الموصل تواجه الأمراض والأوبئة بغرف كرفانية: فساد يعرقل الإعمار

آخر تحديث 2023-08-15 00:00:00 - المصدر: العربي الجديد

تواجه الموصل، العاصمة المحلية لمحافظة نينوى، شمالي العراق، الأمراض والأوبئة المتوطنة بالمدينة عبر بنى تحتية متهالكة قوامها مستشفيات شيدت عبر ما تعرف محليا بـ"الكرفانات"، أو الغرف الجاهزة التي تخلو من العلاجات والأجهزة والمستلزمات الطبية، الأمر الذي دفع المرضى من أهالي المحافظة إلى السفر لمحافظات إقليم كردستان والعاصمة بغداد ودول الجوار للعلاج وإجراء العمليات الجراحية.

الواقع المأساوي الصحي في الموصل كما يصفه أهلها، يرجع لفترة سيطرة تنظيم داعش (2014-2017)، والفترة التي تلت عمليات استعادة المدينة، حيث تعرضت أغلب المستشفيات في الموصل والأقضية الثمانية الأخرى التابعة لنينوى إلى التدمير الكلي والجزئي جراء المعارك والقصف الجوي.

وقبل اجتياح تنظيم داعش الإرهابي للمنطقة في يونيو/حزيران 2014، كانت محافظة نينوى تمتلك 18 مستشفى رئيسي تعرض 17 منها للتدمير، منها 3 مستشفيات رئيسية هي الأكبر (ابن سينا، الجمهوري، السلام)، إضافة إلى مستشفيات أخرى وبنسب تدمير متفاوتة، وهي (الطب الذري، الحروق، ابن الأثير، التلاسيميا، الموصل العسكري، والخنساء).

ورغم  مرور 6 سنوات على استعادة الموصل ما زال العديد من المستشفيات قيد الإعمار، فيما بقي المستشفى الرئيسي والأكبر في المدينة (ابن سينا) دون إحالة للإعمار، بالرغم من وضع حجر الأساس له من قبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال زيارته للموصل في مايو/أيار الماضي.

تأخر إعمار المستشفيات في الموصل واعتماد مبان كرافانية مؤقتة وقلة التخصيصات المالية وضعف موازنة القطاع الصحي واستشراء الفساد في مديرية صحة نينوى والصراع السياسي على إدارتها، عوامل تسببت جميعها بالوضع الصحي المتردي في المدينة.

الناشط المدني الموصلي سيف الحمدان وصف وضع الخدمات الصحية في عموم محافظة نينوى بأنه "مزر وسيئ للغاية"، قائلا لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع الصحي في العراق عموما ونينوى خصوصا سيئ جدا، حيث تفتقر المحافظة للعلاجات والأدوية والأجهزة الطبية في المستشفيات بل وتفتقر للمستشفيات ذاتها، حيث لا يوجد أي مستشفى تخصصي متكامل في الموصل".

وأشار الحمدان إلى أن "المتوافر  في الموصل حاليا مستشفيات كرفانية مؤقتة تعجز عن تقديم الخدمة الطبية للمرضى"، موضحا أن "نينوى التي يصل عدد سكانها لنحو 5 ملايين شخص تفتقر لوجود جهاز المعجل الخطي الذي يقدم العلاج بالإشعاع للمصابين بالأمراض السرطانية".

وأشار إلى أن أغلب المرضى، لا سيما ذوي الحالات الصعبة والخطيرة، يضطرون لتلقي العلاجات خارج المحافظة لأنهم يدركون أنه لا جدوى من مراجعة المستشفيات الموجودة. وعزا الحمدان مشاكل القطاع الصحي في نينوى إلى عاملين رئيسيين، الأول هو الصراع السياسي على إدارة صحة نينوى، والثاني المتمثل بالفساد الحكومي الذي بسببه يحرم أبناء المحافظة من الخدمات الصحية.

 

الصحافي الموصلي زياد السنجري يتفق مع ما طرح سابقا، ويؤكد أن الفساد الذي ينخر مديرية صحة نينوى والمؤسسات الحكومية الأخرى في المحافظة، هو السبب وراء التلكؤ والتأخير الحاصل في تنفيذ المشاريع الصحية وإعمار المستشفيات المدمرة قبل 6 سنوات.

وقال السنجري لـ"العربي الجديد"، إنه "ورغم مرور 6 سنوات على انتهاء المعارك في الموصل إلا أن المستشفيات لم ينجز إعمارها وتشهد تلكؤا واضحا"، مبينا أنه بسبب هذا التلكؤ فقد الكثير من المرضى حياتهم، فيما يضطر آخرون للسفر الى الخارج بسبب غياب العلاجات والأجهزة الطبية.

ولا يقدر على السفر للعلاج خارج نينوى سوى أفراد الطبقة الميسورة والمقتدرة ماليا فقط، أما أبناء الطبقات المتوسطة والمعدومة فليس أمامهم إلا أن يسلموا أنفسهم للقدر وأن ينتظروا مصيرهم الحتمي في مستشفيات ينخرها الإهمال وشح العلاجات.

وأكد السنجري أن مشاريع إعمار المستشفيات الحكومية شبه معطلة ومتوقفة بسبب صفقات فساد وعمولات تقدر بملايين الدولارات، مشيرا إلى أحد نماذج الفساد في مستشفى ابن سينا في الموصل، إذ "أحيل ملف المستشفى لشركة بطريقة مخالفة للقانون وبعد تقديم رشاوى تقدر بـ28 مليون دولار، لكن الإحالة ألغيت بقرار من مجلس الوزراء بعد الكشف عن ملفات الفساد"، وفقا لقوله.

وبين أن المؤسسات الحكومية في نينوى ومنها مديرية الصحة ينخرها الفساد، لافتا إلى وجود عشرات الدعاوى المفتوحة لدى القضاء ضد مسؤولين في صحة نينوى على خلفية تهم فساد ورشى ومخالفات قانونية وغيرها، مبينا أن أحد المسؤولين في دائرة الصحة فتحت بحقه 50 دعوى قضائية في المحاكم العراقية للأسباب سابقة الذكر.

وأضاف السنجري أن "الفساد تسبب بعرقلة تنفيذ مشاريع إعمار مستشفيات أمراض الدم والنخاع الشوكي والطب الذري وابن سينا والسلام وغيرها من المستشفيات"، مؤكدا أن الصراع السياسي كان له الأثر السلبي على تقديم الخدمات الصحية في نينوى، مشيرا إلى أن صحة نينوى تخضع للمحاصصة الحزبية من أعلى منصب فيها إلى المعاونين ومدراء الأقسام والشعب والمستشفيات وغيرها من المناصب.

وفي الأسابيع الأولى لتولي حكومة السوداني مهامها، أصدرت قرارا أقالت فيه مدير عام صحة نينوى الأسبق فلاح الطائي على خلفية ملفات فساد، وذلك عقب تقديم أدلة تدين الطائي على مدار سنوات عدة، لكن تلك الأدلة تم تجاهلها بسبب الدعم السياسي للمدير من قبل جهة متنفذة في بغداد.

ورغم إقالة مدير الصحة فلاح الطائي الذي كان يصفه أطباء ومواطنون برأس الفساد في نينوى، إلا أن الفساد ما زال مستفحلا في مؤسسة الصحة، وهو ما أكده النائب عن المحافظة نايف الشمري.

وقال الشمري لـ"العربي الجديد"، إنه وبالرغم من إبعاد المدير الأسبق للصحة غير أن أذرع الفساد ما زالت موجودة وتتحكم في المديرية كيفما تشاء، مشددا على أن خضوع المؤسسة الصحية للفاسدين يجعل من موضوع انعدام الخدمات الصحية أمرا طبيعيا.

ووصف الشمري واقع المؤسسات الصحية في نينوى بالبائس، مبينا أن أقسام الطوارئ في مستشفيات الموصل الحالية والتي من المفترض أن تقدم الرعاية الصحية العاجلة للمرضى تفتقر إلى أبسط العلاجات والمستلزمات الطبية، كالإبرة والقطن الطبي والعلاجات البسيطة والمسكنات، ناهيك عن افتقارها لسيارات الإسعاف.

وأضاف أن "سيطرة أذرع الفساد على صحة نينوى يتطلب جولة وصولة حكومية عاجلة لمحاسبة الأشخاص المتورطين بالفساد والتقصير على حساب صحة المواطنين"، داعيا رئيس الوزراء وهيئة النزاهة للإشراف المباشر على ما يجري في صحة نينوى، ولا سيما في ملف تنفيذ المشاريع وإحالتها وتجهيز المستشفيات بالأجهزة الحديثة والعلاجات الأساسية.