تعقيب على مقال رئيس جمهورية العراق السابق في فورين بولسي

آخر تحديث 2023-07-12 00:00:00 - المصدر: جواد الهنداوي

نُشِرَ للدكتور برهم صالح، رئيس جمهورية العراق السابق، مقالاً في مجلة الفورين بولسي بعنوان ” النظام السياسي في العراق منتهي الصلاحية والعشرين سنة القادمة شديدة الاهمية “، بتاريخ 2023/4/25، وتمتّ ترجمته من قبل مواقع عديدة ومنها شفق نيوز.

 وقد حُظيَّ المقال بقراءات وتحليلات صحافة اجنبية وعربية مختلفة، ومن الطبيعي أنْ يكون كذلك لاربعة اسباب : لشهرة و لقوة المجلة في الساحة الاعلامية الامريكية و الدولية، ولعنوان المقال المُثير و الداعي الى الاستفهام والتوقفْ، ولاهمية المنصب الذي شغله، كاتب المقال، والظروف التي مرَّ بها العراق وهو رئيساً للجمهورية، حيث احتجاجات وتظاهرات و عنف قادت الى استقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي، وتدخل امريكي سافر، ووصل ذروته بأقدام الادارة الامريكية بانتهاك سيادة العراق و ارتكاب جريمة اغتيال قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني و نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس . (وللمزيد عن الدور الامريكي في تلك الفترة، ممكن قراءة المقال الموسوم : برهم صالح قدًم اكبر خدمة للمصالح الامريكية في المنطقة، مجلة فورين بولسي، بتاريخ 2020/1/1 . رئيس الابحاث الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني الامريكية، ريتشارد. دي هوكر)، و أضيفُ الى هذه الاسباب، سبب رابع، قد يخصّني أكثرُ من غيري، وهو ما وردَ في المقال من آراء تتناول شكل الدولة والنظام السياسي والدستور، بعضها يستحقُ التأييد و البعض الآخر قابلة للتفنيد، و قد كُنتُ حينها مستشاراً للجنة صياغة الدستور، منذ بدء عملها ولحين انجاز الدستور، ولهذا الاعتبار ( ولاعتبارات اخرى تتعلق بالاختصاص و الخبرة ) قد اكون عارفاً بمواطن ضعف و قوة الدستور و امكانية تعديله وتغيير النظام السياسي من نظام برلماني الى نظام رئاسي .

قبل مناقشة فحوى المقال، اتوقفُ عند توقيت نشر المقال، حيث العراق في حال افضل بكثير مما كان عليه، في عهد الرئيس برهم صالح وحكومة السيد الكاظمي، فالعراق يستعيد عافيته على الصعيد الداخلي، ويسترجع الشعب ثقته في الحكومة وفي النظام السياسي، و العراق يعزّز دوره على الصعيد الخارجي . كما أنَّ المشهد السياسي للمنطقة يتجهُ للأمن والاستقرار، وتختفي عنه عوامل التوتر والاستنفار .

المقال عودة الى الوراء ونحن بأمس الحاجة الى خطوات الى الامام، والظروف مواتيه لأن يسير العراق و تمضي المنطقة بخطوات الى الامام . المواطن يشاهد ويتابع جهود الحكومة والزيارات الميدانية التي يقوم بها رئيس الوزراء والهادفة لتحسين الخدمات و الاداء الوظيفي ومحاربة الفساد، والمواطن يشاهد ايضاً دور العراق السياسي في المنطقة وجهوده من اجل أمنها و استقرارها وسيادة علاقة التعاون والاحترام بين دولها .

إمّا عن فحوى المقال وماوردَ فيه من آراء فهي ليست بطرح جديد ولا غير مُشخّصة، بل ومنذ ولادة الدستور وتطبيقة صاحبته فكرة ولجنة تعديل الدستور، ولكن بقيت اللجنة دون انتاج ومضيا الدستور، والنظام السياسي، الذي وُلِدَ من رحم الدستور في التطبيق .

التركيبة الاجتماعية المكوناتيّة للشعب العراقي اقتضت ان يكون شكل الدولة اتحادي تماشياً مع رغبة الاخوة الكرد، الذين أصروا على الاستمرار في تمتعهم بشبه استقلال اداري و سياسي عن المركز . وبقيت الفدرالية محصورة بين اقليم كردستان و باقي العراق، رغم ان الدستور يسمح لمحافظات العراق بالفدرالية ( المادة ١١٩ ) من الدستور، الامر الذي يدّلُ على ان ارادة الشعب العراقي ليست نحو خيار الفدرالية .

ذكر السيد رئيس الجمهورية السابق، في مقاله، عن عدم ملائمة النظام الفدرالي للعراق، رغم انه خياراً كُردياً، ولكن لم يشير الى اسباب عدم ملائمة النظام الفدرالي للعراق، هل سوء التطبيق ؟ هل عدم قناعة الاخوة الكُرد في الحل الفدرالي وطموحهم للاستقلال ؟، ولا يخفي كاتب المقال الرغبة في الانتقال من الفدرالية الى الكونفدرالية، علماً بأنَّ المسافة تكاد تكون معدومة بين فدرالية كردستان في الوقت الحاضر والكونفدرالية، وما ينقص الاقليم كي يكون كونفدرالي هو مقعد في الامم المتحدة و اعتراف دولي بسيادة الاقليم، وليس للعراق حول ولا قوة على هذه الشروط . هل امريكا ودول الجوار مستعدون لمنح استقلال وسيادة للاقليم كي يكون مع العراق في اتحاد كونفدرالي ؟

ما نجده تناقض في مقال السيد الرئيس قوله بأنَّ الفدرالية والنظام البرلماني الحالي ولّدَا مخاوف و عدم ثقة و دولة ضعيفة غير متماسكة، تهيمن عليها اطراف غير حكومية، ولكن في ذات الوقت يدعوا الى كونفدرالية !

للأمانة وللتاريخ كُنّا من الداعين الى تبني نظام رئاسي و عرضنا حينها الاسباب لذلك، ولكن ارادة الاحزاب السياسية و المكونات الاجتماعية، وخاصة الاخوة الكرد، قدّروا بأن النظام البرلماني هو الخيار الامثل للعراق، وان يكون شكل الدولة اتحادياً وليس بسيطاً .

وللأمانة ايضاً نكرّرُ هنا ما كتبناه في مقالات عديدة بأنّ نظامنا السياسي مُكبّل بعيوب النظام البرلماني وفاقد للاسف مزايا النظام البرلماني، ومِنْ مزايا النظام البرلماني

هو صلاحية مقيّدة لرئيس الوزراء بحّل البرلمان، ومثل ما هو معمول به في المملكة المتحدة، كذلك من مزايا النظام البرلماني هو وجود فاعل لمجلس آخر (مجلس اعيان او مجلس اتحاد)، يمارس دور العناية والرقابة على ما يشرّعه مجلس النواب. ومِنْ عيوب النظام البرلماني سلطة مطلقة لمجلس النواب، والذي هو في الحقيقة واجه للأحزاب وليس لارادة الشعب، ولكن و الحق يُقال شهدنا ونشهد تحسّن ملحوظ في الاداء النيابي في مرور وتعاقب الدورات النيابية

العراق، وبعد سقوط النظام، كان يعاني من غياب النضج السياسي وغياب الفكر السياسي، و الفترة الزمنية التي تلت السقوط لم تكْ منتجّه فكرياً و سياسياً،  وانما كانت ضارة جداً للنظام السياسي الفتي بسبب الارهاب والتدخل الخارجي السلبي (اي التآمر)، الهادف الى تدمير الدولة وتقويض النظام وتفكيك المجتمع، ولم يرْ العراق طريقه الى بعد عام 2017 حيث تحرير الموصل، وتعاون المحيط العربي و الاقليمي مع العراق .

كاتب عراقي