ضحايا حريق الحمدانية في مستشفيات تفتقر للضمادات والمسكنات

آخر تحديث 2023-09-27 17:00:14 - المصدر: العربي الجديد

شهدت محافظة نينوى شماليّ العراق مأساة جديدة مساء أول من أمس الثلاثاء، بعد حريق ضخم أتى على قاعة أعراس في الحمدانية، مخلّفاً عشرات القتلى والجرحى. وأُعلن الحداد العام في البلاد لمدّة ثلاثة أيام، وفي نينوى لمدّة أسبوع كامل، في وقت لا تزال أعداد الضحايا متفاوتة، بحسب مصادر كلّ حصيلة.
وأعلن وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، مصرع 93 شخصاً وإصابة أكثر من 100 آخرين في الحريق. ويقول المنسق العام لمنظمة الهلال الأحمر العراقي غسان محمد الوثيني، لـ "العربي الجديد"، إنّ عدد الضحايا والمصابين بلغ نحو 450 شخصاً، مؤكداً أنّ الكوادر الصحية مستنفرة منذ وقوع الحادثة. فيما يقول مصدر في دائرة صحة محافظة نينوى لـ "العربي الجديد"، إن "الحريق خلف 120 قتيلاً ونحو 330 مصاباً"، مبيناً أن حصيلة الوفيات قابلة للارتفاع بسبب وجود حالات إصابات خطيرة.  
فقد كمال خوشابا (54 عاماً) ابنته وزوجها وأولادها في الحريق. يوضح في حديثه لـ "العربي الجديد"، خلال وقوفه عند باب مستشفى الحمدانية العام، أنه لا يعرف ما الذي ينبغي أن يقوم به. يضيف: "عدنا من مهجرنا بعدما هربنا من تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وقررنا أن نستقر في منازلنا وديارنا، لكن لم نكن نعلم أن هناك قاتلا آخر غير داعش والإرهاب وهو فساد وجشع التجار وضعف الإجراءات"، مؤكداً أن تأخر فرق الإطفاء ساهم في زيادة حجم الكارثة.
على باب مستشفى الطوارئ في الموصل، اصطف عشرات الرجال والنساء أمام شرطي يحمل ورقة دوّن عليها أسماء الضحايا، وسط صراخ وتدافع بين الناس للتأكد من الأسماء الموجودة. كان الشرطي يحاول إسماع صوته للجميع بينما يعلن أسماء الضحايا.
في هذا السياق، يؤكد الموظف في الهلال الأحمر العراقي كرم عباس، أن هناك ضحايا آخرين قتلى ومصابين نقلوا إلى مستشفيات أخرى. يضيف أن "مستشفيات أربيل ودهوك والحمدانية والموصل وتلكيف استقبلت المصابين، وقد توفي بعضهم نتيجة الإصابات البالغة، وهذا يعني الحاجة إلى تحديث حصيلة الضحايا بين ساعة وأخرى". ويشير إلى اعتقال عدد من القائمين على القاعة والعاملين فيها، بتهمة مخالفة شروط السلامة، إذ إن السقف اشتعل مرة واحدة بسبب الألعاب النارية، وفاقم من الأمر وجود أبخرة في المكان خلال استقبال العروسين، مع عدم وجود أماكن تهوئة. ولا يتوفر غير باب واحد للدخول والخروج". 


وتؤكد نجوى سلام (32 عاماً)، وهي معلمة في مدرسة بلدة قره قوش التي وقعت فيها الكارثة، لـ "العربي الجديد"، إن البلدة منكوبة. تضيف: "بدأت للتو استعادة عافيتها من مرحلة النزوح، لتحل هذه النكبة. لدينا أقرباء قضوا وهناك طالبات وطلاب قتلوا أيضاً".
ويؤكد وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، أن "القاعة التي حصل فيها الحادث تفتقر إلى إجراءات السلامة والأمن، وأن الدلائل تؤكد أن سبب الحادث هو استخدام الألعاب النارية داخل القاعة، ما أدى إلى احتراق سقفها وانهياره بشكل سريع على المتواجدين داخلها".  
من جهته، وجّه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الوزارات والمحافظات ومؤسسات الدولة كافة، باتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة، وذلك على أثر حادثة الحريق، من بينها "تشكيل لجنة تحقيقية بالحادث، وإعداد قائمة دقيقة لضحايا الحادث وذويهم، لضمان حقوقهم القانونية والاعتبارية وتعويضهم مادياً، وإعلان الحداد العام في مؤسسات الدولة كافة، لمدّة ثلاثة أيام، عزاءً في الضحايا ومواساةً لذويهم وأهلهم". كما خصصت الحكومة العراقية 3 طائرات مروحية لنقل مصابي حريق الحمدانية إلى مستشفيات بغداد.

وتوجه الكثير من المواطنين إلى المستشفيات بهدف التبرع بالدم بعد دعوات صدرت من صحة نينوى تفيد بحاجة المصابين للدم. كما بادر متطوعون إلى فتح الصيدليات ونقل المستلزمات الطبية الأولية التي يحتاجها المصابون بالحروق إلى المستشفيات.
وغصت مستشفيات الحمدانية والجمهوري والسلام والحروق في نينوى بالمصابين الذين توزعت حالاتهم بين الخفيفة والمتوسطة والشديدة، ما يجعل احتمالية ارتفاع حصيلة الوفيات أمراً متوقعاً. واندلع الحريق في سقف القاعة وانتشرت النيران بسرعة كبيرة قبل أن يتمكن الحضور من الهرب، بسبب وجود مواد سريعة الاشتعال، وهو ما أكدته مديرية الدفاع المدني. يضاف إلى ما سبق وجود كميات من المشروبات الكحولية في موقع الحادث، الأمر الذي ساعد على سرعة تمدد النيران.
وأوضحت مديرية الدفاع المدني، في بيان، تفاصيل ما جرى، وقالت: "قاعة الأعراس مغلفة بألواح ألكوبوند سريعة الاشتعال". أضافت في بيانها، أنّها "مخالفة لتعليمات السلامة ومُحالة إلى القضاء بحسب قانون الدفاع المدني رقم 44 لسنة 2013 لافتقارها إلى متطلبات السلامة من منظومات الإنذار والإطفاء الرطبة".

وأشارت إلى أن الحريق أدى إلى انهيار أجزاء من القاعة نتيجة استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال منخفضة الكلفة تتداعى خلال دقائق عند اندلاع النيران، وبينت أن المعلومات الأولية تشير إلى استخدام الألعاب النارية أثناء حفل الزفاف، ما أدى إلى اشتعال النيران داخل القاعة بادئ الأمر، وتمدد الحريق بسرعة كبيرة. وتلفت إلى أنها فتحت تحقيقاً في الحريق واستدعت خبير الأدلة الجنائية للتأكد من أسباب اندلاعه وفق الإجراءات القانونية المتبعة.
ويقول مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ "العربي الجديد"، إن عدد ضحايا حوادث الحرائق منذ مطلع العام الحالي 2023، يفوق عدد ضحايا الإرهاب وعنف الجماعات المسلحة والجريمة الأخرى بأضعاف، حيث قتل وأصيب حتى مساء الثلاثاء ومنذ مطلع العام الحالي، أكثر من 500 عراقي بحوادث حرائق مختلفة بعموم مدن البلاد.
وفاقم الوضع المتردي للمستشفيات في الموصل من المشكلة. وتوجه ضحايا الحريق إلى مستشفيات تخلو حتى من الضمادات والعلاجات المسكنة وعلاجات الحروق. كما أن المستشفيات التي استقبلت المصابين مهددة بالاحتراق لأنها كرفانية بديلة عن المواقع الأصلية التي تعرضت للتدمير خلال عمليات استعادة الموصل.

وتعيد حادثة الحريق إلى الأذهان حوادث مشابهة، منها حريق مستشفى ابن الخطيب وحريق مستشفى الحسين للعزل الصحي، والتي خلفت مئات الضحايا بسبب اعتماد مواد مخالفة للشروط الصحية والسلامة في إنشاء المباني. كما ذكّر حريق الحمدانية بحادثة غرق العبارة في نهر دجلة بمدينة الموصل قبل 3 سنوات، والتي راح ضحيتها نحو 200 شخص، في ظل غياب شروط السلامة الواجب توفرها في أي مرفق سياحي.
ويشير حريق الحمدانية إلى تقصير حكومي كبير في مراقبة المباني المشيدة حديثاً، والتأكد من توفّر شروط الأمان والسلامة. من جهة أخرى، فإن وضع المستشفيات مأساوي في ظل افتقارها لأبسط العلاجات والمستلزمات الطبية. يقول النائب في البرلمان العراقي خالد العبيدي، في بيان، إن "المعلومات الواردة من قضاء الحمدانية تشير إلى أن حريق قاعة الأعراس أكد وجود تقصير مخز في الاستجابة للكوارث، وضعف في التنسيق، ونقص في وسائل الإنقاذ، وعجز في الموارد الطبية واللوجستية لاستيعاب الضحايا والجرحى والمصابين".
وعقب الحادث، طالب النائب مزاحم الخياط وزارة الصحة بدعم نينوى بالعلاجات اللازمة لمحاولة إنقاذ المصابين في حريق الحمدانية، وهو ما يؤكد خلو مستشفيات نينوى منها. وهناك ربط بين حادثة حريق الحمدانية وفاجعة العبارة في الموصل، إذ إن أفراداً قريبين من جهات مسلحة هم الذين يملكون قاعة المناسبات التي اندلع فيها الحريق. كما أن جزيرة أم الربيعين التي غرق في عبارتها نحو 200 شخص تعود لفصيل مسلح آخر.


ويقول مسؤول محلي في ديوان محافظة نينوى، لـ "العربي الجديد": إن "قاعة الهيثم للأعراس والمناسبات في منطقة بغديدا مركز قضاء الحمدانية تعود لشخص يرتبط بحركة بابليون (فرّ إثر حادث الحريق)، والتي تمتلك فصيلاً مسلحاً في الحشد الشعبي". ويشير إلى أن القاعة شيدت بشكل مخالف للتعليمات.
وكشفت حادثة عبارة أم الربيعين في الموصل عام 2019، عن امتلاك عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي للجزيرة عبر وسيط من مدينة الموصل. ويلفت المسؤول إلى أن "عائدية القاعة لفصيل مسلح تجعل من محاسبة المسؤولين والمقصرين بالحادثة بعيدة عن محاسبة الجهات الحكومية".