"العمال الكردستاني" تحدٍ صعب لعلاقة بغداد وأنقرة

آخر تحديث 2023-10-07 07:30:08 - المصدر: العربي الجديد

بعد نجاح الاتفاق الأمني بين العراق وإيران في تفكيك مقرات الجماعات الإيرانية المعارضة لطهران داخل العراق، يتوقع مسؤولون عراقيون حصول ضغوط تركية لدفع بغداد نحو اتفاق مماثل حول مسلحي حزب العمال الكردستاني الموجود في الأراضي العراقية وينفذ اعتداءات متكررة داخل الأراضي التركية.

وتوجد في إقليم كردستان العراق وعلى محوري الحدود الدولية مع إيران وتركيا عدة جماعات كردية إيرانية وتركية معارضة، شمال أربيل وشرق السليمانية، تتبنى بالمجمل العمل المسلح. وتنفذ كل من أنقرة وطهران عمليات عسكرية برية وجوية متكررة على معاقل تلك الجماعات التي تصنفها بالإرهابية.

وينتشر "العمال الكردستاني" في مناطق متفرقة من إقليم كردستان العراق، إلى جانب مناطق غرب نينوى، أبرزها سوران وسيدكان وقنديل وزاخو والزاب والعمادية وحفتانين، وكاني ماسي، إلى جانب مخمور وسنجار.

وأطلقت أنقرة رسمياً في منتصف عام 2021، عمليات عسكرية برية وجوية تستهدف مقرات وعناصر "العمال" في الشمال العراقي، وتحديداً مناطق ضمن إقليم كردستان العراق، وتقع أغلبها بمحاذاة الحدود مع تركيا. ووفقاً لبيانات وزارة الدفاع التركية، أدت تلك العمليات خلال الفترة الماضية إلى مقتل المئات من مسلحي "العمال الكردستاني"، وتدمير مقار ومخازن سلاح ضخمة تابعة له. كما أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس الجمعة، مقتل جندي في منطقة عملية "المخلب-القفل"، شمالي العراق، متأثراً بجراح أصيب بها بنيران "العمال الكردستاني".

اتصالات عراقية تركية مكثفة

وتتكثف الاتصالات بين أنقرة وبغداد حول هذا الملف، وكان وزير الدفاع التركي يشار غولر قد استقبل نظيره العراقي ثابت العباسي، أمس الأول الخميس، في أنقرة. وذكر بيان لوزارة الدفاع التركية أن غولر شدد على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.

كما كشف نائب قائد العمليات المشتركة في بغداد الفريق أول الركن قيس المحمداوي، في تصريحات لتلفزيون "العراقية" الحكومي أمس الجمعة، عن وجود "لجان مشتركة وجهد دبلوماسي كبير من أجل حسم الملفات الشائكة مع الجارة تركيا وفق الحوار، وبما يعزز ويجسد موضوع السيادة العراقية والاحترام المتبادل، وبما يضمن لتركيا أيضاً عدم وجود جماعات مسلحة تستهدف الأراضي التركية على الحدود"، مبيناً أن "إمساك الحدود هو المفتاح"، في إشارة إلى ضرورة انتشار قوات عراقية في تلك المناطق.


المحمداوي: هناك لجان مشتركة وجهد دبلوماسي كبير من أجل حسم الملفات الشائكة مع تركيا وفق الحوار

ولفت إلى أن "هناك زيارات مستمرة (إلى تركيا) بشأن ملفات كثيرة، منها أمنية وملفات تتعلق بتنظيم العمل على الحدود وتنفيذ الاتفاقيات". وأكد "أهمية أن يكون العراق آمناً، وضمان عدم وجود جماعات مسلحة تستهدف الأراضي التركية، وبالتالي سينعكس ذلك بالإيجاب على أي اتفاق أو رؤية مقبلة سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو بما يتعلق بالاستثمار". واعتبر أن الاتفاقيات الأمنية مع تركيا وإيران خيار لإسقاط "كل ذرائع العدوان أو التجاوز وخرق الحدود، وتعد أساساً لتنظيم العلاقة وبما يضمن سيادة العراق، وحراكاً للقيام باتفاقيات أكبر".

وفي السياق نفسه، ترأس رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الخميس الماضي، اجتماعاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني، بحث "الاتفاق الأمني المشترك بين العراق وإيران الخاص بإمساك الحدود بين البلدين، الذي تم بعد زيارة وفد عراقي برئاسة مستشار الأمن القومي (قاسم الأعرجي) إلى طهران، إذ باشر الطرفان بتنفيذ بنود الاتفاق، المتمثلة بإمساك الشريط الحدودي من قبل البلدين ومنع المظاهر المسلحة على طول هذا الشريط"، وفق بيان للمكتب الحكومي العراقي. وبيّن أنه "في إطار التنسيق الأمني مع مختلف دول الجوار، وجّه رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بالتواصل مع نظيره التركي بشأن تفعيل اللجان الأمنية الثنائية لمعالجة المشاكل الأمنية الحدودية"، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.

ونهاية أغسطس/ آب الماضي، أعلنت كل من بغداد وطهران توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين تقضي بتفكيك معسكرات المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان على الحدود مع إيران، شمالي العراق.

وباشر العراق فعلاً بتنفيذ بنود الاتفاقية الأمنية عبر لجنة شكلتها حكومة السوداني، وجرى إخلاء ما لا يقل عن 20 مقراً ومعسكراً لتلك الجماعات، وإجلاء قسم كبير منها إلى مناطق أخرى، فيما انتشرت قوات الحدود الاتحادية في تلك المناطق للوجود بشكل دائم ورفع العلم العراقي فيها.

لكن العامل الأهم الذي أنجح تنفيذ الاتفاقية هو عدم مقاومة الجماعات الكردية الإيرانية وتفهُّم موقف حكومتي أربيل وبغداد، وعدم الرغبة في الدخول بأزمة جديدة، إلى جانب مساعدة الأمم المتحدة بضمان مناطق إيواء جديدة لهم، وفقاً لمسؤول عراقي بارز في مستشارية الأمن القومي العراقي في بغداد، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الفضل الأكبر للجماعات الكردية الإيرانية التي تفهّمت الموقف".

وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "الاتفاق مع إيران ما زال يُنفّذ بانسيابية عالية، بعد تفهّم المعارضين الأكراد لأوضاعهم المستقبلية، وبتعاون كبير ما بين حكومة إقليم كردستان"، متوقعاً أن "نجاح تنفيذ الاتفاق مع إيران ولو بشكل جزئي، سيفتح الباب على العراق مرة أخرى من قبل الأتراك للمطالبة بالاتفاقية نفسها لإبعاد مسلحي حزب العمال عن الحدود".

مسؤول عراقي: نجاح تنفيذ الاتفاق مع إيران، سيفتح الباب أمام الأتراك للمطالبة بالاتفاقية نفسها لإبعاد مسلحي "العمال" عن الحدود

وكشف أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وفي زيارته الأخيرة إلى بغداد في أغسطس/ آب الماضي، "تحدث صراحة عن مبدأ منع العراق انتقال المسلحين وشن الهجمات من أراضيه على تركيا، وإلا فإن أنقرة ستواصل تنفيذ الهجمات في أي مكان يتم فيه رصد أنشطة لمسلحي حزب العمال الكردستاني، من باب حق الدفاع".

لكن المسؤول العراقي أشار إلى أن "مسألة حزب العمال الكردستاني أكثر تعقيداً من الجماعات الإيرانية المعارضة، أولها لأنه أكبر عدداً وأكثر تسليحاً، ويسيطر على مناطق جغرافية كبيرة، كما لا يُتوقع أن يقبل أي فكرة تتضمن إجلاءه عن مواقعه، خصوصاً أن إعلامه حالياً يهاجم الجماعات الكردية الإيرانية ويتهمها بخيانة القضية، كما أن لحزب العمال ارتباطات إقليمية معروفة وهو يدخل ضمن معادلة معقدة".

وكان فيدان قد أعرب عن تطلع بلاده لاعتراف العراق رسمياً بحزب العمال الكردستاني كتنظيم إرهابي. وقال في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره العراقي فؤاد حسين، في بغداد، في أغسطس الماضي، إنه "علينا ألا نسمح لتنظيم العمال الإرهابي الذي يُعد العدو المشترك لتركيا والعراق بتسميم علاقات البلدين، ولا يمكننا أن نبقى غير مبالين إزاء تحدي هذا التنظيم للسيادة العراقية"، مبيناً أن "حزب العمال يحتل حالياً سنجار ومخمور وقنديل والسليمانية والعديد من القرى العراقية الأخرى".

علاقة "العمال الكردستاني" بمليشيات عراقية

ويحظى مسلحو "العمال" بعلاقة مباشرة مع مليشيات عراقية مسلحة حليفة لإيران، أبرزها "كتائب حزب الله" العراقية، و"عصائب أهل الحق"، كما نجح في تجنيد المئات من المسلحين المحليين من الأكراد الأيزيديين في سنجار وضواحيها، وشكّل ذراعاً محلية له تعرف باسم "وحدات حماية سنجار".

الخبير في الشأن السياسي الكردي في محافظة دهوك الحدودية مع تركيا شوان عقراوي قال لـ"العربي الجديد"، إن "تكرار الاتفاقية الأمنية نفسها مع تركيا أمر صعب على العراق وأربيل". وأضاف أن "الجماعات الكردية الإيرانية انسحبت طواعية، وبالنسبة لوضع حزب العمال يتوقع منه المقاومة ومواجهة الجيش العراقي وأي قوة أخرى تقترب من مناطقه، لذا فإن المشكلة بتنفيذ الاتفاق وليس توقيعه".

وتحدث عقراوي عن وجود نحو 7 آلاف مسلح من عناصر "العمال الكردستاني" من أكراد تركيا، في إقليم كردستان، لافتاً إلى أن "حزب العمال لديه امتدادات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومع قنوات خلفية حليفة لإيران في العراق، لذا فهو يمتلك ورقتي ضغط سياسية وعسكرية". واعتبر أن "الخيار المتوقع حالياً هو أن تواصل القوات التركية هجماتها داخل العراق، وقد ترفع منها إلى مستوى أعلى بالفترة المقبلة، خصوصاً قبل الشتاء الذي يزيد الوضع صعوبة في مناطق وجود مسلحي الكردستاني".

تقي: تركيا تجاوزت الكثير من الخطوط الحمر في التعامل مع حزب العمال الكردستاني

من جهته، أشار عضو تحالف "الإطار التنسيقي" الحليف لإيران، النائب في البرلمان العراقي مهدي تقي، إلى أن "العراق ملتزم بدستوره الذي يمنع أي اعتداء من داخل الأراضي العراقية ضد دول الجوار، لكن الأهم هو أن نعرف هل فعلاً العمال الكردستاني يهاجم تركيا أم أن الأخيرة تتذرع بهذه القصة لضرب هيبة وسيادة العراق؟".

وأوضح تقي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة الإيرانية مارست هجمات إرهابية تجاه إيران، وهذا الأمر واضح، لكن تركيا تجاوزت الكثير من الخطوط الحمر في التعامل مع حزب العمال الكردستاني، بالتالي فإن أي مقترح أو طلب تركي لا بد أن يدرس بعناية من قبل البرلمان والحكومة".

أما الخبير الأمني سرمد البياتي فلفت إلى "صعوبة تطبيق أي اتفاقية بين أنقرة وبغداد بشأن العمال الكردستاني"، عازياً ذلك إلى "الأعداد الكبيرة لمقاتلي العمال مقارنة بالمعارضين الأكراد للنظام الإيراني، كما أن العمال لا ينتشر في مناطق محددة وواضحة، بل لديه وجود في عموم مدن إقليم كردستان، ناهيك عن كون السلاح لدى العمال متطور وكثير بالمقارنة بمسلحي المعارضة الإيرانية الذين قد لا يتجاوز عددهم المئات". وأضاف البياتي في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "معالجة ملف العمال الكردستاني قد يحتاج إلى تفاوض طويل، وربما تدويل القضية كما حدث مع مجاهدي خلق، لأنه ملف شائك ومعقد، ناهيك عن وجود جهات وأطراف داخل الحكومة العراقية على ارتباط وثيق مع حزب العمال".