بقلم ميشال كومتي
غصّ مطار محلي في يلونايف، إحدى أكبر المدن في الشمال الكندي، بالآلاف من سكان المدينة التي أصدرت السلطات أوامر بإخلائها مع اتساع رقعة حرائق الغابات، وسط مساع تبذل لإجلائهم جوا، في حين شهد الطريق السريع الوحيد الذي لا يزال مفتوحا في المنطقة حركة نزوح كثيفة باتّجاه الجنوب.
وتعدّ الأوامر التي صدرت الأربعاء بإخلاء يلونايف الواقعة في إقليم "الأراضي الشمالية الغربية"، أحدث فصول صيف كندي ملتهب من جراء حرائق الغابات، وقد أجبر عشرات آلاف الأشخاص على إخلاء منازلهم في حين أتت الحرائق على مساحات شاسعة من الأراضي.
في مطار يلونايف تنتظر تيفاني شامبين مع كثر رحلات الإجلاء.
وقالت في تصريح لشبكة "سي بي سي" واضعة كمامة "أعاني من الربو ودخان حرائق الغابات يزيد من صعوبة قيامي بأي عمل"، مشيرة إلى أنها مشوّشة تماما على الصعيد الذهني.
صباح الخميس كان لا يزال مشتعلا أكثر من ألف حريق غابات، بما في ذلك 230 في الأراضي الشمالية الغربية.
وصدرت أوامر لسكان المدينة البالغ عددهم نحو 20 ألف نسمة بمغادرتها بحلول ظهر الجمعة، إما برا وإما في رحلات جوية تجارية أو عسكرية.
في منشور لها على منصة "إكس" (تويتر سابقا) شدّدت رئيسة الحكومة الإقليمية كارولاين كوتشرين على أن "الجميع سئم من عبارة غير مسبوق، لكن ليس هناك من طريقة أخرى لوصف الوضع الراهن في الأراضي الشمالية الغربية".
من جهتها حذّرت رئيسة بلدية يلونايف ريبيكا ألتي السائقين من أن النيران بدأت تلامس أطراف طرق سريعة ما من شأنه أن يحد من الرؤية بعدما حوّل الدخان الكثيف لون السماء إلى برتقالي.
وتقلع أولى الرحلات من يلونايف إلى مقاطعة ألبرتا المجاورة الخميس عند الساعة 13,00 (19,00 ت غ).
وقالت رئيسة البلدية لشبكة "سي بي سي" العامة إن "قافلة من السيارات بطول كيلومترات بدأت تغادر بالأمس، وهناك من غادروا برحلات جوية الأمس واليوم".
وقال وزير البيئة في الأراضي الشمالية الغربية الكندية شاين تومسون في مؤتمر صحافي "من دون أمطار، من المحتمل أن تصل (الحرائق) إلى أطراف المدينة بحلول نهاية الاسبوع".
عملية إجلاء كبرى
سارعت طواقم لوضع عوائق بعدما باتت الحرائق الخميس على مسافة 16 كلم من يلونايف.
وحلّقت قاذفات المياه على علو منخفض فوق المدينة مسارعة لإعادة تعبئة خزاناتها من بحيرة قريبة.
ويعقد رئيس الوزراء جاستن ترودو في وقت لاحق الخميس اجتماعا لخلية استجابة للحرائق.
وتشارك طائرات عسكرية عدة في عمليات إخماد الحرائق وكذلك أكثر من 120 جنديا تم إرسالهم لمؤازرة أجهزة الإطفاء.
في وقت سابق هذا الأسبوع، أعلنت يلونايف حال طوارئ تم لاحقا توسيع نطاقها إلى الأراضي الشمالية الشاسعة بعدما أجبرت الحرائق عناصر الإطفاء على الانكفاء في بعض المناطق.
وأجّجت رياح قوية النيران، فيما صدرت أوامر إخلاء في العديد من البلدات ومجتمعات السكان الأصليين.
وبعد ما وُصفت بأنها أكبر عملية إجلاء على الإطلاق تشهدها الأراضي الشمالية الغربية، بات إخلاء يلونايف يعني أن نحو نصف سكان المناطق القريبة من القطب الشمالي سيصبحون قريبا نازحين.
الإثنين، بدأ الجيش عمليات إجلاء جوية لسكّان بلدات صغيرة في المنطقة بعدما اجتاحت نيران طرقا عدة، ومن بين هؤلاء كثيرون اضطروا لترك منازلهم للمرة الثانية في غضون أشهر.
وتحدث مسؤولون عن صعوبة في إخلاء معظم القرى المأهولة في المنطقة من طريق البرّ خصوصًا أنها تبعد عن بعضها البعض مئات الكيلومترات.
أظهرت لقطات انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي وبثها التلفزيون الكندي ضبابًا برتقاليًا فوق المنطقة ومساحات كبيرة من الغابات المتفحّمة.
وأفاد الهاربون بأنهم شاهدوا جيف حيوانات، لا سيما دببة، متفحمة على جوانب الطرق.
وبدت ذائبة المصابيح الأمامية للسيارات والشاحنات التي تمكّنت من الوصول إلى مراكز الإجلاء في ألبرتا التي تبعد 1150 كلم.
"لاجئو التغيّر المناخي"
وقالت جولي داونز في اتّصال هاتفي إن أعمدة دخان ترتفع على طول "طريق سريع مزدحم".
وتابعت "من المخيف قول ذلك لكنّي أصبحت الآن مع غيري من الشماليين لاجئة تغيّر مناخي".
يقول علماء إن الاحترار العالمي الناجم عن أنشطة بشرية يفاقم الكوارث الطبيعية ويزيد من تواترها وفتكها.
وقال عامل في محطة وقود في تصريح لفرانس برس إن طوابير السيارات امتدّت "كيلومترات عدّة" أمام المحطة.
وهربت ناديا بايرن (24 عاما) بالسيارة مع أصدقاء لها. وقالت إنها فكّرت بالعودة لكنّها خشيت أن يفرغ خزان السيارة من الوقود وأن تصبح محاصرة.
وقالت لفرانس برس "ليس هناك من خطة حتى الآن، لا أعلم حقا أين أذهب".
وهذه هي المرة الثانية التي يتم فيها إجلاء سكان مدينة كندية من جراء الحرائق منذ إخلاء فورت مكاري الواقعة في مقاطعة ألبرتا والبالغ عدد سكانها مئة ألف نسمة في العام 2016.
وأتى حريق الغابات ذاك على أكثر من ألفين من المنازل والشركات.
في وقت سابق من العام الحالي تم إجلاء سكان ضواحي هاليفاكس الواقعة على الساحل الأطلسي.
انتشرت حرائق ضخمة في جميع أنحاء كندا هذا الصيف، وأتت على 13,5 مليون هكتار، بحسب المركز المشترك بين الوكالات الكندية لإدارة حرائق الغابات.
وإلى الآن قضى من جراء الحرائق أربعة أشخاص.