تنطلق الأحد الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية ليس لاختيار أحد المرشحين المتنافسين فحسب بل لتحديد مسار كامل في علاقات تركيا الخارجية وملفات داخلية مصيرية، فإما أن تجدد العهد مع الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان لترسخ استمرارية لحكم يميل للاستبداد والصدام وإما أن تنفح على مرحلة جديدة مع مرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو الذي وعد بالتغيير والقطع مع سياسات حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم الذي يهيمن على السلطة منذ العام 2002.
ويتنافس أردوغان الذي تقدم في الدورة الأولى على منافسه بخمس نقاط دون الحصول على نسبة الـ50 بالمئة المطلوبة لإعلان فوزه ومرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو وذلك في ختام حملة مريرة مليئة بالوعود التي أطلقها المرشحان إن كان ضد الأكراد أو اللاجئين السوريين.
وفي هذه المواجهة الجديدة ينطلق أردوغان بتقدم من الدورة الأولى بـ2.5 مليون صوت على منافسه قليجدار أوغلو مرشح تحالف الأمة الذي يضم ائتلافا لعدة أحزاب معارضة.
وتظهر آخر استطلاعات الرأي- التي لم تصدق توقعاتها في الدورة الأولى- أن أردوغان يتقدم على منافسه بفارق خمس نقاط أيضا هذه المرة.
ورغم هذا الفارق الذي يميل لمصلحة الرئيس الذي يحكم البلاد منذ عشرين عاما، يبقى هناك عنصر غير معروف: 8.3 ملايين ناخب لم يدلوا بأصواتهم في الدورة الأولى رغم أن نسبة المشاركة بلغت 87 بالمئة.
والجاليات التركية التي تمكنت من التصويت حتى مساء الثلاثاء، أدلت بأصواتها بنسب أعلى مع 1.9 مليون بطاقة مقبل 1.69 مليون.
وإلى جانب الذين امتنعوا عن التصويت، يحاول الطرفان منذ 14 مايو استمالة القوميين المتشددين الذين نال مرشحهم سنان أوغان 5 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى وحل ثالثا، بعدما انسحب من السباق وأعلن تأييده لأردوغان، لكن وزن هذه الأطراف ألقى بثقله على الحملة.
فقد اختفى قليجدار أوغلو (74 عاما) الذي فوجئ كما يبدو بنتيجة الدورة الأولى التي لم يتوقعها، عن الشاشات غداة يوم 14 مايو لكي يظهر مجددا في اليوم الرابع ويجدد حملته بحزم.
وانتهى زمن الابتسامات ورسم القلب بأصابع اليد الذي أصبح رمزا لتجمعاته الانتخابية، وحل محله رفع القبضة بحزم لإعلان عزمه على إبعاد اللاجئين السوريين “في اليوم التالي للفوز”.
وهو تهديد كرره بعد أيام حين وعد بأن تركيا لن تصبح مجددا “مخزن مهاجرين”. منذ ذلك الحين، خفف المرشح لهجته حيال السوريين وطالب أوروبا بأن تؤدي قسطها قائلا “نحن نتخبط بهذه المشاكل لجلب الراحة لأوروبا، سنصلح هذا الأمر، سترون”.
وتركيا التي تستقبل 3.4 ملايين لاجئ سوري على الأقل (بحسب الأرقام الرسمية) ومئات آلاف الأفغان والإيرانيين والعراقيين هي أول دولة مضيفة في العالم.
وفي المقابل، كثف أردوغان (69 عاما) المتسلح بنتائج الدورة الأولى، التجمعات الانتخابية وصولا إلى عقد ثلاثة تجمعات في اليوم في نهاية الأسبوع الماضي، فندد بـ”الإرهابيين” لدى المعسكر المنافس بسبب الدعم الذي قدمه له حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد وبسبب المثليين والمتحولين جنسيا الذين يهاجمون القيم الأساسية للعائلة.
وقال الرئيس التركي الخميس في معرض حديثه عن المعارضة “حتى الأمس، كانوا يحبون الإرهابيين”.
وقال جان دوندار رئيس تحرير صحيفة ‘جمهورييت’ السابق (وسط-يسار) والمقيم في المنفى في برلين “أتابع الحملات الانتخابية منذ عقود ولم أر مثل هذا الكم من الأخبار المضللة وتصريحات مهينة إلى هذا الحد ومعارضة للمثليين”، معربا عن أسفه “لأن المعارضة لم تقدم ردا مناسبا أو دعت إلى الحد الأدنى من الاحترام”.
من جهته عبر مندريس سينار أستاذ العلوم السياسية في جامعة باشكنت في أنقرة عن أسفه بسبب “معارضة غير قادرة على تقديم رؤيتها لمستقبل تركيا، مستندة فقط إلى فشل الحكومة والرئيس”.
وقال “لكن حتى لو لم يكن الناخبون موافقين على بعض أحزاب التحالف، فلا يمكنهم تحمل ترف عدم التصويت”. وهذا الأمر تلقاه جيدا حزب الشعوب الديمقراطي، فرغم الهجمات المتكررة عليه وخصوصا رغم تحالف قليجدار أوغلو مع تنظيم صغير معاد للأجانب، جدد الحزب دعوته الخميس للتصويت لصالحه.
وجدد إحدى شخصيات الحزب صلاح الدين ديمرطاش المسجون منذ 2016، على تويتر الجمعة نداءه من زنزانته قائلا “ليس هناك دورة ثالثة في هذه القضية! فلنجعل قليجدار أوغلو رئيسا ولندع تركيا تتنفس. اتجهوا إلى صناديق الاقتراع وصوتوا!”.
من جهتها نددت منظمة “مراسلون بلا حدود” في بيان بعدم التوازن في التغطية حيث تواجه المعارضة صعوبة في إسماع صوتها في حين يحتكر رئيس الدولة كل شاشات التلفزيون.
وقال ممثل مراسلون بلا حدود في تركيا إيرول أونديروغلو “الحقيقة أن النظام الإعلامي القائم يشكل تضليلا كبيرا للانتخابات من خلال حرمان المواطنين الأتراك القيام بتداول ديمقراطي”.