فاريولا: أولوياتنا تتمثل بدعم تعزيز الديمقراطية (العربي الجديد)
اعتبر سفير الاتحاد الأوروبي في العراق، فيلا فاريولا، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن العراق يواجه تحديات جمّة، في مقدمتها الفساد الإداري الذي يحتاج للقيام بإصلاحات شاملة، محذراً من أن وجود السلاح خارج سلطة الدولة شكلٌ من أشكال الفساد أيضاً.
ورأى أن زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى بغداد أخيراً (15 يونيو/حزيران الماضي)، فرصةً لتحسين العلاقات الإقليمية وتحقيق التنمية الاقتصادية. كما لفت سفير الاتحاد الأوروبي في بغداد إلى أن الحكومة العراقية بحاجة إلى أكثر من 230 مليار يورو لمعالجة آثار التغير المناخي التي تأخر العراق كثيراً في مواجهتها ومعالجتها.
*دعنا نتحدث في البداية عن مهامكم الحالية في العراق؟
بدأت مهمة بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق منذ عام 2005، ووقف الاتحاد إلى جانب العراق كشريكٍ موثوق وملتزم بإعادة إعمار البلاد واستقرارها. وكجزء من جهودنا، دعمنا تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون.
الاتحاد الأوروبي يدعم سيادة العراق ووحدته واستقراره واحترام حدوده من دول الجوار، أما أولوياتنا فتتمثل بدعم تعزيز الديمقراطية عبر الحوكمة الديمقراطية من خلال إنشاء وتعزيز بيئة مواتية للسلام وتحقيق المساواة في الفرص الاقتصادية والاجتماعية بجميع مناطق العراق لتحقيق الاستقرار طويل الأمد.
وقد وِقعت اتفاقية قبل 10 سنوات، وهي تمثل أساس التعاون والعمل بين الاتحاد الأوروبي والعراق اليوم، ووفرت إطاراً عاماً لملفات الاقتصاد والتجارة وحقوق الإنسان وملف الهجرة، وهي تضع حجر الأساس لتواصل رفيع المستوى مع الحكومة العراقية لتحقيق الأهداف المشتركة.
*كيف ينظر الاتحاد الأوروبي للحكومة العراقية الجديدة؟
وِقعت اتفاقية قبل 10 سنوات، تمثل أساس التعاون والعمل بين الاتحاد الأوروبي والعراق اليوم
نعتقد أن السوداني بدأ بدايةً جيدة. ونرى العديد من الإيجابيات في عمل حكومته، من بينها التوجه لإصلاح منظومة محاربة الفساد. كذلك تحظى حكومة السوداني بدعم برلماني قوي عُزّز أخيراً بإقرار الموازنة العامة وهو ما سيُمكن الحكومة من تنفيذ ما وعدت بالعمل عليه. وكذلك هنالك تطور في العلاقات بين بغداد وأربيل، نأمل أن يؤدي إلى إقرار قانون النفط والغاز لتوزيع الثروات بشكل عادل.
وهنالك قائمة طويلة من المهام يتعين على السوداني وحكومته معالجتها، أولها الفساد الإداري، وهو مشكلة كبيرة في البلاد، وأيضاً تغيير أسلوب الإدارة في الدولة الذي ما زال يعمل بطريقة كلاسيكية.
أيضاً فإن التوجه هو نحو تعميم الحوكمة في جميع المؤسسات وتقليل التعامل الورقي لأنه يوفر نافذة للفساد، وكذلك تقليل الفجوة الحالية ما بين الموازنة التشغيلية التي تستحوذ على ثلثي الموازنة وتذهب غالبية أموالها نحو النفقات والرواتب، وما بين الموازنة الاستثمارية التي ينبغي أن تزيد نسبتها دعماً للمشاريع التنموية. وكذلك أمام الحكومة تحدي التعامل مع الجهات التي تحمل السلاح خارج إطار الدولة وأيضاً هنالك مشكلة التغير المناخي التي تتطور سريعاً في العراق ونعتقد أن الوضع مثالي الآن لتحقيق ما وعدت به الحكومة في برنامجها نتيجة الوفرة المالية جرّاء ارتفاع أسعار النفط.
*لكن اعتماد العراق على النفط كمورد شبه وحيد فيه محاذير كثيرة؟
على العراق أن يعي أن الاعتماد على النفط في العالم يتراجع يوماً بعد آخر، وعليه أن يكون مستعداً لليوم الذي يتراجع فيه الطلب كثيراً وتنخفض الأسعار إلى أدنى مستوياتها لأن العالم سائر في هذا الاتجاه عبر توسيع استخدام البدائل، وهنا يجب تنويع الاقتصاد وإيجاد بدائل تضمن توفير واردات مالية.
*برأيكم هل تمتلك حكومة السوداني فرصة لحل ملف السلاح خارج سلطة الدولة؟
فاريولا: على العراق أن يكون مستعداً لليوم الذي يتراجع فيه الطلب كثيراً على النفط وتنخفض الأسعار إلى أدنى مستوياتها
موضوع هذه الجهات يرتبط بتعقيدات ما يجري في المنطقة والبعض منها خارج سيطرة الدولة ووجودها تهديد لسيادة القانون، وهي تمثل أحد أشكال الفساد. وأيضاً حدثت صراعات مسلحة بسببها. نعتقد أن الموضوع حلّه سياسي قبل أن يكون حكومياً، إذ أن تفكيكها يتطلب توافقاً وطنياً شاملاً. وحقيقة فإن إيجاد مؤسسات أمنية قوية في العراق يتناقض مع وجود هذه الجهات المسلحة.
*هل هذا سبب أساس في قلة الاستثمارات الأوروبية في العراق؟
وجود جهات مسلحة خارج إطار الدولة يمثل إحدى العقبات أمام تشجيع الاستثمارات الأوروبية بسبب المخاوف الأمنية، إذ إن الاستقرار يتهدد أحياناً بسبب المشاكل، ونعتقد أن الحكومة العراقية والقوى السياسية تدرك أن هذه مشكلة يجب إيجاد حلول لها.
العراق رابع أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي وبلغ إجمالي التبادل التجاري في عام 2022، 28.5 مليار يورو. وسبب ارتفاع الأرقام في الغالب هو الصادرات النفطية للعراق، ونعتقد أن الارتقاء بهذا التعاون يتطلب استمرار الاستقرار السياسي في العراق وتعزز الوضع الأمني.
*ما الذي قدّمه الاتحاد الأوروبي من جهود داعمة للمدن المحررة من تنظيم "داعش"؟
قدّم الاتحاد الأوروبي 1.5 مليار يورو للعراق لتطوير إمكاناته الاقتصادية والتنموية، وجزء من هذه الأموال ذهب لجهود إعمار المدن المحررة وجهود إعادة الاستقرار بما فيها إعادة بناء المنازل المدمرة، وأيضاً نقدم مساهمة مالية لمشروع إعادة إحياء الموصل والبصرة بالتعاون مع منظمة "يونسكو" (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة).
*كيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى مشكلة قطع إيران لإمدادات الغاز المشغلة للمحطات في العراق؟
هذه مشكلة حقيقية تؤثر على تجهيز الكهرباء للعراقيين، والموضوع يجب أن يحل جذرياً باتفاق ثنائي مع العراق. في المقابل، نقول إن اللعب بورقة الغاز سياسياً ليس صحيحاً وخير مثال محاولة أصدقائنا الروس اللعب بهذه الورقة للتأثير على سوق الطاقة العالمي، إذ إن الدول التي كانت تستورده من روسيا استطاعت تعويض النقص من مصادر أخرى، ونحن نعتقد أن الإيرانيين لا يريدون أن يكرروا ذات الخطأ مع العراق.
*تكرر تحذير الاتحاد الأوروبي من مشكلة التغير المناخي في العراق أخيراً. هل المشكلة خطرة إلى هذا الحد؟
فاريولا: وجود جهات مسلحة خارج إطار الدولة عقبة أمام تشجيع الاستثمارات الأوروبية
وفقاً لدراسة صدرت من البنك الدولي، فإن العراق بحاجة إلى 233 مليار يورو حتى عام 2040 لمعالجة آثار التغير المناخي والوصول إلى مرحلة من الاستدامة في مواجهتها.
واحد من أسباب تعاظم هذا التحدي هو احتراق الغاز المُصاحب والانبعاثات من الحقول النفطية جنوبي العراق، إذ إنها أثّرت على حياة السكان بسبب ما تحدثه من تلوث يؤدي للإصابة بالأمراض الخطيرة. وكذلك لدينا تأثير انحسار تدفقات المياه من دول المنبع بسبب المشاريع وزيادة الحاجة للمياه لغرض الزراعة في تلك الدول، وقد عقّدت قلة الأمطار في الأعوام الماضية الموقف. وهذه كلها تحديات تعصف بالعراق، يضاف إليها أسلوب الإدارة غير الحكيم للموارد المائية إذ اعتاد الفلاحون العراقيون على استخدام فائض مياه في سقي محاصيلهم، وهذا يجب أن يتوقف ويتم التخلي عن الطريقة التقليدية، وتعميم استخدام أساليب الري الحديثة. ونحن ندعم جهود الحكومة في هذا الاتجاه ونعتقد أنها ستتطلب أموالاً طائلة لإنجاز التغيير المطلوب، وهنالك اهتمام حكومي غير مسبوق حالياً في هذا الملف، ويجب أن تترجم الخطط والأقوال إلى أفعال وواقع عمل، إذ إن العراق حالياً لديه وفرة مالية من الممكن أن تعينه على معالجة تلك الآثار شيئاً فشيئاً.
*هل تعتقدون أن اعتماد الحوكمة في الدوائر العراقية ضروري وما سبب الإصرار عليه؟
نعتقد أن الحكومة العراقية تدرك جيداً أن هنالك قطاعات بحاجة إلى تسريع الانتقال إلى الحوكمة الإلكترونية وتعميمها في جميع الدوائر الحكومية بوصفها طريقة لتبسيط الإجراءات وقطع الطريق أمام الفساد. ولدينا تعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للانتقال إلى الحوكمة عبر تحديث نظم هذه المؤسسة. وحقيقة خلال اجتماعاتنا مع المسؤولين العراقيين غالباً ما نؤكد أن التأخر في إجراء الإصلاحات أمر يتسبب بخسارة المزيد من الوقت في التقدم، وأن الكثير منها كان يفترض أن ينجز منذ مدة طويلة بعمل جدي. والحكومة الحالية تعي ذلك، وأنها يجب أن تعمل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من أجل تحديث نظام الإدارة المالية في العراق لتطبيق إصلاحات شاملة تقطع الطريق أمام الفساد.
*كيف تقرأون مشروع "طريق التنمية" بين البصرة وتركيا؟
هذا المشروع مهم، ونحن أكدنا للمسؤولين العراقيين دعمنا لمشروع طريق التنمية الذي أطلقه رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني ليمثل حلقة وصل بين العراق وأوروبا، وبإمكاننا تقديم دعم مباشر عبر ما تعمل به المؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي كالبنك الأوروبي للاستثمار، التابع بالكامل للاتحاد، أو البنك الأوروبي للإعمار والتنمية الذي هو بنك دولي يقوده الاتحاد، وهذه مؤسسات دولية ناجحة وقامت بالاستثمار في العديد من دول العالم.
*كيف تنظرون إلى زيارة أمير قطر الأخيرة إلى بغداد ودعمه لمشروع طريق التنمية؟
ننظر إلى هذه الزيارة وفرص التعاون وما يرشح منها من فرص استثمارية بإيجابية لأنها ترسخ للتعاون بين العراق وقطر من جهة خاصة، ومع دول الجوار، وتدعم تحسين العلاقات الإقليمية وتحقيق التنمية الاقتصادية. والهدف الأخير سيكون محوراً أساسياً، كذلك في مؤتمر بغداد الثالث المؤمل انعقاده في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل والذي سيشارك فيه الاتحاد الأوروبي لأنه سيصب في تعزيز العلاقات.
السيرة الذاتية
فيلا فاريولا
الجنسية: فنلندي
عمل في مناصب مختلفة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999
سفير بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق منذ سبتمبر/أيلول 2021
كبير المستشارين في دائرة العمل الخارجي الأوروبي لشؤون الاقتصاد في آسيا والهادئ من 2017 إلى 2021
نائب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا ما بين 2013 و2015
مسؤول مكتب ألبانيا وكوسوفو في الاتحاد الأوروبي 2012-2013
رئيس المكتب السياسي في بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق 2012
مستشار لسياسة الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي 2008-2010
مسؤول برنامج إعادة الإعمار في بعثة الاتحاد الأوروبي في أفغانستان 2005
حاصل على درجة الماجستير في القانون – جامعة هلسنكي