بغداد - ناس
يبقى سعي السعودية لتخصيب اليورانيوم نقطة شائكة في المحادثات بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما قد يدفعها إلى توطيد علاقاتها مع الصين للحصول على ما تريده.
قناة "ناس" على تلكرام.. آخر تحديثاتنا أولاً بأول
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال قبل أيام، يدرس السعوديون عرضا صينيا لبناء محطة طاقة نووية مدنية في المملكة.
وكان الاتجاه نحو بكين رسالة تهدف إلى الضغط على البيت الأبيض لمنح تنازلات بشأن أهداف الرياض في مجال الطاقة النووية، في وقت لا تزال فيه واشنطن مترددة لاعتبارات أمنية وسياسية.
ويأتي الاهتمام السعودي بالعرض الصيني بعد ورود أنباء تفيد بأن الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل تتفاوض على صفقة ضخمة من شأنها أن تشمل اعترافا سعوديا بإسرائيل مقابل اتفاق للطاقة النووية المدنية لا يتضمن خيار التخصيب.
وترى الولايات المتحدة أن إبرام الصفقة مع إسرائيل والسعودية سيمكنها من عرقلة مسار تعزيز العلاقات بين السعودية والصين، وهو أمر بات مقلقا لواشنطن.
وتفيد التقارير بأن واشنطن تسعى لأن تشمل الصفقة الضخمة شروطا من ضمنها منع الرياض من تسعير نفطها باليوان، وتقييد استخدامها لتكنولوجيا الاتصالات الصينية (مثل معدات الجيل الخامس من هواوي) واستبعاد وجود عسكري صيني على أراضي المملكة.
ولا شك أن هذه الشروط ستتعارض مع توجهات السعودية الساعية إلى إنشاء علاقات أوثق مع الصين وروسيا ضمن مقاربة تقوم على تنويع الشركاء وعدم الارتهان لجهة واحدة مثل الولايات المتحدة، التي باتت الشراكة الدفاعية معها تثير شكوك السعوديين.
ولا يستبعد تقرير مركز ستراتفور الأميركي أن تشترط السعودية التزام الولايات المتحدة بالسماح لها بالتحكم في التخصيب حتى تتمكن من تطوير أسلحة نووية، أو التوقيع على اتفاقية دفاع تفرض على واشنطن الدفاع عن المملكة باستخدام أسلحتها النووية في حالة وقوع هجوم نووي إيراني على أراضيها.
ولئن كان من غير المرجح أن تسمح الولايات المتحدة للسعودية بتخصيب اليورانيوم، فإن الرياض لا يبقى لها خيار آخر غير المطالَبة بضمانات أمنية أميركية ملموسة تكون رادعا لحماية النفس من التهديد النووي الذي تفرضه إيران التي لم تبد أي اهتمام بالتخلي عن حقوق التخصيب في المحادثات النووية مع الغرب.
ولا يريد الأميركيون تقديم تنازلات فعلية بالنسبة إلى التخصيب، ويميلون إلى المظلة الأمنية. لكن ما جرى من إخلال أميركي بالشراكة الأمنية مع السعودية في السنوات الماضية سيجعل من الصعب على الرياض أن تقبل بغير التخصيب.
وقال مسؤولون أميركيون في السابق إن مشاركة تكنولوجيا الطاقة النووية ستكون ممكنة فقط إذا منع الاتفاق تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم المُنتج في المفاعلات، وهما سبيلان إلى صنع أسلحة نووية.
ولا يقف الخلاف بين الرياض وواشنطن عند مستوى الشراكة الأمنية؛ إذ تعرف العلاقة بينهما اهتزازا للثقة بسبب مواقف أميركية سلبية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسعْي لوبيات أميركية لتوظيف ملف حقوق الإنسان كورقة ضغط على السعودية.
وما لم يتم تجاوز هذا المستوى من اهتزاز الثقة، ستجد المملكة نفسها أقرب إلى الصين. وهو خيار قد يمهد لها الحصول على رادع نووي، خاصة أن بكين لن تفرض العديد من قيود الانتشار كجزء من صفقة نووية مقارنة بواشنطن.
ويرى مركز ستراتفور أن مثل هذا الاتفاق يعتبر بعيد المنال، على الرغم من أن الرياض وبكين أتيحت لهما فرص متعددة للتوصل إلى اتفاق نووي في السنوات الأخيرة وسط تباطؤ المحادثات مع الولايات المتحدة وحلفائها.
ويرجع المركز ذلك إلى أن الصين لا ترغب في زيادة سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط الذي يعتبر مصدر معظم وارداتها من النفط الخام، مشددا على أنه حتى لو سمحت بكين للرياض بالمشاركة في عملية التخصيب، فقد تسعى إلى الحصول على وعد غير رسمي من السعودية بعدم تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية.
وفي حين تعدّ الصين شريكا اقتصاديا يزداد قوة، لا تزال العلاقة الدفاعية الشاملة بين المملكة والصين محدودة نسبيا، وليست قريبة من المستوى الذي يمكن أن تعوض فيه الشراكة الدفاعية القوية مع الولايات المتحدة. ولأجل ذلك قد تقرر الرياض تجنب إغضاب واشنطن بدلا من توقيع اتفاق مع بكين.
ويمكن أن تحاول السعودية إبرام اتفاقية مع قوة تخصيب أخرى، لكن أغلب المصدرين الآخرين للتكنولوجيا النووية (مثل كوريا الجنوبية) سيشترطون بدورهم فرض قيود على قدرات التخصيب السعودية.
ولئن كانت شركة الطاقة النووية الروسية روس آتوم مستعدة للتخلي عن القيود الصارمة المفروضة على التخصيب، فإن العقوبات الغربية ستجعل من الصعب على السعودية التعاون معها.