يخطر في بالي السؤال التالي: من بيده مفتاح الحل في سورية؟
وعلى فكرة، لا أحبّ كتابة كلمة "سورية" بالألف بدل التاء المربوطة، لا أجد مسوّغاً ولا حكمة من وراء ذلك. ولاحظ من البداية، أنّنا كسوريين نختلف حتى في كتابة اسم بلدنا. المهم، وكلّه مهم، لتوضيح السؤال أكثر لأننا لسنا وحدنا في هذه المسألة، أقصد "غياب الحل" وضياع مفتاحه. انظر إلى جيراننا: العراق، لبنان، فلسطين، مصر. ثمَّ اذهب إلى: اليمن، ليبيا، السودان، الجزائر، الصومال... نفس المشكلة: غياب الحل. نعود إلى السؤال: أين مفتاح الحل؟ ومع من هذا المفتاح؟ وهل هذا المفتاح موجود فعلاً في حقيقة الأمر، أم هو من خيالات وأضغاث أحلام وقعنا فيها تحت تأثير سيرة عنترة العبسي وسيف بن ذي يزن وتغريبة بني هلال وعلي الزيبق في ألف ليلة وليلة؟
وبما أنّ المجتمع السوري انقسم أثناء "الثورة" وسُدَّتْ في وجهه جميع الأبواب وأغلقت إغلاقاً مُحكماً، فلا بدّ في اعتقادي من مفتاح ما، وقد لا يوافق المفتاح البديل المفتاح الأصل لأنه (وعلينا الاعتراف بذلك) قد يكون ضاع. وهنا السؤال: هل من الممكن إيجاد هذا المفتاح البديل؟ وكيف نحصل عليه؟ وهل يفتح الباب المغلق فعلاً؟
أرى أن كلّ من عمل ويعمل في الساحة السورية، في الداخل السوري أو خارج سورية، في المنافي ومخيمات اللجوء (أحزاب سياسية، مؤتمرات دولية وإقليمية، هيئات تفاوضية، منصات، تجمعات، لجان، جمعيات، أفراد)، لا يمتلك ولو إشارات إلى مكان وجود هذا المفتاح. هات علامات أو نقاط "علاّمة" تُرشدنا، ولو من بعيد عن مكان وجود مفتاح الحل الضائع. ويُحكى أنّ جحا دفن كنزاً في الصحراء، فلّما أراد علامة تدل على مكان الكنز لم يجد غير سحابة صيف جعلها دليلاً على موضع كنزه! ويسأل سائل: ماذا لو وجدنا مفتاح الحل!؟
يا سيدي لن يوافق على استعماله الكثير من القوى صاحبة المصلحة الحقيقة في الحل. إذن؟ إذن ماذا؟ خذ مثالاً بسيطاً: القضية الفلسطينية استعصت على الحل فعلاً، من عرقل هذا الحل ويُعرقله بعد خمسة وسبعين سنة على تأسيس دولة "إسرائيل"؟ ألم يعمل الفلسطينيون ما عليهم عمله وزيادة؟ والنتيجة استعصى حلّ عقدة القضية، لأنّ العقدة شُدَّت شدّاً مُحكماً. والنتيجة، كما قال صديق فلسطين وإدوارد سعيد، المفكر الباكستاني إقبال أحمد، بعد أن زار قوات المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان عام 1979، قال: "لقد هزم الفلسطينيون أنفسهم أكثر مما هزمتهم إسرائيل". هذه حقيقة، لا يقبل بها الكثير من أهل فلسطين. وعلى نفس المنوال، يمكن القول: "لقد هزم السوريون أنفسهم أكثر مما هزمتهم أميركا والسعودية وإيران وتركيا وروسيا والصين!". فما العمل الآن يا لينين؟
عندما تُصاب الدولة كلّها بالمرض، ألا يجدر بنا أن نبحث عن أحكم وأعقل الحُكَّام؟
في العراق ولبنان وليبيا والسودان واليمن ومصر والجزائر ستحصل على نفس النتيجة. المعنى؟ المعنى، لو سمحتَ لي في القول: إنّ المشكلة في فلاديمير بوتين وليست في أوكرانيا، والمشكلة في العراقيين وليست في إيران، والمشكلة في اللبنانيين وليست في فرنسا أو إيران، والمشكلة في أهل اليمن لا في السعودية أو إيران، والسودان ومصر وليبيا والجزائر وحتى الصومال، المشكل عندهم لا في أميركا ولا في إثيوبيا أو تنزانيا أو الصحراء الغربية.
عليك أن تبحث عن مرض "الثورة" في سورية لتجد قفل المشكلة ومفتاح الحل معاً. والمشكلة الأعظم أنّ كلّ فصيل من فصائل "الثورة" السورية، سواء السلمية منها أو المُسلحة، يُشخّص المرض "على كيفه". وهذا لا يُساعد في التشخيص وإيجاد المرض الحقيقي ليُوصف له الدواء المُناسب. هل نحتاج إلى مبادرة عربية وأممية تُرشدنا إلى الطريق المستقيم أو المُتعرِّج، لا فرق. فعلوا ذلك يا سيدي وفشلوا في العثور على المفتاح. المهم، وكلّه مهم أيضاً، هل هناك أمل في أن نحصل على المفتاح؟ استشهدتُ مرّة بالفيلسوف اليوناني أفلاطون، حيث يشكو من أننا في المسائل التافهة، مثل صناعة الأحذية مثلا، نعتمد على المختصّين في صناعة الأحذية لصنعها لنا، أما في السياسة فإننا نفترض أنّ كل شخص يقدر على إحراز الأصوات يستطيع أن يكون حاكماً. فإننا عندما نصاب بالمرض، ندعو لمعالجتنا طبيباً حاذقاً في صنعته، حصل على شهادة علمية محترمة، ولا ندعو "أوسم" طبيب (من الوسامة والجمال) أو أكثر الأطباء فصاحة وزلاقة لسان. وبناءً على ذلك، عندما تُصاب الدولة كلّها بالمرض، ألا يجدر بنا أن نبحث عن أحكم وأعقل الحُكَّام؟ وأن نعمل على إيجاد وسيلة لمنع عدم الكفاءة والمكر من الوصول إلى المناصب العامة، ونختار ونعدّ أفضل البشر ليحكموا لمصلحة الجميع؟! هذه هي مشكلتنا الحقيقية في السياسة. ولكن وراء هذه المشاكل السياسية تكمن طبيعة البشر. ولنفهم السياسة يجب علينا، لسوء الحظ، أن نفهم علم النفس. وكلّما زاد أفلاطون تفكيراً في هذا، ازداد فزعاً ودهشة. فهل نُخرج أفلاطون من قبره ليساعدنا في البحث عن مكان مفتاح الحل في سورية؟ أنا ما عندي مانع أن نتعاون مع جميع الأطراف إذا كان هذا الأمر يُسهم في إيجاد مفتاح الحل. وانتبه جيداً، أقول إيجاد مفتاح الحل، وإن لم يفتح المفتاح القفل، والله! إذا كان الأمر كذلك، فلا بد من ترحيل السؤال والقول: ما العمل يا لينين؟