مدن العراق تستعير وجه الأرياف القاحل

آخر تحديث 2023-07-12 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

طالما تغزل العراقيون بأرضهم المزدهرة بالثمار، لكنها باتت اليوم قاحلة تعاني شح المياه والتصحر وهجرها كثير من الفلاحين وعوائلهم متجهين نحو المدن لكسب الأقوات الصعبة.

ولم تكن ظاهرة الهجرة من الريف إلى المدن بالجديدة، لكنها لم تصل إلى هذه المستويات والأرقام المرعبة، إذ بلغت الآن نسبة السكان في المدن (الحضر) 69.9 في المئة، مقابل 30.1 في المئة فقط بالمناطق الريفية، بحسب وزارة التخطيط.

يشير متخصصون في الشأن العراقي لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن الريف يعاني إهمالاً متعمداً وجفافاً قاسياً وقلة دعم في السماد والبذور والمبيدات، مع وجود فرص عمل أكثر للشباب في المدن، مشيرين إلى زيادة مظاهر ترييف المدن من خلال ممارسة الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة مثل ظاهرة البيع الجوال، ووجود بعض الأنشطة الفلاحية في الأحياء القريبة من المدينة كتربية الدواجن والمواشي.

نحو المدينة

في الشهر الماضي، هاجر الفلاح قفطان مع عائلته وأحفاده من مدينة الناصرية جنوبي العراق إلى العاصمة بغداد ليلتحق بأخيه الذي سبقه إلى هناك بثلاث سنوات، يقول إن الوضع في الناصرية يسير نحو الأسوأ، فالأراضي الزراعية باتت قاحلة ومهجورة من قبل فلاحيها نتيجة الجفاف الذي تسبب لهم بخسائر كبيرة.

ويضيف "الهجرة من الريف إلى المدن أجبرتنا على العمل في أعمال حرة مثل البناء والأفران والأسواق المركزية لكسب قوتنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في وقت سابق، كشف المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي جهاكير، في تصريح صحافي أن "العراق شهد هجرة من الريف إلى المدينة منذ أن ضرب الجفاف الأراضي الزراعية، وقد سجلت خلال الصيف الماضي والحالي هجرة أكثر من سبعة آلاف فلاح من الريف إلى المدن في محافظاتهم".

وحول الحلول أكد أن "وزارة الهجرة والمهجرين بالتعاون مع وزارتي الموارد المائية والزراعة تحاول عبر تشكيل لجنة متخصصة التقليل من هذه الظاهرة عبر تقديم الدعم للفلاحين وإيجاد حلول لمعالجة هذا الملف من خلال حفر الآبار أو تأمين حوضيات المياه أو غيرها".

تبدو العوامل الاقتصادية الأشد تأثيراً في استمرار الهجرات الداخلية من الأرياف نحو المدن وهوامشها، إذ لم يعد يشكل سكان الريف حالياً سوى نسبة 30 في المئة من إجمالي سكان البلاد بعد أن كانت تلك النسبة تزيد على 60 في المئة قبل نصف قرن ونيف، ومما زاد من معدلات الهجرة من الأرياف إلى المدن ظاهرة نقص المياه الزراعية وارتفاع مستويات التصحر التي التهمت قرابة 70 في المئة من الأراضي الزراعية، حيث تفقد البلاد بشكل متسارع ما يزيد على 200 ألف دونم سنوياً من أجود الأراضي القابلة للزراعة. وعلى رغم ذلك تغيب البرامج الموجهة لتشجيع العمل الريفي وتكثيف الدعم الزراعي واستخدام تقنية المياه المتقدمة اللازمة للبقاء .

إهمال وقسوة

يشير الباحث البيئي والاقتصادي صالح البغدادي، إلى ما يعانيه الريف العراقي من إهمال متعمد وجفاف قاس وقلة دعم، مبيناً أن كل ذلك ألقى بثقله على أبناء المجتمع الريفي وأجبرهم على مغادرة أراضيهم وقراهم للسكن في المدن أو الأراضي الزراعية القريبة منها مزاحمين أهاليها في أعمالهم.

ويضيف أن "أرياف محافظات جنوب العراق الأكثر تضرراً للأسباب التي ذكرناها، أضف إلى ذلك تأثير التغيير المناخي على بيئة الأهوار مما أثر على حياة وأعمال سكانها ودفعهم للهجرة بعد أن يئسوا من عودة المياه لإنقاذ مواشيهم وتوفير لقمة عيش من الصيد والزراعة والأعمال المرتبطة بهما". 

 

يعاني الريف العراقي إهمالاً متعمداً وجفافاً قاسياً وقلة دعم في السماد والبذور والمبيدات (اندبندنت عربية)

 

يرى البغدادي أن من الصعوبة بمكان وقف هذا النزوح، مؤكداً أن تأثيراته ستكون أكبر في السنوات المقبلة بعد أن يتعمق الجفاف في وسط وجنوب العراق أكثر فأكثر.

الباحث الاقتصادي باسم الرعد، ينوه إلى أن حالات الجفاف والتدهور البيئي والظروف المناخية القاسية أحدثت نوعاً من عدم الارتياح في المجتمعات الريفية، لشعور الفرد بالعجز عن توفير مستلزمات الحياة الأساسية، الأمر الذي اضطره للنزوح من الريف إلى المدينة والتخلي بشكل تام عن كل نشاط زراعي.

ويضيف "لقد أنتجت ظاهرة النزوح من الريف مشكلة زيادة الضغط على المرافق الاجتماعية والاقتصادية في مراكز المدن من تعليم ونقل وسكن واستهلاك للكهرباء والمياه وارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى زيادة مظاهر ترييف المدن من خلال ممارسة الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة".

ومن أجل الحد من النزوح من الأرياف إلى المدن، دعا الرعد إلى اتباع أسلوب التنمية المتوازنة بين الريف والمدينة من خلال التوزيع العادل للثروة والدخول وفرص العمل والخدمات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، إضافة إلى العمل على مكافحة ظاهرة التصحر واستخدام المنظومات والوسائل الحديثة في الري بالمناطق الريفية، والعمل على التكييف المناخي مع المتغيرات المناخية العالمية.

التحول الكبير

أسباب كثيرة أدت إلى تدهور الواقع الزراعي في العراق تتعلق بالمياه والتربة وقلة الدعم وغيرها، لكنها برأي المحلل السياسي علي محمد ليست الأسباب الوحيدة، فالتحول الكبير في الاقتصاد العراقي الذي جاء بعد 2003 أثر على القطاع الزراعي من خلال تطبيق إجراءات السوق، وفتح الحدود عن طريق إلغاء إجراءات الحماية، وفتح أبواب التجارة الخارجية على مصراعيها من خلال إلغاء نظام الحصص والتراخيص، وإلغاء الرسوم الكمركية عن السلع الزراعية المستوردة بسبب السياسة الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات العراقية بعد 2003.

 

تظل العوامل الاقتصادية الأشد تأثيراً في استمرار الهجرات من الأرياف نحو المدن وهوامشها (اندبندنت عربية)​​​​​​​

 

كل ذلك تسبب بهذا الانهيار للقطاع الزراعي، بحسب المحلل السياسي، عازياً إياه إلى تلك الإجراءات التي تسببت بتحول السوق العراقية من سوق مسيطر عليها إلى سوق مفتوحة، ودخول أنواع كثيرة من السلع إلى العراق بأسعار رخيصة وبجودة عالية، وهو ما تسبب بجعل السوق العراقية تعتمد على المنتجات الزراعية المستوردة من دول الجوار أو الإقليم، وبعضها يصل من دول بعيدة مثل الصين والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها.

وتابع أن هذه السياسة أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار المحاصيل الزراعية نتيجة انخفاض المعروض من المحاصيل المنتجة محلياً نتيجة سياسة الإغراق التي أدت إلى ترك الفلاح للزراعة لعدم قدرة محاصيله على منافسة السلع المستوردة.