تنصل حكومي.. منارة هيت تقترب من مصير الحدباء والسراجي؟

آخر تحديث 2023-07-21 00:00:00 - المصدر: العالم الجديد

بعد منارة "الحدباء" التي هدمها تنظيم داعش في الموصل، ومنارة جامع السراجي التي هدمتها محافظة البصرة لتوسعة شارع، تنتظر منارة أو مئذنة هيت دورها لتنضمّ إلى سلسلة المعالم التي أصبحت ركاما، بسبب الإهمال الحكومي الذي يقربها من مرحلة السقوط لأول مرة منذ قرون، دون أية إجراءات حكومية سريعة لتأهيلها، والحفاظ عليها شامخة وسط القضاء الأنباري. 

إذ يعود تاريخ بناء منارة هيت لما قبل الفتح الإسلامي، عندما كانت مدينة هيت تابعة للإمبراطوريات الآشورية والبابلية والأكدية، كما يؤكد المؤرخ محمد رحيم.

ويقول رحيم خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "جامع الفاروق في هيت بمحافظة الأنبار، هو من الجوامع أو المساجد التاريخية القديمة، وقد شيد في بداية الفتح الإسلامي، وتحديدا في سنة 16 للهجرة (عام 638 ميلادي)، بعد فتح هيت على يد يزيد بن حارث القرشي".

ومنذ يومين أطلق ناشطون من الأنبار، حملة لإنقاذ منارة هيت نظرا لكونها أصبحت آيلة للسقوط، وطالبوا الجهات المعنية بالتحرك العاجل لتأهيلها قبل أن تتهدم.

يذكر أن الأسبوع الماضي، شهد لغطا كبيرا بعد أن أقدمت الجهات المحلية على هدم منارة جامع السراجي، خلال عملية توسيع طريق، وهو من الجوامع التاريخية ويعود لمئات السنين وعائديته حاليا للوقف السني، الذي نفى بدوره إعطاء موافقة لحكومة البصرة على هدم المنارة، فيما تصر حكومة البصرة المحلية على أن الهدم تم بالتنسيق مع الوقف السني.

ويتابع المؤرخ، أن "مسجد الفاروق شيّد من الحجارة على مكان مرتفع عن الأرض، لكي يكون بارزاً ولا تؤثر عليه المياه، ويبدأ بسلالم وتعلوه منارة ارتفاعها 25 متراً"، موضحا أن "هذه المنارة كانت في يوم ما برجاً للمراقبة قبل الفتح الإسلامي لمدينة هيت، بالتالي هي أقدم من الجامع بكثير، وعندما جاء المسلمون استغلوا المكان وبنوا مسجدا".

ويلفت إلى أنه "جرى تجديد الجامع في سنة 1963، فلا يمكن أن يكون البناء باقيا على مدى 14 قرنا حتى اليوم، ففي حينها جرت عملية تجديد شاملة، ويروى أن هناك ممرا يؤدي إلى النهر والغرض منه كان يستخدم أثناء الغزوات، لفتح الأبواب وإدخال المؤونة إلى أهالي هيت ويسمى باب السنجة".

ويؤكد أن "المبنى القائم الآن هو ليس المبنى الذي أمر الخليفة عمر بن الخطاب ببنائه، فقد تعرض عبر الزمن للهدم والبناء المتكرر، ولو رجعنا قليلاً إلى الطراز المعماري في أيام الفاروق في مكة لوجدناه بسيطاً جداً لا يزيد عن جذع نخلة، وفيما بعد أصبحت المآذن على سطح الجامع".

ومنارة أو مئذنة هيت، هي جزء من قلعة هيت، وهذه القلعة واحدة من ثلاث قلاع مهمة في العراق، إلى جانب قلعة كركوك وقلعة أربيل.

يذكر أن العراق فقد عام 2014، المئذنة الحدباء الشهيرة في مدينة الموصل، بعد أن نسفها تنظيم داعش وفجرها، وبعد التحرير بدأت أعمال إعادة بنائها وما زالت مستمرة حتى اليوم. 

وحاولت "العالم الجديد"، التواصل مع ديوان الوقف السني، لمعرفة مصير المنارة وسبب عدم تأهيلها للحفاظ عليها، لكنها لم تنجح بالحصول على رد من المسؤولين في الوقف.

فتوجهت الصحيفة لوزارة الثقافة، لكون المنارة تعد من المعالم التاريخية، لكن المتحدث باسم الوزارة أحمد العلياوي، وخلال حديث مقتضب لـ"العالم الجديد"، نأى بمسؤولية الوزارة عنها بالقول "هذه المنارة هي جزء من القلعة والمسجد، وترتبط بالأوقاف، وهذه بالتحديد تعود ملكيتها إلى الوقف السني، ولذلك لا يحق لوزارة الثقافة والسياحة والآثار صيانتها وتأهيلها إلا بعد أن تقدم الأوقاف طلباً بذلك، وتتحمل تكاليف التأهيل والصيانة على وفق قانون الآثار والتراث رقم 55 لسنة 2002".  

وتشير مصادر تاريخية عديدة، أن قلعة هيت كانت محاطة بسور له أربعة أبواب، بعضها كان مرتفعا لمراقبة السفن، كما أن المدينة كانت محاطة بمياه نهر الفرات.

وعلى النقيض من تصريح وزارة الثقافة، فأن مسؤول قسم الإعلام والاتصال الحكومي في قائممقامية قضاء هيت محمد البكر، يؤكد خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "القلعة تابعة لوزارة الثقافة والآثار، بينما المسجد فقط من ترجع ملكيته للوقف السني، وبدورنا طالبنا كثيراً الوزارة لترميم منارة الفاروق وعملنا عدة تقارير لأن موضوعها عريق ومهم جداً فهي أقدم من الحدباء بالموصل".

ويتابع "كانت هناك حفريات قرب المنارة كادت أن تسبب لها بأضرار، ولكن الحكومة المحلية أوقفتها وطالبت الجهات المعنية بالنظر بأمر القلعة عامة والمنارة خاصة".

أما عن التحرك الخاص أو الرسمي من قبل الحكومة المحلية لهيت، فقد اعتذر البكر عن التصريح: "غير مسموح لي بالتحدث بهذا الأمر".

يذكر أن العراق فقد الكثير من مواقعه الأثرية، بعضها تعرض للنهب والسرقة خلال فترة الانفلات الأمني إبان دخول القوات الأمريكية إلى عام 2003.

من جانبه، يشير الناشط المدني من قضاء هيت، عمر عادل خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إلى أن "مناشدات عديدة وجهنا للحكومة المحلية في هيت بشأن المنارة، وتوصلنا إلى أن الموضوع تابع للوقف السني، والوقف هو المسؤول الرئيس عن إعادة تأهيلها أو الحفاظ عليها من السقوط".

ويتابع: "أطلقنا حملات عدة لإنقاذ المنارة ولكن دون جدوى، فالمسؤولون في قضاء هيت غير مهتمين بالأمر، لكن أهالي المدينة مصرون على الحفاظ عليها، لكونها إرثا حضاريا وشاهدا على تاريخ المدينة"، مبينا أن "عامين مرا على وعود الوقف السني بخصوص تشكيل لجنة لإعادة بناء المنارة، لكنهم يعزون التأخر إلى عدم توفر الأموال الكافية".