مشرّعون يؤيدون ضبط حرية التعبير في الدنمارك بعد حرق المصحف

آخر تحديث 2023-08-05 00:00:00 - المصدر: العربي الجديد

يتصاعد السجال المتعلق بحرية التعبير في الدنمارك مع توجه الأحزاب المشكّلة للحكومة الائتلافية، أي حزب "فينسترا" الليبرالي والاجتماعي الديمقراطي والمعتدلين، إلى تبني تشريع يحظر حرق نسخ من القرآن الكريم. في مواجهة تسلّح معسكر معارضي تشريع حظر حرق القرآن بمبادئ عدم المسّ بحرية التعبير.
يأتي ذلك بعدما قامت مجموعة دنماركية مناهضة للإسلام، بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة العراقية بالعاصمة كوبنهاغن، في يوليو/ تموز الماضي، وقام أفراد تلك المجموعة بإلقاء العلم العراقي والمصحف على الأرض والدوس عليهما، كما بثوا الاعتداء الذي استهدف المصحف على الهواء مباشرة، عبر حساب المجموعة على "فيسبوك".
وقالت المجموعة اليمينية المتطرفة إنها نفذت الاعتداء احتجاجاً على مهاجمة السفارة السويدية في بغداد، بعدما قام طالب اللجوء العراقي سلوان موميكا بتمزيق نسخة من القرآن والعلم العراقي أمام سفارة بغداد لدى العاصمة السويدية استوكهولم. يشار إلى أن المجموعة ذاتها اعتدت سابقاً على المصحف والعلم التركي أمام السفارة التركية لدى كوبنهاغن.
وفي سياق تعزيز حرية التعبير، ألغت كوبنهاغن عام 2017 قانون عقوبات التجديف، بعدما اعتمدته على مدى 334 عاماً لمحاسبة التهجم العلني على الديانات. وكانت المادة 140 من القانون الجزائي الدنماركي حول التجديف تتيح فرض عقوبة السجن 4 أشهر كحد أقصى، إلا أن القضاة نادراً ما استخدموا هذه المادة.
وفي عام 1997، أحرق فنان دنماركي نسخة من الإنجيل على شاشة هيئة البث العام "دي آر" في سياق معرض فني، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين، ما أدى إلى رفع دعاوى ضده وضد التلفزيون الدنماركي. إلا أن المحكمة العليا في كوبنهاغن اعتبرت أن الحرق جاء في إطار عمل فني.
وقبل إلغاء قانون عقوبات التجديف، شهدت البلاد احتجاجات من قبل متدينين (بينهم عراقيون) بسبب الاستهزاء بالمسيح في أكثر من مناسبة، إحداها تلك التي باعت فيها المتاجر حذاءً صيفياً عليه ما يعتقد أنها صورة السيد المسيح. وفي ظلّ الاحتجاجات الأخيرة بسبب استفزاز حارقي نسخ من المصحف، يتّجه السجال الدنماركي للتذكير بأن ثمة سقفاً لحرية التعبير في اسكندنافيا، التي تحتلّ في العادة مراتب متقدمة فيها وفي حرية الصحافة. قانونياً، هناك قيود وأسباب قاهرة تضع حدوداً لـ "التعبير الحر".
وخلال الأيام القليلة الماضية، دخل رجال القانون على خط السجال، معيدين التذكير بضرورة "التعقّل" وفهم حدود حرية التعبير. خصوصاً أن القانون الجنائي الدنماركي مليء بالأحكام المقيدة. على سبيل المثال، يُعاقب القانون أي شخص يهين علناً دولة أجنبية أو علمها أو أي شعار وطني معترف به، ويمنع حرق أعلام الدول وعلم الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وتصل العقوبة، بحسب المادة 110 من قانون العقوبات، إلى عامين. وتضاعف العقوبة لمن يهين رئيس دولة أجنبية أو رئيس البعثة الدبلوماسية لدولة أجنبية بحسب المادة 110 د من قانون العقوبات.
ولا يمكن نسيان أن عموم الدول الاسكندنافية لديها قوانين لمكافحة العنصرية والتمييز. ففي حين تلاحق النرويج كل من يقدم على حرق نسخة من القرآن وفق قوانين محاربة العنصرية، فإن جارتها الدنمارك تعيش سجالاً حول ما إذا كان بالفعل يمكن أن يستخدم ذلك القانون لحظر حرق القرآن. 

وتُعاقب المادة 266 من قانون العقوبات الدنماركي بالسجن حتى عامين وغرامة مالية بحق كل من يدلي علناً أو نشراً في دائرة أوسع، بتصريح أو كتابة منشور يتعرض من خلالهما أشخاص للتهديد أو السخرية أو الإهانة، بسبب عرقهم أو لون بشرتهم أو أصلهم القومي أو العرقي أو معتقدهم أو إعاقتهم أو حتى الهوية الجنسية أو التعبير الجنسي أو الخصائص الجنسانية. لكن يصعب تطبيق قانون مكافحة العنصرية في أحيان كثيرة بسبب نقص الأدلة. 
وكانت محكمة نسيتفيد، جنوب كوبنهاغن، قد أصدرت حكماً بالسجن ثلاثة أشهر على رئيس حزب "تشديد الاتجاه" المتطرف راسموس بالودان، بناء على المادة 266 باء من قانون العقوبات والمتعلق بمكافحة العنصرية. وجاء الحكم بعد مداولات استمرت ثلاثة أيام في 14 اتهاماً، من بينها العنصرية والازدراء وانتهاك الخصوصية، والتشهير بإطلاق أوصاف تحط من السود عموماً، وشعب جنوب أفريقيا خصوصاً. ويعد الحكم سابقة في تاريخ القضاء الدنماركي الذي يستهدف زعيم حزب سياسي. 
وكان بالودان أثار جدلاً كبيراً بعد سلسلة من التظاهرات شبه الفردية، ومع بضعة أشخاص أحياناً، تصفها وسائل الإعلام والسياسيون بأنها "استعراضية ومستفزة للمسلمين". وعرف بالودان، الذي ترشح لانتخابات البرلمان الدنماركي في العام الماضي، بحرق وتمزيق ورمي القرآن في مناسبات عدة، وفي مناطق تسكنها أقليات مسلمة، ما تسبب في كثير من أحداث العنف والاحتجاجات بسبب حماية الشرطة والاستخبارات له، والتي اضطرت في مناسبات مختلفة لإشهار سلاحها لإخراجه سالماً من مناطق تظاهراته. 
إلى ذلك، يتفق أستاذ القانون في جامعة كوبنهاغن، يورن فيسترغورد، مع الرأي القائل بضرورة فرض قيود على حرية التعبير، رافضاً حجج رافضي التشريع. وبحسب ما نقلت عنه يومية "بوليتيكن"، فإنه "يمكن للمرء أن يتساءل لماذا يجوز تدنيس القرآن ولكن ليس علم دولة أجنبية"، ويرى أن حرية التعبير يجب أن تكون مضبوطة. 

ويتفق فيسترغورد مع آراء رجال قانون آخرين يؤيدون اتخاذ إجراءات بشأن حرق المصحف. ويقول: "عندما نتحدث عن حرق القرآن، يمكن تبرير ضرورة الحظر باعتبارات مختلفة، بما في ذلك العلاقة مع القوى الأجنبية، وحماية الأقليات الدينية، والحفاظ على النظام والأمن، ولدى المشرعين فسحة معينة في هذا المجال لأن حرية التعبير ليست مطلقة".
ويرفض كثيرون أن يؤثر بعض اليمينيين المتطرفين على سمعة وصورة بلدهم، الذي يُدرك حدود حرية التعبير حين يتعلق الأمر بخطاب "معاداة السامية"، متجنباً التعرض لدولة الاحتلال الإسرائيلي أو اليهود بناء على تبعات قوانين العقوبات التي تحظر ذلك.
ويرى أستاذ القانون الدنماركي المعروف، كورت فيللادس ينسن، أن حظر حرق المصحف يمكن أن يندرج تحت بند "عدم إهانة أو التعرض للأقليات الدينية المعترف بوجودها في البلاد".
وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية (بعد عام 2000)، تعرّض كثيرون لملاحقات بسبب حرق علم الاحتلال الإسرائيلي، وتبنّى الدنماركيون قانوناً يحظر حتى اليوم رفع راية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، باعتبار أن في ذلك "تأييد للإرهاب".

ويُعد ارتداء الأقنعة أثناء التجمّعات في مكان عام أمراً غير قانوني في الدنمارك، ويعاقب قانون العقوبات الذي دخل حيّز التنفيذ في 3 يونيو/ حزيران 2000، على هذا الانتهاك بالغرامة أو السجن لمدة تصل إلى ستة أشهر، كما يُجرّم حيازة التأثيرات التي يُنظر إليها على أنها مقصودة لاستخدامها في التقنّع أثناء التجمّع، ويستثني من العقوبة ارتداء الأقنعة الذي يكون الهدف منه حماية الوجه من الطقس. يشار إلى أن الحظر لا ينطبق على غرينلاند أو جزر فارو.

كذلك، يُعاقب قانون العقوبات الجنائي من خلال المادتين 267 و268 أي شخص يمارس تشهيراً، من خلال إصدار بيان أو رسالة أو عمل يسيء إلى شخص، بغرامة مالية وبالسجن، ويشمل ذلك التشهير على وسائل التواصل الاجتماعي، وذكر أسماء أو المسّ بسمعة الأشخاص أو اتهامهم بأفعال لم يرتكبوها.
ويُمنع العاملون في القطاع العام والمحامون والمهنيون الصحيون وموظفو جهاز الاستخبارات العسكرية من إفشاء معلومات حول المواطنين أو المرضى أو العملاء وغيرهم، وينطبق ذلك أيضاً على أعضاء المجالس البلدية ومجالس المدارس. وتؤدي الملاحقات القانونية إلى الفصل من العمل ومحاكمة الأشخاص بالسجن 6 أشهر ودفع غرامة مالية للذين ينتهكون سرية المعلومات. كما أن عقوبة تناول الملكة أو ولي العهد أو حتى أرملة الملك أو رئيس الوزراء بأسلوب يتضمن تشهيراً هي السجن عاماً واحداً، وقد تتضاعف بحسب المادة 115 من قانون العقوبات.