حرية تعبير قاتلة

آخر تحديث 2023-07-12 00:00:00 - المصدر: سعاد الجزائري

قال عمرو بن العاص: (المرء حيث يضع نفسه فإذا أعزها علا أمرها  واذا أهانها ذل وهان قدره)..
ذكرني هذا القول بقيمة قدرنا لأنفسنا كعراقيين، بعض الشعوب تتباهى بمن يتفرد بينها بأمر ما، وتتباهى بمن علا شأنه بين الأقوام الاخرى، فقبل يومين حاز طفل عراقي على لقب بطل الأبطال في المسابقة العالمية للحساب الذهني، وبعده تسلسلت على نفس القائمة اسماء عراقية أخرى لأطفال موهوبين جنسيتهم عراقية، وفي فيديو الفوز ظهر عمر خطاب، وهو يشير الى علم العراق المطبوع على ساعده وهو يصيح بأعلى صوته: عرااااااااق
ثم بعده بيوم حصل الشاعر العراقي شوقي عبد الامير على أعلى وسام أدبي في فرنسا لعام 2023، وهو وسام الفارس.
قبل هذين الفوزين تصدرت اسماء عراقية كثيرة في اوروبا وبلدان عربية قوائم فوز في مجال الأدب، المعمار، الطب....الخ، وابتهج الناس بهذا الفوز، ليس لسبب حدث الفوز فقط، وإنما لأننا بحاجة الى ردم الانكسارات التي مررنا بها، ولأن الكثير من حولنا أرادوا التقليل من شأننا بمختلف الوسائل والطرق بدءا بنشر المخدرات بين الشباب، لكي لا ينمو جيل يعرف العلم والمعرفة، ولكي لا تتجدد معارف اجيالنا، ومرورا بتجفيف اراضينا لتجويع قطاعات كبيرة من الشعب، والجوع كفيل بتجهيل الشعوب، أو خلق صراعات أهلية كفيلة بأن تجعل الواحد منا منبع كره للآخر، وينشغل الفرد بالبحث عن الطرق والوسائل لالغاء الاخر وهو شريكه بالارض والعرض والثروة. تنشر الكثير من المجموعات، بقصد أو لأنها مجموعات جاهلة وفاقدة لوعيها الوطني والانساني، أو بدافع السخرية فيديوهات مقتطعة من برامج مسابقات تافهة، تريد الترويج لقناتها عبر أهانة شعبنا بوسائلنا الاعلامية.
هذه البرامج والفيديوهات تطرح اسئلة، هي بسيطة واحيانا ملغومة، والكارثة أن المشاركين أغلبهم من شريحة الشباب (المتعلم) فتأتي أجوبتهم كارثية، تعكس تدني مستوى التعليم والمعرفة بين أجيالنا الحالية، وهنا تتداخل عدة جهات في اسباب هذا التدني المعرفي؛ جهاز التعليم، دور العائلة في رفع مستوى وعي ابنائها، دور وسائل الاعلام، الشارع.....الخ. الكارثة هنا تكمن في أن إعلامنا ووسائل التواصل تتبارى في كشف جهل شرائح منا على الملأ، وانا أرى ان هذا الامر لن يقل خطورة عن تفجير سيارة في مكان عام، ولا يقل أذى عن سرقة اموال الشعب، او انتهاك حرمة اراضينا.
فأي فائدة يقدمها فيديو يتجول مراسله في الشارع ويسأل افراد بمستويات معرفية مختلفة عن معنى كلمة Orange (برتقال)، وكانت الاجوبة موجعة، لان الانسان العادي والبسيط يرتبك اصلا امام وجود كاميرة او مايكرفون، ويتضاعف ارتباكه عندما يجهل الجواب، فيبدأ بالتخبط بين عدم معرفته وقلة حيلته. الذي يهمني بهذا الأمر ما الفائدة التي يقدمها هذا البرنامج أو أصحاب الفيديوهات المبتذلة من نشر صورة رجل بسيط يقول ان معنى orange هو حالة سياسية موجودة عندنا. برأيي أن من يروج لهذه الحالات، سواء عبر  شاشة قناة او عن طريق فيديو، فأنه ليس اكثر وعيا او معرفة من الذي اجاب على سؤاله، عندنا الكثير من النماذج التي نستطيع أن نفتخر بها وان نرفع بها شأن العراقي الذي مر بويلات لو طالت شعبا آخر لأصبح جاهلا بكامله، لكننا رغم الصعاب ما زلنا نفوز ليس محليا وانما عربيا وعالميا. علينا ان نقف ضد برامج ومسابقات تقلل من قدرنا، وأن يخضع للحساب من يسهم في نشر فيديوهات تسيء لنا، ولا يحاججني أحد بمسألة حرية التعبير، لأني من المدافعين عنها والمحاضرين بها، عبر دورات عديدة، فهذا الامر ليس حرية وانما استهتار في استخدام وسائل وحرية التعبير ومنها الاعلام، لأنها سلاح ذو حدين، أحدهما قاتل كونه يحط من قدرنا أمام الآخرين.
اعود لكتابة ما بدأت به هذه السطور: (المرء حيث يضع نفسه فأذا أعزها علا أمرها  واذا أهانها ذل وهان قدره)..