لم تندثر تجمعات الشباب العراقي بالكامل (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
رغم عفوية ظاهرة التجمعات الشبابية التي ظل العراقيون يعتبرونها "فسحة" تجمعهم، أو فرصة للقاء الجيران والأصدقاء، فإنها طالما تعرّضت إلى انتقادات، باعتبار أن هذه التجمعات كانت تجري عند مداخل الأزقة أو الشوارع، ما يمكن أن يعطل حركة السير، حين يعمد بعض الأفراد إلى الجلوس على الأرصفة أو وضع كراسي.
وساهم انتشار شبكة الإنترنت في تحويل التجمعات الحية المتعارف عليها في العراق إلى تجمعات افتراضية، عبر مجموعات في تطبيقات "واتساب" أو "فيسبوك".
يستذكر أبو أحمد (45 سنة)، الذي يسكن في حي الدورة بالعاصمة بغداد، مواقف كثيرة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "هذه التجمعات تشير إلى قوة الترابط والعلاقات الطيبة بين الجيران، وكان الشباب يتجمعون عادة بعد صلاة العشاء عند أحد أركان الزقاق أو الشارع، لساعة أو أقل، قبل أن يذهب كل منهم إلى بيته، وقبل عام 2003، كان بعض عناصر الأمن يمنعون هذه التجمعات خشية الحديث عن الأوضاع السياسية".
يضيف: "الظاهرة أخذت بالتراجع تدريجاً، وتحديداً بعد اندلاع الأزمة الطائفية في البلاد عقب الاحتلال الأميركي، إذ صارت هذه التجمعات مصدر قلق للأهالي، ومع دخول الإنترنت زاد فتور العلاقات البشرية المباشرة، وبات التواصل عبر التطبيقات هو السائد، إضافة إلى نمط الحياة السريع، وتبدل اهتمامات الناس. هذه التجمعات كانت مصدراً مهماً للتواصل بين الناس، وكانت تمنع جرائم السطو أو التحرش".
ويلفت أبو أحمد إلى أنها "كانت تجمعات عفوية، ولم يكن يحدث فيها أية إساءة للجيران، وكانت تناقش مواضيع لها علاقة مباشرة بالجيران، واحتياجاتهم، ونتج عنها الكثير من الأفكار لمساعدة المحتاجين، أو كما يسميها العراقيون (الفزعة)، إذ كان الشباب في السابق حريصين على أن ينظموا أنفسهم في شكل فريق لحماية الحي، والدفاع عن سكانه، لكن بعض التجمعات كانت كثيراً ما تتعرض للانتقادات، فبعض الأهالي كانوا يعتبرونها نوعاً من الاستهتار، أو سبباً في زيادة التحرش بالنساء، أو مضايقة الناس، لكنها في الحقيقة لم تكن كذلك، ربما حدثت بعض المشاكل، لكنها كانت نادرة في العادة".
قضايا وناس
التحديثات الحية
بدوره، يؤكد أحمد رشيد العزاوي (32 سنة)، أن "التجمعات الشبابية بدأت تندثر رغم أنها كانت ظاهرة جميلة، وتمثل إحدى حالات الانسجام والبساطة، وهي لا تزال حاضرة في بعض المناطق، حيث تجد في كل عشرة أزقة تجمعاً واحداً، على عكس السنين السابقة حين كان الشباب ينتشرون في كل مكان"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "أفكار الناس اختلفت، وكل تقدم تكنولوجي يحصل في العالم يتأثر به شباب العراق، إضافة إلى أن ما حصل خلال السنوات الماضية للعراقيين لم يكن سهلاً، وأدى إلى تحول معظم المناطق إلى هجينة السكان، لأن الكثير من الأشخاص دفعتهم الظروف إلى الانتقال لمحافظات أخرى".
ويشير حسين ناظم (23 سنة)، إلى أنه يجتمع مع أصدقائه أو زملائه في المدرسة أو جيرانه في المقاهي الحديثة، وأنهم لا يفضلون الوقوف في الشوارع، أو التنزه في الأماكن العامة البعيدة عن المنازل، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "التجمع في الشوارع أصبح ظاهرة غير لائقة، رغم أنه لا يزال قائماً في بعض المناطق، لكننا كجيل جديد نتوجه دائماً إلى المقاهي الحديثة التي تقدم خدمة جيدة وأطعمة ومشروبات، إضافة إلى الإنترنت".
ويكمل ناظم: "الشباب حالياً يفكرون في التجمع بأحياء ومناطق غير التي يسكنون فيها، لأنهم يسعون إلى استكشاف أفكار جديدة، والتعرف إلى أشخاص جدد، فلا فائدة من التجمع مع أشخاص من الحي الذي أسكن فيه، فأنا أقابلهم كل يوم، بينما نسعى إلى توسيع دائرة العلاقات، والتعرف إلى أشخاص من خلفيات وثقافات مختلفة".
ويرى أن "التجمعات عند مداخل الشوارع أو على الأرصفة كانت تناسب نمط الحياة القديم، فضلاً عن عدم توفر وسائل النقل الحديثة، كما هو الأمر الآن، إضافة إلى بساطة التفكير، لكن حالياً كل شيء تغير، فهناك أماكن كثيرة يمكن للشباب أن يتجمعوا فيها، ولم يعد الأمر ينطبق على الرجال وحدهم، بل بات يشمل النساء أيضاً".
قضايا وناس
التحديثات الحية
من جهتها، تلفت زينب أم عبير (51 سنة)، إلى أن "الظاهرة كانت مزعجة لكثير من الأهالي، وخصوصاً النساء، لأن هذه التجمعات كانت تمثل حالة إرباك، وتعرّضت بعض النساء بسببها للتحرش، لكن في الوقت نفسه منعت بعض هذه التجمعات حالات سرقة، وأتذكر كيف تمكّن الشباب في حوادث عدة من الإمساك باللصوص، وبعضهم كانوا يساعدون الجيران في أعمال البناء، أو نقل الأثاث، وكانت كل هذه الممارسات الطيبة بالمجان".
تضيف السيدة العراقية لـ"العربي الجديد"، أن "سلوكيات وممارسات كثيرة اختفت أو تبدلت، ولأسباب عدة، من بينها سرعة الحياة، أو صعوبتها، وأخرى تتعلق بالكسل الذي سببته مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الانطواء الذي فرضته الأوضاع الاجتماعية والسياسية السيئة".