معد فياض
في الازقة الضيقة الخلفية بمنطقة الباب الشرقي، المحيطة بساحة التحرير، والبتاويين، حيث البيوت الخربة، التي كانت في يوم ليس ببعيد منازل عامرة باهلها وبعمارتها المميزة، والأزقة ما بين شارع السعدون وشارع (ابو نؤاس) ينتشر مروجو وموزعو وحتى متعاطو الكريستال وحبوب الكبتاجون، خاصة اطفال ومراهقون وشباب، بينهم فتيات، وجوههم ذابلة، يتلفتون خوفاً من متابعة الاجهزة الامنية، فهم عرضة للقبض عليهم واحالتهم الى القضاء، بينما يقبعون تجار المخدرات الكبار بعيدا عن اعين السلطة وهم يستوردون السموم ويستغلون المعدمين لترويجها.
وحسب العقيد بلال صبحي، مدير قسم العلاقات والإعلام للمديرية العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والمتحدث الرسمي باسمها فان "اعداد الملقى القبض عليهم بتهم ترويج وتعاطي المخدرات في تصاعد، وتدل على اتساع وخطورة تفشيها في المجتمع العراقي وهذا يقودنا الى مؤشر خطير".
وبلغة الارقام والاحصائيات، قال العقيد بلال صبحي لشبكة رووداو اليوم السبت (19 آب 2023": "في عام 2020 تم القبض على 9 الاف من المروجين والناقلين والمتعاطين، وفي عام 2021 القي القبض على 12 الف و800 منهم، وخلال العام الماضي 2022 تم القبض على 16 الف و800، وهناك 250 امراة تم القبض عليهن بنفس التهم العام الماضي"، موضحا بان تهم "هؤلاء هي تجارة وترويج ونقل وتعاطي انواع مختلفة من المخدرات، وغالبيتهم من الاحداث والمراهقين والشباب من اعمار 16 سنة وحتى 30 سنة، بينهم اطفال حيث ضبطنا العام الماضي 500 من الاحداث. ولكم ان تتخيلوا اعداد امثالهم ممن لم تتمكن اجهزتنا الامنية من القاء القبض عليهم"، مبيناً ان "ترويج وتعاطي المخدرات لا يشكلان نسب كبيرة بين طلبة الجامعات، وعندنا احصائية بذلك، وذات مرة صار مقترح لفحص الطلبة ورفضناه لأنه ليس من المعقول فحص ملايين الطلبة من اجل 100 او 200 متعاطي فقط".
ويبين العقيد صبحي ان "تجار ومروجي المخدرات في العراق يختارون المراهقين والشباب المعدمين لتوريطهم بتعاطي هذه السموم مجانا في احيان كثيرة، ثم يقطعونها عنهم ويساوموهم على توزيع وترويج المخدرات مقابل 10 او 20 غرام منها لسد حاجتهم، هؤلاء في الغالب ينحدرون من اوساط فقيرة جدا، والعازة والبطالة واليأس هو الذي دفعهم الى هذه الشبكات، وليس بينهم من حملة الشهادات مثلا او ابناء عوائل متوسطة او متمكنة مادياً"، نافيا ان "يكون بين هؤلاء المروجين والمتعاطين طلبة الجامعات الا بنسبة ضئيلة لا تذكر".
ويلقي العقيد بلال صبحي الكثير من اللوم على "عدم تنفيذ القوانين المشددة، وخاصة قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، وهو قانون رادع تصل عقوبة من يتاجر دوليا بالمخدرات للاعدام ومحلياً بالسجن المؤبد"، مشيرا الى ان "المادة 27 من هذا القانون تنص على (يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد كلّ من، أولاً: استورد أو جلب أو صدّر مواد مخدّرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية بقصد المتاجرة بها في غير الأحوال التي أجازها القانون)".
واوضح صبحي أن "القانون اقر اقصى عقوبة هي الاعدام فيما يخص التجارة الدولية وليست المحلية، وهذا يعني انه عندما يتم ضبط تاجر مخدرات قادم من سوريا او ايران يعاقب بالاعدام، اما المتورط بتجارة المخدرات محليا، داخل العراق، بالسجن المؤبد. لكن القضاء العراقي لا يحكم بهذه العقوبات المشددة بل يقضي بعقوبات مخففة، وهذا شان عائد للمحاكم، هناك قضاة يحكمون بـ 6 او 7 سنوات سجن لتجار المخدرات مع انهم يستطيعون الحكم عليهم بالسجن المؤبد، لهذا نحن مع تشديد العقوبت لتكون رادعا لتجار السموم، وحتى الآن لم يصدر حكم بالاعدام لتجار المخدرات دوليا، باستثناء حكم بالاعدام صدر مؤخرا بحق احدهم، وتم الحكم على امراة متورطة بتجارة المخدرات بالسجن 15 سنة سجن.. وهذا التشديد يعد من النوادر. اما التعاطي فعقوبته 3 سنوات سجن لكن المحاكم تقضي بالسجن سنة واحدة"، منبها الى ان "قوانين الدول التي تتشدد بعقوبة تجار ومروجي ومتعاطي المخدرات تعد نظيفة من هذه السموم، وحسب التعديل الجديد بقانون مكافحة المخدرات يريدون ان تكون عقوبة التجارة الدولية اعدام فقط وليس اعدام او السجن المؤبد، وفي اعتقادي هذا لن يتحقق".
وأكد أن "هناك قضاة متخصصون بقضايا المخدرات، وفي كل محافظة هناك قاض خاص، ويقضون استنادا الى قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية المخدرات رقم 50 لسنة 2017".
يذكر ان قانون مكافحة المخدرات السابق كان يقضي باعدام كل تاجر ومروج ومتعاطي للمخدرات، لهذا كان العراق يعد من البلدان الخالية منها حتى 2003 عندما صار البلد مفتوحا امام تجار المخدرات من دول الجوار.
وعن انواع المخدرات السائدة في العراق، أوضح العقيد بلال صبحي قائلا: "المحافظات العراقية مقسمة حسب مصادر المخدرات التي تصلها من الدول المجاورة لها، مثلا الكريستال والحشيشة تنتشر في المحافظات الجنوبية مثل البصرة وميسان لقربها من مصدر هذه الانواع وهي ايران، اما حبوب الكبتاجون (01) فتنتشر في المحافظات الغربية لأن مصدرها لبنان ثم سوريا حتى دخولها الى العراق، وفي بغداد تنتشر كل انواع المخدرات"، لافتاً الى ان "حبوب البكتاجون كانت تُصنع في لبنان والان يتم تصنيعها في سوريا وادخالها الى العراق، وبالنسبة للحشيشة فمصدرها افغانستان ثم ايران التي بدأت بتصنيع الكريستال وادخاله الى جنوب الى العراق".
وينبه المتحدث الرسمي باسم المديرية العامة لمكافحة المخدرات، التابعة لوزارة الداخلية الى ان "هذه الكميات الكبيرة من المواد المخدرة التي نضبطها ليست للاستهلاك الداخلي وانما لتصديرها لدول الخليج العربي، يعني العراق كان ممر ومصدر فقط اما الان الان فصار اضافة الى كونه ممر للمخدرات لدول الخليج العربي، فهو مستهلك ".
ويحذر العقيد بلال صبحي من ان "أخطر المواد المخدرة على الانسان وهي الكريستال والكبتاجون التي تنتشر في العاصمة بغداد، وهذه المواد، خاصة حبوب الكبتاجون، يفضلها الشباب على غيرها كون تأثيرها سريع وقوي وسعرها مناسب، اما الكريستال الخطير للغاية فان سعره يصل الى 90 الف دينار للغرام الواحد"، نافيا ان "يتم تعاطي المخدرات مثلما يشاع في المقاهي والكافتريات، بل يمارسون المتعاطون باماكن غير مكشوفة وسرية وحسب فئة المتعاطي، مثلاً في بيت مهجور او مكتب او جلسات جماعية"، مؤكدا ان "كل اسباب الجرائم الغريبة في المجتمع العراقي مثل ان يقوم شخص بقتل عائلته او ينتحر او جرائم العنف الأسري مصدرها تعاطي المخدرات".
ويوضح قائلاً: "هناك مراكز لتاهيل المتعاطين، في بغداد مثل مستشفى العطاء بسعة 150 سرير، ومركز القناة ايضا بسعة 150 سرير، وهناك ردهة واحدة في مستشفى ابن رشد تضم 25 سرير، وردهة في مدينة الطب، وهناك ردهة او قسم في كل محافظة عراقية، وهذه المراكز تساهم بعلاج المتعاطين".
وأشاد المتحدث الرسمي باسم المديرية العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية: "بتعاون الاجهزة الامنية في اقليم كوردستان وخاصة وزير الداخلية للتنسيق لمكافحة المخدرات حيث تم مؤخرا ضبط 500 كيلوغرام من المخدرات، 450 كيلوغرام حبوب الكبتاجون و50 كيلوغرام أفيون مصدرها ايران، وكذلك ضبط 11 كيلو كريستال وكبتاجون قادمة من سوريا، تم ضبطها بفضل تعاون الاجهزة الامنية في اقليم كوردستان وتفكيك شبكة التهريب، ونحن نسعى لان نوحد قاعدة بياناتنا مع الاقليم وحاليا هناك تنسيق وتبادل معلومات وهذا مهم للغاية".
وخلص العقيد بلال صبحي الى ان "تجارة وترويج المخدرات وتعاطيها في العراق تتصاعد للاسف، وهي في ازدياد حسب الاحصائيات المتوفرة في قسم الدراسات والبحوث بمديريتنا، واعتمادا على المقارنة بين العام الماضي 2022 حيث ضبطنا طناً من المخدرات دخلت الى العراق، فيما ضبطنا منذ بداية هذا العام 2023 حتى الآن 3 أطنان، وهذا يعني ان هناك تزايداً في الطلب في السوق"، موضحا ان "غالبية التجار والمروجين للمخدرات عراقيين بينهم نسبة بسيطة من العرب واجانب والاغلبية من ايران ".