شخصيات في الاقتصاد الحقيقي.. رواد ومراجع

آخر تحديث 2023-07-28 00:00:00 - المصدر: المدى

ثامر الهيمص

وشاورهم في الامر’ ما خاب من استشار لنتذكر هذه المقولات دائما, المقدسة او العرف الاجتماعي الاخلاقي هي, عند المحن والاستعصاءات والانغلاقات, لتنتقل المشورة من المستحب (الذي هو غالبا ما يكون اسقاط فرض) الى الواجب الذي يصبح خيارا اوحد امام الانهيار ولا مناص للمراوغة العقيمة.

 

مما لا شك فيه انه لا يوجد مجتمع يخلو من مرجعيات ورواد, سيصبحون ربابنة عندما يضيق الخناق حتى عند غيابهم عن المشهد الحالي والذي يليه, فقد مررنا باختناقات كثيرة كان ولازال غياب الرشد والاستشارة عاملا اساسيا في ديمومتها, منذ اكثر من نصف قرن, حيث توفرت العوامل الموضوعية غالبا والتي لم يتم صنعها من قبل احد اللهم الا التهيأه مثل قانون رقم 80 الذي هيئ للتغير في المجال النفطي اجمالا, في غيابه, خسرنا الكثير بثمن باهض على جميع الاصعدة. الذي يضعنا في موقع البحث والتأكيد على الاستشارة, هو اولا واخيرا مفارقاتنا الاقتصادية وبديهيات الامور التي تستحق الاجماع ثم الشروع,

. وهذا بات شائكا بالنظر لحلول المناطقية محل القرار الوطني الا ماندر’ اذ كلا يغني على ليلاه.

فمن مراجعنا الاقتصادية الذي لا يمكن تجاوزه هو الدكتور محمد سلمان حسن الذي كان وسامه قانون رقم 80 الذي مهد الطريق لسياسة وصناعة وطنية, ليدفع ثمنها باهضا باستشهاده وابنه, وجمعينا لا ننسى ابراهيم كبة وزيرا للاقتصاد واستاذا قولا وعملا وزاهدا, منا من عاصرهم موظفا او طالبا او سياسيا ام باحث اقتصادي, وهكذا من سار على نهجهم مشيدا على ما بنوه بمبادئ جلية في الوطنية في اهم مرفق اقتصاد ي كان ولا زال المصدر الاساس لاقتصادنا هو النفط والغاز, اما لماذا لازال راهنا بمساوئه’ لانه خرج من الاطارات المؤسسة التي شيدها الاقتصاديون الوطنييون غير المؤدلجين’ سوى بالهم الوطني.

لعل ابرز مريديهم عمليا ونظريا وارجو ان لا اكون منحازا انه المهندس فؤاد قاسم الامير(اطال الله عمره) الذي تخرج من ارقى جامعات بريطانيا وخدم مخلصا في وزارة النفط, ليضع الدراسات الناجمة عن تجربته في صناعة النفط والغاز انتاجا وتصنيعا وتشريعا, محيطا ذلك بكتابات ذات علاقة مباشرة بالموضوع سواء في ابحاث الدولار او الراسمالية المتعولمة والموقف من صدام والامريكان, وهذا لا يعني انه الوحيد فله من الزملاء كثر, ممن عملوا معه او مريديه. وهكذا تشكلت لدينا ريادة ومرجعية في اقتصادات النفط والغاز, دخلنا بدونهما مفارقة تاريخية ان تحول اقتصادنا الحقيقي (الصناعة والزراعة وخدماتهما) محاصرا باقتصاد اليد الواحدة اي الريع النفطي’ لتكون خانة اقتصادنا الحقيقي في ايرادات الخزينة الى 5%. (هذه المفارقة حصلت قبل موقف دول المنبع لا بعده)’ ولعل هذا ما يفسر تراخي وضعف الموقف في ملف المياه الحديث القديم في ضوء مؤشرات منذ اكثر من نصف قرن, غرورا وقصر نظر وبعيدا عن ذهن استراتيجي حصيف’ حيث تم تحييد كافة المرجعيات من الدينية الى الاقتصادية وصولا الى المرجعيات حتى العسكرية ذات الافق الستراتيجي.

فمن ابرز المفارقات في عالم النفط والغاز مثلا استيرادنا للغاز والمشتقات النفطية الان وغدا’ وان المرجعيات حذرت منه. ولا زالت المصافي غير كافية وستبقى في الافق المنظور, كما ان الصناعة النفطية عموما لا تحتاج لعمل فكري جبار حيث الاسس الفكرية والدراسات متوفرة, وهكذا كانت البتروكيمياوات القريبة من مشروع غاز البصرة, والغاز المصاحب لا يحتاج اعلان, والحر كامن في عكاز والمنصورية واخواتهما من مكامن’ انها مفارقة التاريخ والاقتصاد والجغرافية الوطنية.

فقبل 2003 انجرف العراق بشعارات وتطبيقات اقل ما يقال عنها انها رعناء ومن خلال بيروقراطية تعودت على التسيس’ فكان الحصاد مرا ثمان سنوات وحصار 13 عام فقط بخدمات لوجستيات بذات الاتجاه’ تقودها دكتاتورية لم تسمع بشئ اسمه الاستشارة والرشد, لتصبح الادارة الحالية التي جذورها تمتد الى النمط العثماني, في حين دخلنا بعد سياسة القطبين الدوليين الى رحاب عولمة تسعى فقط من خلال التجارة الدولية بادارة صندوق النقد الدولي ذو التجربة البائسة في امريكا اللاتينه. ولذلك لا يمكننا الحصول على عولمة مفرطة وديمقراطية’ وقراروطني ذاتي في الوقت نفسه. لكن يمكننا على الاكثر الحصول على اثنين من هذه الثلاثة. ان اردنا عولمة مفرطة وديمقراطية. فعلينا ان ننسى امر الدولة الوطنية. وان توجب علينا الابقاء على الدولة الوطنية واردنا معها العولمة المفرطة. فلننس اذن امر الديمقراطية. واذا اردنا الجمع بين الديمقراطية والدولة الوطنية المستقلة. فلنقل للعولمة المفرطة وداعا. (داني رودريك / الاقتصاد / خلاصة اعظم الكتب / ص/ 264 /2020). وهكذا جمعنا الثلاثي وكانت النتائج للعشرين سنه وما سبقها, يهيمن عليها الكلفة الامنية والترهل البيروقراطي بموازنته التشغيلية وكيفية ترشيقها وتقريمها كونها اكلت 70% من الموازنة, لتتقاطع مع الهم الوطني. فأن الدولة النفطية تجنح في تطورها جنوحا يشوه مؤسساتها ويضعف قدرة هذه المؤسسات. (تيري لين كارل /مخاطر الدولة النفطية /تاملات في مفارقة الوفرة / ص11/2007). اذن تشوه الدولة النفطية بامتياز, شر لا بد منه والخيار المتاح ليس سهلا. وعليه, فأن الدروس والعبر تقتضي صياغة المعادلة الاقتصادية بعد فقدان واحدة من ثوابتها وهو اما الايمان باقتصاد الدولة التدخلية وتحمل مركزياتها بمختلف درجات الشد فيها او الايمان بالحرية الاقتصادية على وفق الاليات التي تعايش العراق في العقد الاخير بغض النظر عن نتائجها الكارثية وانعدام رؤاها في احداث تنمية حقيقية. (د. مظهر محمد صالح قاسم /الاقتصاد الريعي المركزي ومأزق انفلات السوق /ص45/46/2013).

اذن هم النفط والغاز والوفرة بمفارقتها وتشابك المصالح المحلية والاقليمية والدولية, لا تحسمها التيارات والحركات المتشضية و بكل الاحوال.. ولكن عندما يكون الهم الوطني اولا سواء من خلال الماده 111 في نصها القاطع(النفط ملك الشعب العراقي). او غيرها من النصوص غير الاشكالية. انه قدر العراق وتراثه في المقارعة. فلنا تاريخ عريق كعراقيتنا, فمنذ 63 عاما كان لنا باع طويل في فرض وتطويع شركات كبرى اقتصاديا وسياسيا وحتى عسكريا’ فقد فرض المفاوض العراقي ضمن حيثيات قانون رقم 80 بنوده السته’ بتخلي الشركات عن الاراضي غير المستثمرة وتنازل الشركات عن الغاز الطبيعي الفائض عن حاجتها, ووجوب مساهمة العراق فعلا في رأسمال الشركات بنسبة لا تقل عن عن 20%, ووجوب زيادة حصة العراق من ارباح النفط, وضمان استخدام الناقلات العراقية في نقل النفط العراقي, ودفع العوائد بعملة قابلة للتحويل. راجع (د. محمد سلمان حسن /دراسات في الاقتصاد العراقي /298/1966), هذا موقف المفاوض العراقي الذي يستند لفكر وطني وليس بتحاصص بل بافق لا يقل وطنية عن قناعات راسخة’ والمؤلف رائدا ومرجعا’ انه الاجدر بالسير على خطاه في تناول (الملف المفارقة) ملف النفط المؤجل منذ 2007. بمسودته في هذا العام ومسودة 2011, نامل ان لا تتلوهما مسودة ثالثه. من كل ما تقدم نجد ان العراق كان (الجائزة الكبرى) التي ارادت الولايات المتحدة الحصول عليها والاحتفاظ بها,؟ وهناك من يعتقد انها ستستحوذ عليها وتحتفظ بها مهما كلف الامر!!. وباعتقادي ان هذا لا يكون, فالعراقي بالنتيجة لن يفرط بهذه (الجائزة) مهما اختلفت اطيافه. راجع (فؤاد قاسم الامير) /الجديد في القضية النفطية العراقية / ص/ 206/2012).

نعم ففي الوقت الذي لم نستطع فيه ان نضع حدا لهرمطة قانون النفط والغاز’ (ذو المسودتين) اذ من المزمع ان تمم المدانشة بعد عيد الاضحى. حيث ذكر تقرير لموقع (اويل برايسس) الاخباري بقلم الخبير الدولي في شؤون الطاقة سايمون وانكنز ترجمة المدى. ان هناك طاقات كامنة في القطاع النفطي العراقي اذا ما تم تقنيتها بالشكل الصحيح ان تؤهله لزيادة انتاجه النفطي ليصبح اكبر منتج للنفط في العالم وقد يصل من الناحية النظرية الى معدل انتاج 13 مليون برميل يوميا. (جريدة المدى/ العدد 5467/13 تموز /2023). ولا شك ان العقدة في منشار حسم قانون النفط والغاز هو الخلاف بين المركز والاقليم, الذي يتم وتم بغياب استنطاق المرجعية الوطنية والاقتصادية وعدم حضور المشتركات الوطنية حضورا مباشرا كما حضرت قبل 63 الذي حسم الامر مرجعية تلك الفترة.

فقانون النفط والغاز ذو البعد العراقي اولا واخيرا, هو الارضية الحقيقية لمعالجة ملف المياه, الذي يشد ازر المفاوض العراقي, بما يعكسه من ردم فجوة المناطقيات والهويات الفرعية التي سما فوقها قانون رقم 80 وما تلاه من اقامة شركة النفط الوطنية والصناعة النفطية كقاطرة لصناعة وطنية جامعة بين نفوط العراق وغازه الذي لا يحصره اقليم ولا محافظة ولا اثلاث التحاصص. الساحة الوطنية العراقية لا زالت تحفل بعقلاء القوم الان وقبل, ممن لهم لهم باع في الذود ابان الاحتلال ومناهجه وبرامجه وخططه الحالية المحتدمة اخيرا. فالاحتلال لا يدوم بل الدائم بلاد الرافدين. وحسبنا الله ونعم الوكيل.