إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنَّ علاقة إسبانيا بالإسلام يعود تاريخها إلى القرن الثامن الهجري؛ عندما فتح المسلمون شبه الجزيرة الإيبيرية، سرعان ما سندرك أنَّ العنصر الإسلامي يعدُّ مكوِّناً أساسياً في الهوية الإسبانية، إضافة إلى أنّه يشكّل سمة مميزة لماضي البلاد.
وكما هو معروف انتهى الوجود الإسلامي، رسمياً، مع نهاية حُكم المسلمين، وكان ذلك مع سقوط مملكة غرناطة عام 1492 (898هـ)، ومنذ ذلك التاريخ وحتى أوائل القرن العشرين، عُمل على مسح الهوية الإسلامية من الخريطة الدينية الإسبانية. ولكنَّ الإسلام، سرعان ما عاد إليها مع أوائل القرن العشرين.
في كتابه "الإسلام والمسلمون في إسبانيا: الواقع والتحديات"، الصادر مؤخّراً عن دار "أبجد للنشر والتوزيع"، يحاول الباحث المغربي محمد ظهيري، الأستاذ في "جامعة الكومبلوتنسي" بمدريد، أن يقدّم قراءة موسَّعة لواقع الإسلام والمسلمين في إسبانيا، مسلّطاً الضوء على التحوّلات الاجتماعية والثقافية والدينية التي أحدثها وصول ما يقرب من ستة ملايين مهاجر إلى إسبانيا خلال العقود الأخيرة.
ويرى الباحث أنّ ظاهرة الهجرة إلى إسبانيا أعادت تشكيل الخريطة الدينية في البلاد، وحوّلتها إلى بلد أكثر تنوّعاً وتعدّديةً، إضافة إلى أنها جعلت منها أكثر ثراءً على مستوى تعدُّد الثقافات والديانات المتواجدة في مختلف مناطقها، وهذا ما اقتضى الحاجة إلى برامج ومخطّطات استراتيجية لإدارة هذا التعدّد الديني والتنوّع الثقافي في عالم مُعولم ومتشابك.
الصورة
وبعد أن يُقدّم ظهيري للعلاقة الوثيقة بين الإسلام وإسبانيا، يتطرّق إلى علاقة الإسلام بالهجرة، وتناول تجربة التعايش الثقافي والديني الذي عرفته الأندلس على امتداد قرون. إضافة إلى ذلك، يتناول الكتاب حرّية التديُّن والمعتقد، وذلك في إطار المنظومة القانونية الإسبانية، منذ التصديق على أول قانون إسباني يعترف بحرّية المُعتقد، وينظّم حرّية العبادات وعلاقات الدولة الإسبانية مع تمثيلية الديانات الأُخرى الموجودة في إسبانيا.
وفي نهاية دراسته، خصّص المؤلّف فصلاً كاملاً لإشكاليَّتَي الحوار الديني والتعايش الثقافي ومعيقاتهما، إضافة إلى دور بعض المؤسسات والهيئات المدَنية في التحسيس والتوعية بأهمية قِيم العَيش المُشترك والأخوّة الإنسانية في تقدّم الشعوب ورُقّيها.
آداب وفنون
التحديثات الحية