أثار مقتل صانع المحتوى العراقي، نور الصفار، المعروف باسم "نور بي إم" تساؤلات كثيرة بشأن الدوافع وراء تكرار حوادث العنف والقتل التي يتعرض لها مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في العراق خلال السنوات الأخيرة.
قُتل نور في واضحة النهار يوم الاثنين 25 سبتمبر - أيلول الجاري، على يد مسلح مجهول كان على متن دراجة نارية في منطقة المنصور، في العاصمة العراقية بغداد.
وقال مصدر أمني لـ"بي بي سي" إن شخصا أطلق ثلاث رصاصات على نور في رقبته وبطنه، قبل أن يلوذ بالفرار، وأشار المصدر ذاته الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن قوة أمنية طوقت مكان الحادث، وفتحت تحقيقا للبحث عن القاتل، الذي ظهر في كاميرات المراقبة مرتديا ملابس تشبه تلك التي يرتديها عادة العاملون في مجال التوصيل.
تهديدات ومضايقات سابقة
اشتهر نور بمقاطع مصورة على صفحته على إنستغرام، يظهر فيها وهو ويرتدي شعرا مستعارا طويلا وملابس نسائية، وهو الأمر الذي عزاه في مقابلة نشرت له قبل عامين إلى طبيعة عمله كعارض أزياء وخبير تجميل. ولكن الإطلالة النسائية التي عُرف بها نور على مواقع التواصل، أثارت استياء كثير من متصفحي حسابه الخاص، ما وصل حد "التهديدات"، كما قال بنفسه في اللقاء.
وأضاف أنه كان قد تعرض لمضايقات كثيرة، من أبرزها اعتداء من قبل مجموعة مجهولة "اقتادته بالقوة إلى داخل سيارة، بعد ضربه على رأسه بزجاجة، أثناء عودته إلى منزله". وقال نور في مقطع مصور له بعد هذه الحادثة إن المجموعة قامت "بحلق شعره وإهانته وضربه"، مؤكدا أنه تقدم بشكوى قضائية ضدها وأنها أحيلت بالفعل إلى القضاء.
وجاء أول ظهور لنور -الذي ولد في العاصمة الأردنية عمان عام 2000- على مواقع التواصل الاجتماعي، كمقدم للمحتوى ، قبل أن ينخرط في مجال عرض الأزياء والتجميل.
جدل بشأن هوية نور الجندرية
يعرف نور نفسه على حسابه في إنستغرام بأنه "ملك الإثارة وقاهر البنات" كما أنه "لاعب كمال أجسام، ويوتيوبر".
وفي مقابلة معه قبل نحو عامين، نشر جزءا منها على صفحته، يؤكد نور أنه "ليس عابرا جنسيا، وإنما طبيعة عمله تحتم عليه القيام بما يقوم به".
وقبل أكثر من خمس سنوات، غادر نور بغداد متجها نحو مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق، وصار يتنقل بين المدينتين كل فترة وأخرى.
ووفقا لمصدر أمني تحدث لـ"بي بي سي"، كان يتعمد نور إخفاء هويته أثناء زياراته إلى بغداد، تجنبا للمضايقات والتهديدات التي كانت تلاحقه بسبب تشبهه بالنساء.
وأظهر المصدر الأمني لبي بي سي صورة من بطاقة الهوية الرسمية لنور والتي تعرف نوعه بأنه "ذكر"، غير أن مظهره وطريقة لباسه أثارا جدلا على مواقع التواصل بشأن حقيقة هويته الجندرية.
جرائم مشابهة ودوافع مختلفة
يتعرض كثير من صانعي المحتوى في العراق لانتقادات لاذعة، قد تصل إلى حد التهديد بالقتل، خاصة إذا كانوا يشاركون أفكارا غير نمطية في مواضيع الهويات الجنسية والجندرية إذ يرى كثيرون في ذلك "تشويهاً للمجتمع وتفكيكاً لنسيجه". كما يتعرض عدد كبير من مشاهير مواقع التواصل لمضايقات حال تناولوا موضوعات يراها بعضهم "محظورة"، مثل انتقاد شخصيات دينية أو سياسية.
وتتنوع الدوافع وراء حوادث قتل المؤثرين في العراق، ففي مطلع العام الجاري، في 31 يناير/كانون الثاني تحديدا، قُتلت شابة عراقية تعرف باسم "طيبة العلي" على يد والدها. واشتهرت "طيبة" على موقع يوتيوب بنشر مقاطع مصورة توثق فيها لقطات من حياتها اليومية وتشير فيها إلى "استقلاليتها"، بعد انتقالها للحياة في تركيا عام 2017.
وكانت الشابة العراقية في زيارة لبلدها العراق عندما خنقها والدها أثناء نومها. ولم تعتبر الواقعة آنذاك "قتلا مع سبق الإصرار" وصدر حكم بالسجن على والدها لستة أشهر فقط.
وفي سبتمبر / أيلول 2018، قتلت ملكة جمال بغداد وعارضة الأزياء تارة فارس، التي اعتادت نشر صورها وإطلالاتها عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، حاصدة ملايين المتابعين. ولم يعرف إلى الآن الجهة أو الدوافع التي كانت وراء عملية قتل تارة، حتى أن بعض الناشطين وصفوا الجريمة بـ"المعلقة".
كذلك قُتل فنان مسرحي عراقي يعرف بـ"كرار نوشي" عام 2017 بعد اختطافه على يد مجهولين. وتعرض نوشي لانتقادات لاذعة بسبب ملابسه وتسريحات شعره تختلف عن الصورة النمطية للرجل. وقالت وسائل إعلام محلية آنذاك إن جثته التي عثر عليها في شارع فلسطين وسط بغداد، بدا عليها آثار تعذيب.
تصاعد "خطاب الكراهية"
وأعرب ناشطون في مجال حقوق الإنسان عن استيائهم من تكرار حوادث العنف والقتل التي طالت بعض مشاهير مواقع التواصل في العراق في الآونة الأخيرة، من بينهم رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون الذي قال لـبي بي سي إنه "لا يجب أن يتحول العراق إلى ساحة ميدانية لتنفيذ أحكام الإعدام بحق أي شخص مهما كان مختلفا"، مشيرا إلى أن حادثة قتل نور تدل على "مؤشرات خطيرة" تتعلق بعودة "الاغتيالات ذات الطابع السياسي أو إقصاء المختلف".
وقال سعدون إن العراق "يشهد خطاب كراهية واسع النطاق" ولا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفا أنه كثيرا ما يتجسد هذا الخطاب في طلقات نارية أودت بحياة مجموعة من النشطاء والمشاهير الذين يختلفون في اختياراتهم "لملابسهم أو تسريحات شعرهم أو تصرفاتهم".
وفي أغسطس/ آب الماضي، ناشدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الحكومة العراقية سحب تعديلات طُرحت على "قانون مكافحة البغاء" الصادر عام 1988، تشمل تجريم العلاقات المثلية والتعبير عن العبور الجندري.
وأضافت المنظمة، في تقريرها أن، مشروع القانون في حال تبنيه "سينتهك حقوق الإنسان الأساسية، بما فيها الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والخصوصية، والمساواة، وعدم التمييز ضد المثليين والمثليات، ومزدوجي ومزدوجات التوجه الجنسي، وعابري وعابرات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم) في العراق".
وأوضحت المنظمة، أن العراق لا يجرم صراحة السلوك الجنسي المثلي بالتراضي، ولكن السلطات تستخدم قوانين الآداب "الغامضة" لملاحقة أفراد مجتمع الميم-عين.