الخراب الاقتصادي شرارة الانفجار المجتمعي في سورية

آخر تحديث 2023-08-24 00:00:00 - المصدر: العربي الجديد

الخراب الاقتصادي الذي ترتب على سياسات النظام السوري طوال السنوات الماضية كان سبباً رئيسياً في عودة المحتجين إلى الشارع، خلال الأيام الماضية، بشعارات الثورة التي مر عليها أكثر من 12 عاماً.

ودفعت الأوضاع المعيشية المتردية في مناطق سيطرة النظام السوريين الخاضعين له للانفجار أخيرا، وخاصة في جنوب البلاد حيث السيطرة الأمنية الهشة والخشية من ردة واسعة النطاق ربما تُخرج محافظة السويداء ذات الخصوصية السكانية عن سيطرته، وهو ما يعتبر خطوة واسعة باتجاه سقوطه.

وتتجه حركات الاحتجاج على سوء الأحوال المعيشية والتي بدأت في السويداء وجارتها محافظة درعا، مطلع الشهر الجاري، للاتساع أكثر ضمن المحافظتين، وربما تشهد محافظات أخرى حركات مماثلة في ظل عجز اقتصادي لدى حكومة النظام التي اتخذت إجراءات اقتصادية في الأيام القليلة الفائتة كانت سببا في تسعير التململ والاستياء والذي تحوّل إلى مظاهرات تدعو ليس لتحسين الأوضاع المعيشية فحسب، بل لإسقاط النظام برمته.

تقليص الدعم
قلصت وزارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام، الأربعاء الفائت، الدعم عن المحروقات، فرفعت سعر المازوت والبنزين إلى مستوى غير مسبوق، ما أدى إلى توقف العجلة الاقتصادية في البلاد، وهو ما عمّق الأزمات المعيشية لنحو 9 ملايين سوري يعيشون ضمن مناطق سيطرة النظام.

وذكرت مصادر محلية في العاصمة السورية دمشق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإرباك يسود الأسواق في المدينة نتيجة القرارات الأخيرة". وأضافت المصادر التي رفضت ذكر اسمها: الكثير من أصحاب المحال التجارية امتنعوا عن البيع والشراء، في ظل تذبذب الأسعار بشكل كبير جدا.
وتابعت: "الاقتصاد يتخبط في مناطق سيطرة النظام مع تراجع القدرة الشرائية لدى الناس إلى حدود العجز. هناك من بات عاجزا حتى عن شراء أدوية لأمراض مزمنة مثل الضغط والسكري". وأوضحت المصادر أن الزيادة على رواتب الموظفين التي أقرتها حكومة النظام "تآكلت على الفور نتيجة رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية". وكان رأس النظام السوري بشار الأسد قد أصدر، الأربعاء، مرسوما تشريعيا قضى بزيادة رواتب العاملين في مؤسسات الدولة بنسبة 100 بالمئة، إلا أن قرار رفع الدعم عن المحروقات جعل الأسعار تحلّق لمستوى غير مسبوق، ما جعل هذه الزيادة بلا قيمة.

تآكل الرواتب
وتهاوت الليرة السورية بشكل دراماتيكي خلال الشهر الجاري، حيث وصل سعر الصرف أمام الدولار الأميركي الواحد إلى أكثر من 14 ألف ليرة، وهو ما اعتُبر الدليل الأبرز على العجز الاقتصادي الذي تعانيه حكومة النظام المثقلة بالعقوبات الغربية والعربية نتيجة تعنت بشار الأسد ورفضه التعاطي الإيجابي مع كل مبادرات الحل السياسي لأزمة تتخبط فيها سورية منذ ربيع عام 2011.
وتراوح رواتب الموظفين في مؤسسات حكومة النظام الشهرية ما بين 10 و15 دولارا "وهو مبلغ تافه لا يكاد يكفي الأسرة لأيام قليلة في أدنى درجات المعيشة"، وفق أحد الموظفين في إحدى الوزارات، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد".
وأضاف: "تعتمد أغلب العائلات على تحويلات من أبنائها المغتربين. لولا ابني الذي يعمل في الإمارات لم أكن لأصمد مطلقا".

وفي السياق، بيّن أبو منذر (55 عاما)، الموجود في إحدى قرى الساحل السوري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه يعتمد على ابنه الذي يعمل في مدينة أربيل بكردستان العراق لـ"توفير ثمن الدواء والطعام له ولعائلته"، مضيفا: الفقر دفع الكثيرين من أبناء الساحل للسفر إلى أربيل للعمل بأجور زهيدة ولكنها تكفي لكي نبقى هنا أحياء.
ويعد الساحل السوري الذي يضم محافظتي اللاذقية وطرطوس الحاضن الاجتماعي الأكبر للنظام، ورغم ذلك يعيش سكانه اليوم واقعا معيشيا يكاد يصل إلى حدود الكارثة، وهو ما دفع بعض الناس لرفع أصواتهم المنتقدة للفساد الذي يستشري في مؤسسات هذا النظام الذي كما يبدو غير مكترث على الإطلاق باتخاذ إجراءات تحسّن ظروف حياة الموالين له.

الموارد في خدمة الحرب
ويعتقد الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السبب الرئيسي الذي أدى إلى ما وصلت إليه البلاد "تخصيص موارد الدولة لخدمة الحرب بينما مهمتها الرئيسية يجب أن تكون تأمين الخدمات للمواطنين".

وتابع: الموالون للنظام كانوا مرتاحين في السنوات الأولى للحرب التي شنها النظام على المناطق التي طالبت بالتغيير، ولكنهم بعد سنوات من توقف العمليات العسكرية اكتشفوا أن الفساد والمحسوبية ينخران مؤسسات الدولة، وأن موارد البلاد كلها هي لخدمة آل الأسد، وليس لهم منها شيء. وأشار تركاوي إلى أن رأس النظام بشار الأسد ليس بصدد تحسين الواقع المعيشي لملايين السوريين الخاضعين لسيطرته، مضيفا: الأولوية لديه أسرته، والأمن، والحرب، وروسيا، وإيران.

يعتقد الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السبب الرئيسي الذي أدى إلى ما وصلت إليه البلاد تخصيص موارد الدولة لخدمة الحرب


من جانبه، بيّن المحلل الاقتصادي يونس الكريّم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاحتجاجات التي تضرب مناطق النظام مردها إلى التضخم الاقتصادي الذي وصل إلى درجة سيئة في هذه المناطق"، مضيفا: في الفترة الأخيرة قُلصت مساحة الدعم للمواطنين ومن ثم لم تعد الأجور تكفي لتغطية الاحتياجات اليومية.

وتابع: فشل التطبيع مع الدول العربية كان سببا رئيسيا وخاصة أن الأسد كان يوهم الموالين له أن هذه الدول سوف تنصاع لشروطه، إلا أن النظام رفع سقف مطالبه من هذه الدول، ما أدى إلى فشل التطبيع معها.

ويعتقد الكريّم أن هناك صراعا بين أجنحة النظام، مشيرا إلى أن "أسماء الأخرس (زوجة الأسد) تحاول الهيمنة بشكل كامل على الاقتصاد، فقد لاحقت رجال الأعمال من خلال سلسلة من القوانين والإجراءات التي كبّلتهم"، مضيفا: هذا الأمر انعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية، ما أدى إلى تحرك الشارع الموالي.