بدأت في مدينة الموصل، شمالي العراق، تجربة لاستخدام تقنية الذكاء الصناعي في مجال العمل الصحافي، بهدف ترشيد النفقات.
أثار استخدام تقنية الذكاء الصناعي في إذاعة محلية، تبث ضمن نطاق محافظة نينوى وعاصمتها المحلية الموصل، ردود أفعال مختلفة في الوسط الصحافي داخل المدينة، بين مؤيد للفكرة وداعم لها وبين متخوف من أن تغني التقنية الحديثة عن عمل الصحافي.
بعد عام 2017، واستعادة الموصل من سيطرة تنظيم "داعش"، انطلقت في أثير المدينة العديد من المحطات الإذاعية، وكانت أغلب تلك الإذاعات تتلقى دعماً مالياً من جهات سياسية ومسؤولين محليين ونواب.
وتسبّبت هيمنة أحزاب سياسية ومسؤولين حكوميين على وسائل الإعلام في الموصل وعموم العراق إلى غياب المصداقية فيها، وتحولها إلى مكاتب إعلامية ناطقة باسم السياسيين الداعمين، كما تحولت إلى "دكاكين" ومكاتب للتجارة السياسية بحسب وصف بعض الصحافيين.
إذاعة موصل تايم، التي تعمل منذ العام 2019، وبحسب القائمين عليها اختارت أن تلتزم الحياد وقدّمت نفسها كوسيلة إعلامية مستقلة تتناول الشأن الموصلي بعيداً عن إملاءات الأحزاب والسياسيين، فوجدت نفسها في مأزق مالي كبير، ممّا دفعها للجوء إلى الذكاء الصناعي للتقليل من التكاليف المادية الشهرية.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال مدير "موصل تايم"، حسان حازم كلاوي، إن فكرة استخدام التقنية الحديثة جاءت نتيجة "لعدم توفر الأموال اللازمة لتسديد أجور الصحافيين ولضمان القدرة على الاستمرار في العمل"، لاسيما وأن مؤسسته الإعلامية الصغيرة "لم ترض منذ انطلاقها أن تكون واجهة إعلامية للأحزاب العاملة في محافظة نينوى".
وأضاف كلاوي: "الذكاء الصناعي وفّر للإذاعة تكاليف وأجورا شهرية لـ4 موظفين، حيث يتم استخدام البرامج الإلكترونية الحديثة في قراءة نشرات الأخبار، وتقديم الفواصل الإعلانية والبرامج المنوعة، وتسجيل التقارير الصوتية، فضلاً عن التدقيق اللغوي للنصوص المعتمدة في نشرات الأخبار والبرامج".
وتابع: "تطبيق هذا البرنامج في إذاعة محلية في نينوى كأوّل تجربة على مستوى العراق، سيعقبه استخدام واسع لهذه التقنية في وسائل إعلام أخرى في المرحلة المقبلة، خاصة في حال توقف الدعم المالي من الجهات السياسية لها".
وأشار كلاوي إلى أن اعتماد وسائل الإعلام على طرق جديدة لإدامة عملها يجعلها "مستقلة في قرارها عن تسلط السياسيين الذين يحاولون التستر على فسادهم وتقصيرهم"، مبيناً أن إذاعته "تعمل بشكل مستقل ولا توجد أمامها أي خطوط حمراء في التعامل مع الملفات التي تخص الشأن الموصلي، بما في ذلك الكشف عن ملفات الفساد ومتابعة المشاريع المتلكئة ومعاناة المواطنين جراء الإهمال الحكومي".
ويؤيد ذلك الصحافي أحمد البجاري، وهو اسم مستعار لأحد الصحافيين العاملين في قناة فضائية تابعة للحكومة المحلية في نينوى، حيث يؤكد البجاري أن القناة "لا تتعرض لأي ملفات فساد يتم الكشف عنها في المحافظة".
وقال البجاري لـ"العربي الجديد"، إنّ قناته تُركز على "الإشادة بالمسؤولين وعلى جوانب إيجابية في مجال الإعمار، بينما يمنع تداول أي خبر يخص معاناة المواطنين وتلكؤ المشاريع وتورط المسؤولين بملفات فساد"، لافتاً إلى أن ما يجري في المؤسسة التي يعمل فيها يجري في باقي المؤسسات الإعلامية التابعة لجهات حكومية وحزبية.
في حين يرى الصحافي عبد الرحمن عماد في استخدام الذكاء الصناعي خطراً يمكن أن يهدد العديد من العاملين في مجال الإعلام، وقال عماد لـ "العربي الجديد" إن "الكثير من الصحافيين، لاسيما المبتدئين يحاولون الانطلاق من الصحف والمحطات الإذاعية المحلية، واعتماد تلك المؤسسات على التقنيات الذكية سيقلّل من حظوظ الشباب الصحافيين في أخذ دورهم والاستمرار في العمل".
وأضاف: "المشكلة الكبيرة التي تواجه أي عمل صحافي في الموصل تتمثل بخضوع أغلب المؤسسات لرغبة جهات سياسية وحزبية وحكومية، الأمر الذي تسبب في غياب صوت الإعلام المستقل في المدينة في وقت هي بحاجة ماسة إلى مثل هذا الصوت للدفاع عنها، بخصوص ما تتعرض له من تدخلات وسرقات وحالات فساد وتقصير حكومي".
في المقابل، يقلّل الصحافي الموصلي قاسم الزيدي من تأثير استخدام موضوع الذكاء الصناعي على العمل الصحافي الميداني، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد" إن "الصحافي الميداني لا غنى عنه في العمل الصحافي، فهو حجر الأساس في أي مادة يمكن أن تعرض في وسائل الإعلام".
وأشار الزيدي إلى أن هذه التقنية "ربّما تؤثر على بعض الصحافيين، ولكن في مواقع محددة جداً"، فضلا عن أن "استخدامها لا يعطي ذات الدقة في الإنتاج الصحافي"، معتبراً أنّه "لو كان مجدياً اللجوء إلى هذه التقنية لكانت قد انتشرت على نطاق أوسع في بلدان العالم الأخرى".