ترغب السعودية في لعب دور كبير يتجاوز البعد الإقليمي، وقد أظهرت ذلك في سلسلة من التحرّكات الدبلوماسية الواسعة، فكانت وسيطا في عمليات تبادل أسرى في الحرب الروسية الأوكرانية، ورعت أكثر من مرّة محادثات بشأن تلك الحرب، كما أبدت ردود فعل سريعة إزاء نشوب الحرب الداخلية في السودان، وتمكّنت من جمع طرفي الحرب على مائدة للحديث عن وقف لإطلاق النار. ويمكن أن نعتبر أن حمّى الانتقالات الرياضية الواسعة للاعبين عالميين في كرة القدم إلى نوادٍ سعودية خطة في ذلك الاتجاه، فمن شأن وجود أسماء كبيرة تعيش وتعمل في السعودية أن تجذب إليها أنظار الإعلام والصحافة. وبغض النظر عن منتجات تلك النشاطات، فقد كانت مؤشّرا قويا على انخراط سعودي في الشأنين الدولي والإقليمي، وعلامة قوية على أن السعودية تدرك أن لها حجما ومكانة دولية قوية تتربع فوق قدرة مالية ضخمة. ترغب السعودية في استخدام تلك المصادر لتوسيع نصف قُطر تأثيرها، وقد يكون هذا التوجّه سياسة يتبنّاها النهج الجديد الذي يقف وراءه ولي العهد الشاب محمد بن سلمان.
تقود هذه السياسة إلى مواجهات إقليمية، وقد تبعث عداوات أو تسبّب حساسيات دولية، فهناك دول أخرى في الإقليم، كإيران، لديها طموحات مشابهة، ولا يفصل بين إيران والسعودية سوى مائتي كيلومتر من مياه الخليج. هذا في الجغرافيا، أما في الأيديولوجيا فالخلافات واسعة، حتى وصل الأمر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في العام 2016، وتوقّفت الاتصالات، واقتصر التعامل على ساحات المواجهة في سورية واليمن ولبنان والعراق، ولم تفلح خمس جولات طويلة من المفاوضات التي رعتها بغداد في العام 2021 في التقريب بين البلدين.
أتى الإعلان الصيني عن الاتفاق بين البلدين في إبريل/ نيسان الماضي مفاجئا إلى حد كبير، فقد استغرقت الصين خمسة أيام فقط لتضع مسؤولين من البلدين وجها لوجه، قبل أن يعلنا أنهما قد اتفقا على خطوط عريضة، من أهمها إعادة الاتصال الدبلوماسي خلال شهرين، والحوار بجدّية حول كل المشكلات المشتركة، ومحاولة حلها ودّيا، وإعادة العمل بكل الاتفاقيات الجارية بينهما، الاقتصادية والثقافية. وقد باشرت طهران بالفعل العمل الدبلوماسي في الرياض بإرسال سفيرها الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، وتُعدُّ زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان إلى الرياض قبل أيام خطوة أخرى من خطوات التقارب، وصدرت تصريحات متفائلة خلالها، رغم الجدل اللاحق على وسائل التواصل في ما يخصّ تسمية الخليج العربي. لم يتم تحديد تواريخ لزيارة مسؤولين من درجة أعلى، فدعوة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى السعودية لم يُحدّد موعدها، كما لم يحدِّد ولي العهد السعودي متى سيلبي دعوة عبد اللهيان إلى طهران رغم قبوله بها. ولكن لا يبدو أن البلدين راغبان، في الوقت الحالي، بتبادل زيارات على مستوى القمم.
الخلاف بين طهران والرياض عميقٌ جدا، ومن المشكوك به أن تزيله خمسة أيام من المفاوضات برعاية صينية، فنظرة كل منهما إلى الإقليم مختلفة بشكل كبير، وخريطة علاقاتهما شديدة التباين. ورغم لجوء المملكة إلى تنويع علاقاتها في الآونة الأخيرة، إلا أن كل شيء قد يعود إلى نقطة الصفر إذا حدث تغيير في السياسة الأميركية. أما تطوّر الأحداث في سورية واليمن فقد يجعل من العسير أن يتم الاتفاق النهائي، لأن القسمة على اثنين صعبة جدا. وهناك مسألة الخيار النووي الإيراني الذي تنظر إليه السعودية نظرة تكاد تماثل النظرة الإسرائيلية. والمعضلة الكبرى التي يصعب تجاوزها هي الاصطفاف العقائدي للبلدين، واختلاف منطقه ومرجعياته، ما يجعل الخلاف هو حالة التعامل الوحيدة الممكنة، خصوصا أن التركيبة السياسية في إيران على وجه الخصوص لا تستطيع أن تتجاوزها، ما يعني أن الوفاق السعودي الإيراني لن يكون أكثر من فترة تأجيل الخلافات إلى وقتٍ أكثر ملاءمة.