شهدت الجلسة الأخيرة لبرلمان إقليم كردستان العراق مشاجرات حادة بين الأعضاء (Getty)
لم تدم فترة الهدوء السياسي داخل البيت الكردي في العراق أكثر من أسبوعين، إذ تحول برلمان إقليم كردستان، الاثنين الماضي، إلى حلبة مصارعة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني)، وذلك بعد تصويت البرلمان على تفعيل مفوضية الانتخابات في الإقليم الذي يتمتع بصلاحيات واسعة وفقاً للدستور الذي أُقر عقب الغزو الأميركي للبلاد.
وشهدت الأشهر الماضية خلافات وقطيعة بين الحزبين الكرديين، قبل أن تنجح وساطة دولية، وتحديداً من الولايات المتحدة الأميركية، بتحقيق تفاهم بين الطرفين، وإعادة الفريق الوزاري للاتحاد الوطني الكردستاني إلى جلسات حكومة الإقليم في أربيل.
وأكد الاتفاق إجراء انتخابات عامة في الإقليم في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد تقسيم الإقليم إلى 4 دوائر انتخابية مفتوحة، هي أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة.
واعترض الاتحاد الوطني الكردستاني على إضافة فقرة على جلسة الاثنين الماضي لبرلمان الإقليم، وهي الفقرة الخاصة بتفعيل مفوضية الاستفتاء والانتخابات، ويبرر الاتحاد الوطني، وهو ثاني أكبر الأحزاب الكردية، اعتراضه على تفعيل المفوضية بأنه لم يحصل اتفاق سياسي، وجرت مخالفة النظام الداخلي لبرلمان كردستان.
وأصدر نائب رئيس برلمان كردستان العراق هيمن هورامي، بياناً توضيحياً حول المناوشات التي شهدتها جلسة البرلمان، قال فيه إنّ رئيسة البرلمان (ريواز فائق، وهي قيادية في الاتحاد الوطني) حاولت بطريقة غير مشروعة وغير منتظمة إنهاء الجلسة ومغادرتها، وفي ضوء الصلاحيات الممنوحة لنائب رئيس البرلمان بممارسة جميع صلاحيات الرئيس في غيابه، جرى ترؤس الجلسة وعرض فقرة تفعيل المفوضية على جدول الأعمال، والتصويت عليها.
ومنذ يومين عاد التصعيد الإعلامي بين الحزبين مع فتح ملفات مختلفة يواجه كل طرف منهما الآخر.
وقالت القيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني شيلان فتحي، لـ"العربي الجديد"، إنّ إجراء انتخابات في الإقليم بظل هذا التأزم بات صعباً، مؤكدةً وجود ما وصفتها بـ"الملفات الشائكة التي تعوق إجراء الانتخابات، منها تصفية سجل الناخبين وتحديد مقاعد الأقليات (الكوتا)، وهذه القضايا شرط أساسي لإجراء الانتخابات".
وأضافت أنّ حزبها "مع إجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان في موعدها المحدد، لكن بشرط أن تكون انتخابات نزيهة، وفقاً لقانون معدل ومستحدث وسجل ناخبين نظيف، وأن يُحَلّ باقي المشاكل الفنية التي تضمن إجراء العملية الانتخابية بسلاسة".
في المقابل، يتهم عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني (الحاكم في الإقليم) مهدي عبد الكريم، خصمهم التقليدي حزب "الاتحاد الوطني"، الذي يهيمن على المشهدين الأمني والسياسي في محافظة السليمانية، بأنه "يختلق المشاكل يومياً، ولا يريد إجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان في موعدها المقرر".
ويضيف في اتصال مع "العربي الجديد"، أنّ "إقامة الانتخابات تحتاج إلى خطوات فنية وقانونية، ومن أهم هذه الخطوات تفعيل مفوضية الانتخابات، باعتبارها الجهة المشرفة على عملية التصويت، وقد قام الحزب الديمقراطي بأول خطوة تضمن إجراء الانتخابات بموعدها المقرر".
وأوضح أنّ "الاتحاد الوطني يعاني من تراجع في شعبيته وعدد ناخبيه، بسبب الخلافات الداخلية في حزبه، لذلك بدأ يعترض على كل قرار، والهدف تأجيل انتخابات برلمان كردستان لسنة أخرى"، مشيراً إلى أنّ "الحزب الديمقراطي الكردستاني لا مشكلة لديه في إقامة انتخابات برلمان كردستان في موعدها المحدد، وهو لا يخشى ذلك، لكونه الحزب الأول في الإقليم، وعدد ناخبيه قد زاد على عدد الدورة الماضية".
وعبرت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، عن امتعاضها من استمرار الصراعات السياسية الداخلية في إقليم كردستان، مطالبة جميع الأطراف بالعمل لإجراء الانتخابات البرلمانية.
وقالت بلاسخارت إنّ "استمرار الحرب الداخلية السياسية في إقليم كردستان أمر مزعج"، فيما دعت "جميع الأطراف إلى العمل من أجل مصلحة الشعب والعثور بأسرع وقت ممكن على أرضية مشتركة للقضايا العالقة المتعلقة بالانتخابات".
السيدة @JeanineHennis: التناحر السياسي الجاري في إقليم كردستان العراق يثير بالغ القلق. ندعو مرة أخرى الأطراف كافة إلى العمل لخدمة مصالح جميع الناس وإيجاد أرضية مشتركة بشأن القضايا الانتخابية العالقة في أقرب وقت. إن إجراء انتخابات ذات مصداقية في الوقت المناسب يمثل ضرورة ديمقراطية.
— UNAMI (@UNIraq) May 24, 2023
إلى ذلك، حذر السياسي الكردي لطيف الشيخ، من رفع الدعم الدولي عن إقليم كردستان، بسبب استمرار الخلافات الداخلية بين الكرد وعدم احترام المواعيد المحددة لإجراء الانتخابات، لافتاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الولايات المتحدة الأميركية والدول الأخرى، وحتى الأمم المتحدة، غاضبة من تصرفات الكرد، واستمرار خلافهم دون الاتفاق على حسم إجراء الانتخابات، واحترام التجربة الدستورية والديمقراطية".
وأضاف: "الحزبان الحاكمان يريدان تقاسم السلطة والنفوذ في الإقليم، والتجاوز على الديمقراطية والقانون، وبالأساس إنّ تأجيل إقامة الانتخابات وتمديد صلاحية برلمان كردستان كان أمراً غير مقبول".
لكن عناد الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني وعدم اتفاقهما، بحسب السياسي الكردي، سيؤديان بالنهاية إلى خسارة الدعم الدولي، وهو أهم ميزة كان يتمتع بها إقليم كردستان طوال السنوات الماضية.
وصوت برلمان كردستان في جلسته الأخيرة، على قرار تفعيل مفوضية الانتخابات بأصوات 58 عضواً، بعدما رفعت رئيسة البرلمان ريواز فائق الجلسة حتى إشعار آخر، قبل أن يقوم نائب رئيس برلمان كردستان هيمن هورامي، بإدارة الجلسة وعرض قرار استمرار انتخاب أعضاء مجلس المفوضين للتصويت، في جلسة شهدت مشاجرات بين أعضاء البرلمان.