للشهر الثاني على التوالي، تتصدر قضية الاتجار بلحوم الحمير في العراق الجدل في مختلف مدن البلاد، بعد تأكيد تقارير ضبط 50 حماراً في ملحمة بضواحي مدينة الموصل (شمال)، والعثور على كميات من لحوم حمير داخل مطعم أغلقته السلطات في مدينة النجف (جنوب)، فيما أعلنت السلطات الصحية بمحافظة السليمانية اعتقال قصّاب وجهت إليه تهمة نحر حصان وبيع لحمه باعتباره أن مصدره بقرة.
ويأتي الجدل المتصاعد في العراق بعد ارتفاع أسعار اللحوم إلى معدلات قياسية وصولاً إلى 20 ألف دينار (15 دولاراً) للكيلوغرام الواحد. وهذا السعر يفوق القدرة الشرائية لأكثر من نصف السكان الذين يعانون أساساً من مشكلات وأزمات خانقة بسبب النفقات الجانبية التي يتكبدونها في مجالات حياتية مختلفة، أبرزها فواتير الكهرباء الخاصة بما يعرف بـ"المولدات الأهلية"، وأيضاً التعليم الخاص، وتكاليف الاتصالات المرتفعة نسبياً مقارنة بدول مجاورة.
قضايا وناس
التحديثات الحية
ولم يصدر توضيح رسمي حتى الآن في شأن عدد الحالات التي جرى ضبطها، وعمليات الاتجار بلحوم حمير بيعت باعتبارها لحوم عجول، لكن أجهزة الرقابة الصحية أعلنت ضبط 50 حماراً في منطقة باب سنجار بمدينة الموصل التي تبعد 550 كيلومتراً من شمال بغداد، بعد ورود معلومات عن حصول عمليات ذبح داخل خان، وشحن اللحوم الى مناطق أخرى من العراق. لكن صاحب الخان أصرّ على أنه يجمع الحمير من أجل شحنها إلى محافظات أخرى من أجل استخدامها في أعمال للزراعة والحمل، وليس لنحرها أو بيعها، بحسب ما يكشف مسؤول أمني لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن إفادة صاحب الخان المعتقل تخالف واقع العثور على بقايا حمير في المكان.
ويلفت المسؤول إلى أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن المتورطين بهذه الجرائم يبيعون لحم الحمير بسعر 6 آلاف دينار (4 دولارات)، وأن المستفيدين منها يخلطونها بلحوم أخرى وتوابل. ويشدد على أن "الحالات فردية، ما يعني أن الظاهرة غير مقلقة، خاصة أن غالبية المطاعم تتعامل مع موردي لحوم معروفين ومعتمدين، ويتفق الجميع على نوعية منتجاتهم ويثقون بمصادرها. كما أن فرص بيع هذه اللحوم من خلال قصّابين مع تجنب كشفهم ضعيفة، وفي كل الأحوال لا تتوفر كميات كبيرة من الحمير في العراق".
وتؤكد المديرية العامة لمكافحة الجريمة المنظمة في وزارة الداخلية العراقية استمرار حملاتها لمراقبة الأسواق. وتقول الرائد إلهام أحمد لـ"العربي الجديد": "تنفذ قوات الأمن جولات رقابة يومية، وخصصت خطاً ساخناً من أجل تلقي اتصالات المواطنين التي تبلغ عن حالات مشبوهة، وبلغ عددها 144 جرى التعامل بسرعة معها".
وتعاقب المادة رقم 146 من القانون العراقي الصادر عام 1998 بالسجن بين 7 و10 سنوات كل من يثبت بيعه لحوم حيوانات حمير أو كلاب باعتبارها لحوماً صالحة للاستهلاك البشري، كما يمكن تشديد هذه العقوبة بحسب دناءة الجريمة التي تحتوي على احتيال وخداع وتضليل واستغلال للنوايا الحسنة للناس الذين يرفضون تكرر هذه الأفعال.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية، سيف البدر، متابعة فرق الرقابة في بغداد والمحافظات منتجات المطاعم ومحلات اللحوم والمصانع من أجل تحديد نوع الأغذية التي يستهلكها المواطنون. ويقول لـ"العربي الجديد": "نلاحق بالتأكيد الشكاوى، والمعلومات الواردة من وسائل مختلفة، ويخضع المخالفون لضوابط وزارة الصحة وقانون الصحة العامة إلى محاسبة تنفيذاً لقيود العمل المفروضة".
من جهته، يحدّد الطبيب البيطري يوسف حيدر أبرز الفوارق التي تميّز لحم الحمير عن لحوم البقر والمواشي الأخرى، ويقول لـ"العربي الجديد": "يميل لحم الحمير إلى الأزرق، ولا تشبه رائحته تلك الاعتيادية، بل رائحة إسطبلات الخيول، كما أن لحم الحمير ذو أنسجة سميكة واضحة بعكس أنسجة اللحوم الباقية ناعمة الملمس والقليلة الدهون، علماً أن دهن الحمير لونه أصفر نحاسي، وتظهر لدى طبخه بقع زيت تختلف عن تلك في بقية اللحوم".
ويمكن تمييز اللحم قبل استعماله عبر تسخين سكين حاد على النار وتقطيع اللحم به، فلو انبعثت منه رائحة لحم عادية يكون جيداً، أما إذا خرجت منه رائحة سيئة فهو لحم حمير أو لا يصلح للاستعمال، كما أن طعم لحم الحمير سكري قليلاً بسبب أن طبيعة الحمير هي الحركة، ما يجعل مادة "غلايكوجين" الناتجة من إجهاد العضلات تتجمع في اللحم وتعطيه طعم السكر.
وفي الشارع العراقي، يفضل المواطنون شراء اللحوم من أشخاص يعرفونهم شخصياً، كما يقول محمد عبد الله الذي يشير، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "الإجراء الصحيح هو وجود قصّاب ثابت يتعامل الشخص معه، وعدم شراء الكبة والمحاشي وأي منتجات يدخل فيها اللحم المفروم أو المتبل، إذ يجرى إعدادها في البيت، وهو أمر أفضل صحياً وأكثر أماناً على صعيد تحديد المكونات وضبطها".
صحة
التحديثات الحية
ويعتبر عبد الله أن "المطاعم التي يقصدها الناس يجب أن تكون معروفة أيضاً، ففي زمن الفوضى لا يمكن التعامل إلا مع أهل الثقة".
أما القصّاب خضير أبو جاسم فيعترف بأن "الأحاديث المتداولة عن خلط لحوم الحمير، خصوصاً المفرومة، بتلك للمواشي أثارت رعباً كبيراً في نفوس كثير من الناس، ما أضعف إقبالهم على الشراء، وأدى إلى انخفاض الدخل الشهري لدى بائعي اللحوم. وأعتقد بوجود تهويل كبير في الحديث عن لحوم الحمير، لكنني لا أنفي حصولها".