يحيى الكبيسي
بغداد - ناس
لا يتسم الخطاب الرسمي العراقي عموما بالمصداقية؛ فقد شهد الأسبوع الماضي مثلا، جدلا واسعا، حول تحركات أمريكية عسكرية في بعض المناطق العراقية، وكما جرت العادة ظهرت التناقضات الصارخة بين الخطاب الرسمي العراقي والوقائع على الأرض!
قناة "ناس" على تلكرام.. آخر تحديثاتنا أولاً بأول
بل إن بعض التصريحات الأمريكية فتحت الباب واسعا أمام التكهنات، ومثال على ذلك ايجازٌ صحافي عبر الأنترنيت يوم، أعلن فيه قائد عملية العزم الصلب السابق في قيادة المهام المشتركة، الجنرال ماثيو ماكفارلين، عن قرب انطلاق «عملية منفصلة عن حوار التعاون الأمني المشترك تشمل التحالف الدولي، من أجل هزيمة داعش، ولغرض تحديد كيف تطورت مهمة التحالف العسكرية «! وأضاف أيضا:» لن ندع الجهات الفاعلة الشائنة الأخرى تبعدنا عن مهمتنا الوحيدة المتمثلة بهزيمة داعش. ندرك تماما أنه لا يزال ثمة تهديدات أخرى في العراق وسوريا ترغب في إيذائنا ونحن استباقيون لناحية حماية قواتنا لضمان مواصلة التركيز على هذه المهمة».
جاء هذا التصريح في سياق حديثه عن الحوار الأمني الذي جرى بين العراق والولايات المتحدة في واشنطن وفيه أكد الطرفان على الدور غير القتالي للقوات الأمريكية المتواجدة بناء على دعوة الحكومة العراقية، وذلك لتقديم المشورة والمساعدة وتمكين قوات الأمن العراقية في خلال معركتها ضد تنظيم داعش»!
ولم يرد شرح على لسان هذا الجنرال حول التناقض بين معنى قوات غير قتالية، وبين إطلاق «عملية منفصلة» أو الحديث عن «عمليات استباقية» ضد التهديدات! كما لم يشرح لنا لماذا لايزال مقر قيادة عملية العزم الصلب قائما في العراق، والقوات تقوم بعمليات قتالية في سوريا وليس العراق؟ ولماذا يسمح العراق ببقاء قيادة عملية عسكرية، وليست تدريبية في أراضيه؟
بالعودة إلى موقع عملية العزم الصلب، سنقرأ أنه بين 1 و 31 تموز/ يوليو 2023 قامت القوات الأمريكية في سوريا بإجراء تدريبات عملياتية برية وجوية في مناطق دير الزور والتنف والمناطق المحيطة بهما «للتحقق من صحة أنظمة الأسلحة والحفاظ على كفاءة الطاقم واستعداداته»!
وسنقرأ في الموقع نفسه أنه قامت القوات الأمريكية «بإجراء تدريبات عملياتية» في العراق «للتحقق من صحة أنظمة الأسلحة والحفاظ على كفاءة الطاقم واستعداده» كما صرحت!
هذه اللغة المشتركة، والتي تصف فعاليات في سوريا يفترض أنها قتالية وليست تدريبية، وتصف فعاليات في العراق يفترض أنها تدريبية وليست قتالية، تفضح حقيقة المسكوت عنه والذي لا تريد الحكومة العراقية الإفصاح عنه!
وفي 15 تموز نشر موقع تلفزيون أمريكي خبرا عن توجه حوالي 2500 جندي أمريكي إلى العراق وسوريا، وأنهم سيقضون 9 أشهر هناك.
وفي المقابل نشر موقع عملية العزم الصلب، خبرا مفاده أن احتفالا قد أقيم في قاعدة أربيل الجوية من أجل إحلال الفرقة الجبلية العاشرة محل الحرس الوطني لولاية أوهايو، وأنه «خلال عملية الإحلال والمناوبة لهذه القوات، تجري تحركات القوات والعجلات والمعدات داخل وخارج العراق، وهذه التحركات اللوجستية ضرورية لخدمة قوات التحالف»! ولكن ما لم يقله البيان الأمريكي أن اللواء القتالي الثاني هو لواء قوات خاصة!
والسؤال هنا إذا كانت هذه القوات الخاصة ستتمركز في العراق وسوريا، أي أن 900 منهم سيذهبون إلى سوريا للاستقرار في قاعدة التنف، فما حاجة العراق إلى 1600 جندي قوات خاصة، من مجموع 2500 جندي هو عدد القوات الأمريكية المعلن في العراق، بما أن الوجود الأمريكي لتقديم «المشورة والتدريب» فقط؟
في الضفة الأخرى للحدود العراقية السورية، تبدو التطورات وحدها قادرة على شرح ما يحدث في العراق؛ نقلت وكالة AP عن قائد القوات الجوية الأمريكية عن إصابة «إحدى القنابل المضيئة الروسية الطائرة الأمريكية MQ-9، مما ألحق أضرارًا بالغة بمروحتها». وأضاف أن هذا السلوك متهور وغير مبرر وغير مهني! ونقلت عن قائد أمريكي كبير، أن هذه المحاولة جاءت بعد أسبوع واحد من تحليق طائرة مقاتلة روسية بالقرب من طائرة مراقبة أمريكية تقل طاقمًا. ونقلت الوكالة عن راندا سليم، مديرة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا» هناك تقارب متزايد بين المواقف الروسية والإيرانية حول نهاية اللعبة التي تشهد طرد القوات الأمريكية من سوريا».!
وفي 27 تموز نشر مشروع التهديدات الحرجة في معهد أمريكان إنتربرايز تحديثا يتعلق بإيران أشار إلى أنه بداية في شهر تموز انسحبت ميليشيات مدعومة من إيران من مواقع لها في محافظة دير الزور ثم أعادت انتشارها في الصحراء السورية، وأن هذه التحركات ربما تكون جزءا من حملة لطرد الولايات المتحدة من سوريا! ويشير تحديث لاحق إلى زيارة قام بها إسماعيل قآني قائد الحرس الثوري الإيراني إلى شرق سوريا لتقييم المواقع العسكرية! ويشير التحديث أيضا إلى سيناريوهين محتملين: أن تقوم إيران بتوجيه مقاتليها لتنفيذ هجوم بطائرة بدون طيار على القوات الأمريكية في سوريا.
أو أن تقوم بتوجيه أو السماح لميليشياتها باستخدام العبوات الناسفة الخارقة ضد القوات الأمريكية في سوريا.
كما نشر معهد دراسة الحرب الأمريكي، تقريرا بعنوان: «إيران وروسيا والنظام السوري ينسقون لطرد القوات الأمريكية من سوريا» كتبه أربعة من الباحثين في المعهد يتحدث عن تحركات عسكرية قامت بها إيران والنظام السوري بين 7 و 12 تموز تضمنت نشر قوات وعتاد إضافي، وان هذه الحركات قد تمت بتنسيق عملياتي مع روسيا، من بينها قيام القوات الروسية بنقل 17 شاحنة محملة بالأسلحة إلى المليشيات المدعومة من إيران في مدينة دير الزور بين 19 و 20 حزيران. وأن الجيش السوري قد أجرى مناورة عسكرية بالقرب من منطقة الحظر حول قاعدة التنف التي تسيطر عليها القوات الامريكية.
وينتهي التقرير إلى القول بأن هذه الحملة تشكل «خطرا جديا على القوات الأمريكية في سوريا « وأنها تأتي «لتسريع حملتهم لطرد القوات الأمريكية من سوريا».
وينقل التقرير عن مسؤولين عسكريين أمريكيين أن تزايد العدوان الروسي ضد القوات الأمريكية في سوريا هو تعويض عن انخفاض القدرات الروسية في البلاد، وهو رد على الدعم الأمريكي لأوكرانيا، لينتهي إلى أن ما يجري في شرق سوريا قد يؤدي إلى هجمات ضد القوات الأمريكية أو قوات سوريا الديمقراطية، مما قد يجر الولايات المتحدة إلى صراع على المدى القريب!
وفي 5 آب 2023 نشرت صحيفة The Hill مقالا بعنوان: «تحت الضغط في أوكرانيا، بوتين يهاجم الولايات المتحدة في سوريا». نقلت فيه عن منى يعقوبيان، نائب رئيس مركز الشرق الأوسط للسلام: «لقد شهدنا بوضوح منذ شهر مارس من هذا العام على الأقل، تصعيداً واضحاً للتوترات، مدفوعاً إلى حد كبير بالاستفزازات الروسية للولايات المتحدة في سوريا».
في النهاية من الواضح أن ثمة تحركات عسكرية أمريكية جدية في العراق، وربما عملية عسكرية ستنطلق قريبا كما أخبرنا قائد عملية العزم الصلب، وأن هذه التحركات تأتي استجابة للتطورات العسكرية في سوريا حصرا.