تلف مخدرات في بغداد، ديسمبر 2022 (صباح عرار/فرانس برس)
تؤكد مصادر أمنية عراقية لـ"العربي الجديد" أن شبكات تهريب المخدرات من سورية إلى العراق، لجأت أخيراً إلى سلوك عدد من الأنفاق التي تركها تنظيم "داعش" على الحدود بين البلدين. ورغم أن القوات العراقية أغلقت الكثير منها، بالطمر والتفجير، إلا أن البعض الآخر ما يزال يُستخدم لغرض تهريب المواد المخدرة، وتحديداً "الكبتاغون".
وبينت المصادر أن "جهات مسلحة محلية في العراق، على علم وتعاون مع هذه العصابات لتمرير المواد المخدرة عبر الحدود من جهة الأنبار ونينوى المحاذية لدير الزور والبوكمال والحسكة".
مصادر أمنية: فصائل مسلحة تنشط على الجانب السوري تتورط في عمليات التهريب
وخلال إبريل/نيسان الماضي، عثرت قوات الجيش العراقي على أحد الأنفاق الذي كان يستخدمه "داعش" لتموين نفسه بين العراق وسورية، إضافة إلى اختفاء عناصر التنظيم عند اشتداد الضربات الجوية من طيران التحالف الدولي، وقامت قوات الأمن بردمه.
وأكدت مصادر أمنية، لـ"العربي الجديد"، أن "فصائل مسلحة تنشط على الجانب السوري تتورط في عمليات تهريب الكبتاغون ومواد ممنوعة أخرى إلى داخل العراق".
أنفاق في نينوى والأنبار
وأشارت المصادر إلى أن "محافظة نينوى تحتوي على مثل هذه الأنفاق، بعدد أكثر مما يتواجد في محافظة الأنبار. كما أن شبكات تهريب كردية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، عملت خلال الأعوام الماضية على حفر أنفاق مماثلة على محور الحسكة ــ سنجار الحدودي، لنقل أسلحة وأشخاص بعد تشديد القوات العراقية إجراءاتها" الأمنية.
وأوضحت أن "السلطات العراقية على علم ببعض هذه الأنفاق، لكنها لا تملك المعلومات الكاملة عنها، أو حتى عددها والمسيطرين عليها، لا سيما وأن بعض المناطق التي تحتوي على الأنفاق، تسيطر عليها جماعات مسلحة موالية لإيران، وأخرى كردية مثل حزب العمال الكردستاني".
وخلال الأعوام الماضية، تمكن الطيران الحربي العراقي وقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، من تدمير عشرات الأنفاق على الحدود العراقية مع سورية، بدعم من قوات محلية وأبناء العشائر العراقية في المدن الحدودية.
وخلال العام الماضي، دمرت القوات العراقية نحو 16 نفقاً في قضاء القائم غربي محافظة الأنبار، وفقاً لمصادر ومسؤولين، فيما تعد بعض الأنفاق في محافظة نينوى الأكبر من حيث المساحة، إذ يبلغ عرض بعضها نحو أربعة أمتار وبارتفاع 3 أمتار، وبطول يصل أحياناً إلى أربعة كيلومترات.
في السياق، قال القيادي في الحشد العشائري بمحافظة نينوى، موسى الجماس، إن "المعلومات المتوفرة تشير إلى أن تنظيم داعش كان يستخدم الأنفاق لنقل الأسلحة والأشخاص والتموين، وكان أيضاً ينشط في مجال تهريب المخدرات".
استيلاء عصابات للمخدرات على أنفاق
وأضاف: "هناك أنفاق كثيرة تم ردمها، لكن عصابات الاتجار بالمخدرات، بمساعدة أطراف محلية داخل سورية والعراق، تمكنت من الاستيلاء على أنفاق لم يتم معالجتها، وتنقل المخدرات، مثل الحشيشة والكبتاغون وحبوب مخدرة من نوعيات رديئة، إلى داخل العراق، وهذه المواد المخدرة مصدرها سورية ولبنان".
وقال الجماس، لـ"العربي الجديد"، إن "السلطات المحلية في نينوى لا تعرف عدد هذه الأنفاق على وجه الدقة، لكن هناك ما لا يقل عن 6 أنفاق مستخدمة، تم التعرف عليها من خلال محاور دخول شحنات المخدرات إلى داخل العراق".
وأضاف الجماس أن "الحشد العشائري وقوات الجيش والشرطة داخل المدن، كانت اجتمعت في أكثر من مناسبة لمناقشة هذا الملف، لا سيما وأن نينوى لم تكن هدفاً لتجار المخدرات إلا في السنوات الأخيرة، حتى تصاعدت هذه الظاهرة وباتت تهدد المجتمع وتمثل حالة تهديد أمني كبير".
وأشار إلى أن "ملف المخدرات يقع ضمن مسؤولية أجهزة الاستخبارات والأمن الوطني، وبقية الأجهزة المسلحة أدوات لتنفيذ الأوامر العسكرية. كما أن شبكات التهريب مرتبطة بأجندات وإرادات، أي أن عناصرها يحظون بحماية كبيرة، وليست مبالغة إن قلنا إنهم يحظون بحماية دولية".
وإلى جانب وجود بعض الأنفاق غير المعروفة للسلطات، فإن العراق يملك أربعة منافذ حدودية رسمية مع سورية، تمثل حالة قلق بالنسبة للأمن الوطني، جراء سيطرة الفصائل المسلحة "الولائية" كما يسميها العراقيون، أي الموالية لإيران، عليها. وخلال الفترات الماضية، أعلنت السلطات أكثر من مرة السيطرة على شحنات تتمثل في ملايين حبات "الكبتاغون" المخدرة.
عمليات التهريب مع سورية لم تنقطع
وعن ذلك، أشار قائد شرطة الأنبار الأسبق، اللواء طارق العسل، إلى أن "الأنفاق وعمليات التهريب بين العراق وسورية، لم تنقطع في كل مراحل تاريخ العراق. لكن الانفلات الأمني، وتحديداً عقب احتلال تنظيم "داعش" لمساحات واسعة من البلاد، ثم سيطرة جماعات مسلحة سياسية، ولا تملك خبرة أمنية، ولديها ارتباطات ومصالح اقتصادية، على الشريط الحدودي، مثّل حالات جديدة من بلوغ تهريب الممنوعات وأبرزها المخدرات، مراحل خطيرة".
طارق العسل: الانفلات الأمني مثّل حالات جديدة من بلوغ تهريب الممنوعات مراحل خطيرة
وقال العسل، لـ"العربي الجديد"، إن "شبكات تهريب المخدرات إلى المدن المحررة، تعمل لأجل أهداف اقتصادية وأخرى اجتماعية وسياسية، لأن بعضها يريد تدمير المجتمعات في تلك المدن من خلال المخدرات، وهذا يستدعي وقفة أمنية وسياسية واجتماعية".
مبالغة في التهويل بشأن التهريب
من جهته، بيَّن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مهدي تقي أن "تهويلاً إعلامياً مبالغاً فيه يجري بشأن التهريب الحاصل من سورية إلى العراق، سواء عبر الأنفاق التي كان يستخدمها "داعش"، أو عبر الحدود، بطرق ملتوية مثل استخدام صناديق الفواكه، بتواطؤ مع بعض عناصر الأمن أو الأفراد المحليين".
وقال: "مع ذلك، فإن لدى القوات الأمنية خطط لتفتيش كل المحتويات المنقولة من سورية عند مداخل المدن، وهذا ما يحدث عند اكتشاف الحبوب المخدرة"، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أن "التخادم بين هذه الشبكات وبعض الجهات المتنفذة، ومنها سياسية، يؤدي إلى استفحال هذه الظاهرة".
وسبق أن أوصت لجنة برلمانية مكلفة بوضع توصيات لتوسيع جهود مكافحة المخدرات بتشديد عقوبة المتاجرة بالمخدرات إلى "الإعدام".
كما أوصت اللجنة، في تقرير سابق، بـ"تشكيل لجنة برلمانية مؤقتة تتولى إعداد مقترح قانون تعديل قانون المخدرات والمؤثرات، والتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى والجهات المعنية، بإعادة النظر في توصيف جرائم المخدرات، وتشديد عقوبة المتاجرة فيها إلى الإعدام، وإعادة تنظيم لجان الفحص والحفظ والإتلاف للمواد المخدرات، وإجراء فحص دوري لموظفي الدولة والأجهزة الأمنية وطلبة الجامعات للتأكد من سلامتهم، وإنشاء جهاز إداري مستقل يرتبط برئيس الوزراء يختص بمكافحة المخدرات".
واتسعت في السنوات الأخيرة تجارة وتعاطي المخدرات في العراق، الذي أصبح ممراً لها من إيران باتجاه عدد من الدول العربية، في ظل عدم ضبط الحدود. كما أصبح العراق من بين البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع، والتي تُهرَّب عبر الحدود من إيران، وأخيراً سورية.
وفي الأشهر الماضية، نفذت القوات العراقية حملات واسعة ومتلاحقة ضد عصابات وتجار المخدرات في البلاد، أدّت إلى اعتقال عشرات من تجار ومتعاطي المخدرات. كذلك، أسهمت في محاصرة شبكات توريد المخدرات بشكل كبير.
ويؤخذ على قانون مكافحة المخدرات في العراق، الذي جرى تحديثه عام 2017، أنه ضم ثغرات تحوّل العقوبة من سجن مؤبد إلى خمس سنوات للمتاجرين، وأن هذه العقوبة لا توازي الجريمة، على عكس القانون السابق الذي كان يعامل المتعاطي والمتاجر كمرتكب جناية لا جنحة، ويحاكم عليها بأشد العقوبات.