بها.
وكان مسؤول الشؤون المالية السابق في "الحشد" قاسم الزبيدي، قد قتل عام 2018، على يد مجهولين، بعد بدئه تحقيقاً بأمر من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في موضوع رواتب مقاتلي "الحشد" الوهمية. وحينها، علّق العبادي على الاغتيال بقوله إن الزبيدي كان قد اتصل به قبل الحادث، ليزوده بمعلومات حول وجود مقاتلين وهميين (في "الحشد")، وأخبره بعمليات فساد فيما خصّ توزيع الأموال واستيلاء بعض القيادات عليها، وأن هذا الملف "يحتاج إلى تدقيق قبل أن يقدم على إقرار أي زيادة في الرواتب".
82 ألف فضائي في "الحشد"
وأشار النائب السابق فائق الشيخ علي، في يوليو/تموز 2020، إلى مسألة أعداد عناصر الحشد الشعبي، مهاجماً "الحشد والفساد داخل هيئته". وأوضح، في بيان وقتها، أن أعداد مقاتلي "الحشد" الفعليين هي 48 ألف عنصر، لكن قادتهم يتقاضون رواتب 130 ألف مقاتل، أي بفارق 82 ألف "فضائي" (جنود غير موجودين على أرض الواقع). وتساءل متوجهاً إلى السلطات: "لماذا لا تشنّون حملة مدوية ضد 82 ألف فضائي؟".
في السياق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مهدي تقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أعداد عناصر الحشد الشعبي التي طرحها الفياض أخيراً، تمثل حالة الاقتراب من الحاجة الفعلية للبلاد، وهي قد تكون غير كافية، بالنظر إلى الحاجة الأمنية والعسكرية ونشر هذه القوات في المناطق العراقية لأداء المهام المنوطة بها".
واعتبر أن "أي خبير عسكري أو أمني، متمرس في الأمور القتالية ويعرف الخريطة العراقية، سيعرف أن هناك حاجة دائمة لمزيد من المقاتلين لحماية البلاد. بالتالي فإن الاستغراب من أعداد الحشد التي تجاوزت 200 ألف مقاتل، هو المستغرب".
تبرير زيادة عديد "الحشد"
من جهته، برر القيادي في مليشيا "الأوفياء" عادل الكرعاوي تلك الزيادة الكبيرة بأنها "ليست قوة قتالية فقط، بل إنها تمارس مهام خدمية أيضاً. فإلى جانب وجود عشرات الآلاف في جبهات القتال، هناك آلاف أخرى تمارس أدواراً هندسية وخدمية وتتوزع في مهام كثيرة، من بينها الإعلامية والفنية أيضاً". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الترهل الوظيفي موجود بالفعل في الكثير من مؤسسات الدولة، لكن في الحشد الشعبي هناك توزيع صحيح لهذه القوات".
أحمد الأبيض: الآلاف من عناصر الحشد الشعبي وهميون
لكن القيادي في قوى التغيير الديمقراطي، وهي المظلة الجامعة للحراك المدني والاحتجاجي في العراق، أحمد الشمري، بيَّن أن "العراق يعاني من ترهل وظيفي كبير في الدوائر المدنية، من جراء سوء التخطيط الحكومي، وعدم تعويض التعيين الحكومي بفرص عمل في القطاعات شبه الحكومية أو الخاصة".
وأضاف: "لكن ما يحدث في الحشد الشعبي، هو استغلال واضح لموارد الدولة عبر ضغط الفصائل المسلحة والمليشيات في سبيل تعيين آلاف العراقيين للاستفادة منهم، ومن مرتباتهم، وأصواتهم الانتخابية. كما أن هناك عشرات الآلاف في الحشد الشعبي فضائيون، يتم استقطاع نصف مرتباتهم، التي تذهب إلى جيوب القادة مقابل عدم تكليفهم بمهام معينة، وهذا يستدعي وقفة حقيقية من حكومة (محمد شياع) السوداني إن كانت جادة في محاسبة الفساد".
استنساخ التجربة الإيرانية
بدوره، اتهم السياسي المعارض أحمد الأبيض الفصائل المسلحة بأنها "تستنسخ التجربة الإيرانية في صناعة الحرس الثوري، فهي تسعى إلى إذابة الروح الوطنية لدى الشباب العاطلين من العمل في مؤسسات تؤمن بأن القيادة من إيران وليست من بغداد، ناهيك عن كون الفكرة من هذه التعيينات هي الحصول على المكاسب السياسية والانتخابية، لأن التعيينات في الحشد لا تتم بصيغة نظامية، بل عبر توزيع آلاف الدرجات الوظيفية على الأحزاب كحصص لها".
وبيّن، لـ"العربي الجديد"، أن "الآلاف من عناصر الحشد الشعبي، وهميون، وآلافا أخرى يمارسون مهام وظيفية خارج الحشد، ومنها حماية ومرافقة السياسيين".