فيما تستعد عشرات الأحزاب العراقية لخوض انتخابات مجالس المحافظات، فإن الغموض لا يزال يحيط بإمكانية إجرائها في وقتها الذي حددته الحكومة في 18 ديسمبر (كانون الأول)، أو تأجيلها للعام المقبل أو دمجها مع الانتخابات البرلمانية في وقت لاحق.
وحتى الآن تبدو الاستعدادات الحزبية، خاصة للقوى التقليدية التي تمسك بمقاليد السلطة منذ عام 2003، وكأنها تخوض معركة مصيرية يتحدد في ضوئها قدرة كل حزب أو تحالف على أن يبقى في الصدارة مستقبلاً، خصوصاً في ظل تغير العديد من المعطيات داخل المكونات الرئيسية التي تهيمن على الحراك السياسي في البلاد، وهي كل من المكونات العرقية والمذهبية الثلاث (الشيعة والسنة والكرد).
وكان الشيعة حتى وقت إلغاء مجالس المحافظات عام 2017 كياناً سياسياً واحداً هو «التحالف الوطني» الذي يضم كل القوى والأحزاب الشيعية الرئيسية بمن فيها التيار الصدري.
وكذلك، كان الكرد كياناً برلمانياً وسياسياً متماسكاً يحمل اسم «التحالف الكردستاني»، والذي يضم الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني).
أما السنّة فقد كانوا موحدين إلى حد كبير مع أنه لا توجد تسمية لتحالف موحد يجمعهم خصوصاً بعد فشل القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي في تشكيل الحكومة عام 2010، رغم فوزها كقائمة أولى في تلك الانتخابات نتيجة لتفسير جائر للمحكمة الاتحادية.
ورغم من أن تفسير المحكمة الاتحادية آنذاك الذي أكد جواز تشكيل الحكومة عبر ائتلاف انتخابي بعد الفوز في الانتخابات، وليس بالضرورة القائمة الفائزة الأولى، فإن مجالس المحافظات قد تم تعطيلها لتتجه أنظار القوى السياسية إلى البرلمان.
وبعودة مجالس المحافظات بقرار برلماني، العام الماضي، فإن إجراء الانتخابات الخاصة بها بدا كما لو كان بمثابة معركة تستعد لها الكتل السياسية بكل ما أوتيت من قوة، فضلاً عن قدرة في صياغة التحالفات والمناورات، علاوة على المؤامرات وعمليات التسقيط واسعة النطاق.
ومع التحشيد الكبير لمختلف القوى السياسية التي تروم خوض تلك الانتخابات منفردة أو عبر تحالفات، فإن المؤشرات والمعطيات المتوفرة حتى الآن ترجح فرضية التأجيل أكثر مما ترجح فرضية إجرائها في وقتها المحدد.
ترجيحات التأجيل
وتنقسم آراء السياسيين والرأي العام بشأن إجرائها من عدمه، وتكاد المعطيات التي ترجح التأجيل تنحصر في ثلاثة ما يمكن عدّه معرقلات أساسية.
فمن ناحية، لا يزال البرلمان العراقي لم يحسم تعديل قانون المفوضية حتى الآن، علماً بأنه ينتهي نهاية العام الحالي.
ويمكن أن تؤدي عملية تعديل القانون إلى القوى السياسية في أنماط جديدة من الخلافات التي تحاول تجنبها لجهة كيفية اختيار أعضاء المفوضية العليا المستقلة. لكن عدم تعديل القانون سوف يدخل الجميع في نفق مظلم، في حال انتهت صلاحية المفوضية مع إجراء الانتخابات، وهو ما يعني عجزها عن متابعة كل ما يتصل بالشأن الانتخابي.
يضاف إلى ذلك أن إقبال المواطنين لا يزال ضعيفاً جداً بشأن تحديث سجلّهم الانتخابي، على الرغم من التمديد المستمر الذي تقوم به المفوضية وحثها الناس على التوجه إلى الأماكن المخصصة، الأمر الذي يعزز أزمة الثقة بين المواطن والنظام السياسي بشكل عام، وأداء المجالس المحلية بشكل خاص.
وجرّب العراقيون بين عامي 2005 و2017 أداء المجالس المحلية التي تنهض عادة بالأمور البلدية والخدمية. ويقول المنتقدون إن الناس لم يروا أي تقدم به في وقت تحولت فيه مجالس المحافظات إلى واجهات حزبية لا أكثر.
أما العامل الثالث والمؤثر في إمكانية التأجيل فهو غموض موقف التيار الصدري من المشاركة من عدمها في هذه الانتخابات.
فالصدريون لم يحسموا أمرهم حتى الآن بشأن تلك الانتخابات، وهو ما يجعل العديد من القوى السياسية بمن فيها بعض القوى الشيعية، فضلاً عن المدنية، ترى أن عدم مشاركة الصدريين سوف يحدث خللاً في التوازن قد لا تتحمله العملية السياسية.
فرص ضعيفة
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية الدكتور عصام فيلي لـ«الشرق الأوسط» إن «تأجيل الانتخابات حتى الآن لا يبدو مرجحاً إلا في حصول أمر طارئ قد يؤثر على العملية السياسية برمتها»، مبيناً أن «أي تأجيل يعني هذا دخول مواليد جديدة للانتخابات وهو ما يعني الحاجة ثانية إلى تحديث سجل الناخبين وبالتالي سيكون التأجيل أكبر من ذلك».
أما الباحث في الشأن السياسي فلاح المشعل فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقف الصدري غير حاسم وقاطع حتى الآن؛ لأنه يعتمد على مبدأ إجراء انتخابات مبكرة لمجلس النواب ومجالس المحافظات في يوم واحد».
وأضاف المشعل أن «هذا ما اتفق عليه في ائتلاف إدارة الدولة فضلاً عن مطالبة الدول المتحكمة بالعراق التي ترى ضرورة مشاركة الصدريين بكونهم كتلة فاعلة بالساحة، والخوف من تحولها إلى موقف المعارضة الكاملة في ظل تدهور الأوضاع العامة في البلاد».