بحر النفط الذي تطفو عليه كركوك ويقدر بـ140 مليار برميل سيبقى مشكلة بلا حلول كما هي مشكلة العراق لأنها بالأساس وباعتراف من الجميع لن تكون عراقاً مصغراً مهما قيل عنها.
يُقال إنه يوم أُذيع خبر اللحظة التاريخية لتدفق النفط من أرض العراق، صادف الجمعة الرابع عشر من تشرين الأول – أكتوبر من عام 1927 حيث انطلق الذهب الأسود من البئر متدفقاً بغزارة وصلت إلى 92 ألف برميل يومياً وبارتفاع 40 متراً في الهواء، وظل يتدفق لمدة سبعة أيام شكّل خلالها وادياً من النفط سُمي بوادي النفط، وتمكن الخبراء في اليوم السابع من إغلاق البئر بعد صعوبات جمة واجهتهم.
كانت البداية في الإعلان عن نعمة وُهبت لهذا الشعب الذي لم يكن يتخيل أنها ستنقلب عليه نقمة.
كركوك العراقية التي تعرفها بنيرانها الأزلية المشتعلة، وكذلك بصراعها السياسي الذي لا يقل اشتعالاً عن تلك الآبار.
كان ذلك الاكتشاف لتلك الثروة الضخمة لعنة المدينة، كما هو لعنة العراق عندما تحول الصراع للسيطرة والنفوذ على آبارها ونفطها إلى صراع إقليمي تتنازعه دول الجوار وأخرى إقليمية. ومازال لُعاب الدولة العثمانية الحديثة يسيل على لسان قادتها الجُدد يجددون الحديث عن المطامع والمطامح، ومازالت إيران مستعدة للدخول إلى المدينة لحماية مصالحها في مدينة النار الأزلية التي يُعتقد باشتعالها منذ أكثر من 4000 سنة.
بحر النفط الذي تطفو عليه هذه المدينة والذي يقدر بـ140 مليار برميل سيبقى مشكلة بلا حلول، كما هي مشكلة العراق، لأنها بالأساس وباعتراف من الجميع لن تكون عراقاً مصغراً مهما قيل عنها، فالدكتاتورية وحب التسلط لا يزالان يغلبان على جميع مكونات هذه المدينة بعد أن وجدوا الحل في حكم القوي لا في شراكة الحكم، واعتمدوا مبدأ التسلط لا التشارك في القرار.
أهم الصفات التي كشفها الصراع السياسي في كركوك أن الدكتاتورية لم تغادرنا، فمازالت هذه الصفة المتوارثة من سيرة الحكم بالعراق لم تتغير.
لا يهتدي هؤلاء إلى الرأي القائل إنها مدينة المكونات فقد ظلت تتأرجح ما بين تعريبها في زمن النظام السابق، إلى تكريدها ما بعد عام 2003 حتى ضاع عنها الاستقرار وبات يُخشى من حرب المكونات للاستحواذ على النفوذ فيها، كما حدث في مجزرة عام 1959 التي ارتُكبت بحق أبناء المحافظة من التركمان وبعض العرب وخلّفت احتقاناً بين المكونات لا تزال آثار الدم موجودة في المحافظة لم يمحها مرور السنوات.
نعم.. المدينة لغم قابل للانفجار ساعة يشاء العامل الخارجي أو حتى الداخلي، منذ أن زرع المحتل في الدستور العراقي الدائم عام 2005 وصفاً لكركوك باعتبارها من المناطق المتنازع عليها، في استغباء دستوري متعمد خصوصاً في تفسير مفهوم المتنازع عليها والذي عادة ما يقوم بين الدول التي تتنازع على مناطق تتقاسم نفوذها، وليس بين إقليم كردي تابع لدولة تسمى العراق.
خطيئة أطراف النزاع في كركوك أنهم لا يعترفون أنها منطقة منزوعة السلاح بأمر دولي.
كركوك التي يعتبرها الكرد قدسهم وعاصمتهم المستقبلية فيما لو تم إنشاء دولتهم المنشودة، والتركمان الذين مازالوا موقنين أنهم أصحاب الحق الشرعي في هذه المدينة على اعتبار أنهم مواطنوها الأصليون، والمكون العربي الذي يعتبرها مسألة وجود، ليكون في محصلة ما يجب أن يجري أن التعايش السلمي والقبول بالأمر الواقع هما السبيل الوحيد لاستقرار المدينة.
لا يزال برميل البارود قريباً من برميل النفط تتحكم به أصابع لا ترغب الاستقرار للعراق سواء كانت من الداخل أو الخارج وستظل كركوك مشكلة مزمنة للعراق ما دامت السلطة ليست بخير.
سمير داود حنوش
كاتب عراقي/ صحيفة العرب