أعلنت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا موقفاً حادّاً من الكيان الصهيوني، وحثت دول الاتحاد الأوروبي على قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وفرض الحظر على الأسلحة وعقوبات اقتصادية وتقديم رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، وجميع القادة السياسيين الذين قصفوا المدنيين في غزّة، إلى المحكمة الجنائية الدولية. ووصفت ما تقوم به إسرائيل بجرائم حرب، وإبادة جماعية مبرمجة، واتهمت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بتشجيع إسرائيل على ممارسة سياسة التفرقة العنصرية والعدوان. بينما، وعكس ذلك، أعلنت الدول الـ27 الأوروبية في بيان مشترك أنّها تدين حركة حماس، ووصفت هجماتها على إسرائيل بالإرهابية والعنيفة، كما الموقف الأميركي تماماً، ورفضت مجتمعة وقف إطلاق النار والعدوان.
أما وزيرة الدولة والتعاون الإماراتية ريم الهاشمي، فقد قالت في مجلس الأمن إن هجمات "حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بربرية وشنيعة، وطالبت الحركة بالإطلاق الفوري وغير المشروط للأسرى. وحين تنعقد أيّة مقارنة، نرى أن تصريحات الهاشمي تتطابق مع اتهامات دول الاتحاد الأوروبي لـ"حماس"، بينما تعدّ تصريحات الوزيرة الإسبانية، الشجاعة، أقوى الأصوات عالميّاً، بل وعربيّاً، لمواجهة الدولة الصهيونية في هذه اللحظة، وهو ما يجب أن تقتدي به الدول العربية، ولا تكتفي بالتنديد بالعدوان والمطالبة بإيقاف النار وضرورة إدخال المساعدات وإنهاء الاحتلال. أي يجب قطع كل العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال، وطرد السفراء من القاهرة وأبوظبي والمنامة وعمّان والرباط. وبالتالي، يصبح مبرّراً، وبسبب همجية الدولة الصهيونية وعنصريّتها وفاشيّتها، ورفضها كل الأصوات المطالبة بإيقاف العدوان وإدخال المساعدات، القيام بقطع تلك العلاقات.
مهم وصحيح رفض الدول العربية التهجير من غزّة والتنديد بالعدوان والتأكيد على ضرورة إنشاء دولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة في 1967، كما أكّد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في الجلسة الطارئة للأمم المتحدة، وبيان وزراء الخارجية العرب التسعة. ولكن اتخاذ خطوات سياسية قوية ضد العدوان، وضد الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية، والتهديد بقطع كل العلاقات في هذه الآونة، هو الضروري، حيث تتشارك الدول الغربية بما يشبه الحلف مع "إسرائيل" في ذلك العدوان، وقد اقترح الرئيس الفرنسي تشكيل حلف دولي ضد "حماس"، وهناك خطة أميركية لتجفيف مصادر تمويل "حماس"! الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي يرفضان تبنّي قرارٍ دولي من مجلس الأمن بإيقاف العدوان وإطلاق النار وبدء التفاوض أو مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية، بل وتصرّح الإدارة الأميركية بأن إيقاف إطلاق النار لم يحن موعده بعد. وفي هذا الوقت، تجاوز عدد الشهداء سبعة آلاف، والجرحى 16 ألفاً، وجرى تدمير أكثر من 180 ألف وحدة سكنية.
في لحظة الحروب هناك سياسات، وفي لحظة السلم سياساتٌ أخرى؛ عربياً، هناك ضرورة لموقفٍ رافضٍ للعدوان
المشكلة في ضعف الموقف العربي، وهذا ما تعتبره الدولة الصهيونية صكّاً قانونياً باستمرار المذبحة في غزّة، وفي الضفة الغربية، تجاوز عدد الشهداء في أسبوعين المائة. ولهذا لا تجد إسرائيل مبرّراً لتهديد الدول العربية، وتتركّز تصريحاتها ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، وبأنها ستعيد لبنان إلى ما قبل العصر الحجري. وتتحدّث بعض الأخبار أنّها هدّدت الرئيس السوري بتصفيته. وما زالت المناوشات مستمرّة بين حزب الله و"إسرائيل"، وسقط له أكثر من 47 قتيلاً، وهناك تقديرات عن إمكانية دخول الحزب الحرب في حال تفاقمت الأمور في غزّة، والمباشرة بالغزو البري الموسع، أو في حال تصاعد الخلاف الأميركي الإيراني، لا سيما أن الخطاب يتشدّد من الجهتين، والرسائل ترسل عبر المناوشات العسكرية في سورية والعراق واليمن.
ولا يعبّر حديث الوزيرة الإماراتية في مجلس الأمن عن موقف الدول العربية، حيث لم تنتقد أي عاصمة عربية حركة حماس أو عملية طوفان الأقصى بشكل مباشر، وظلّت الانتقادات تتعلق برفض مقتل المدنيين من الطرفين. كما أن موقف الوزيرة الإسبانية لا يعبّر عن موقف الدول الأوروبية، لكن التحالف الحاكم في هذا البلد يشارك في التظاهرات في إسبانيا تنديداً بالعدوان الصهيوني، وتتعاظم التظاهرات في أوروبا وأميركا، ويشارك فيها مثقفون وفنانون وسياسيون ضد العدوان ذاته. ويربط التيار الأوروبي والأميركي الرافض للعدوان ذلك بالحصار والاحتلال والاستيطان والاقتحامات المستمرّة للبلدات وللمسجد الأقصى بالتحديد، واعتقال المدنيين وقتلهم، وكذلك بالتمييز العنصري الصهيوني، وضرورة إيقاف العدوان مباشرة. وهناك تيار عربي، محدود، يكرّر الموقف الخاطئ الذي عبرت عنه الوزيرة الإماراتية ريم الهاشمي، ويبالغ في إعلانه بوقاحة، فيتبنّى مواقف الكيان الصهيوني ذاته في اجتثاث "حماس"، ويرى المشكلة الفلسطينية كلّها في "حماس"، بينما الصهاينة والفلسطينيون يفضلون السلامّ!.
الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو تفكيك دولة الاحتلال وإيجاد حل عادل وديمقراطي للقضية الفلسطينية، للعرب ولليهود بآن واحد
لم تكن مشكلة غزّة حركة حماس أبداً، كانت دائماً مشكلة الاحتلال الاستيطاني، ونظام الأبارتهايد في الكيان الصهيوني، وهو بالضبط ما أفشل كل اتفاقيات التطبيع بدءا بمصر، وحتى الاتفاقيات الإبراهيمية، حيث لم يعط الفلسطينيون حقوقهم في أراضي الـ67، وأَفشل بشكل قاطع اتفاقيات أوسلو، حتى أصبحت حكومة رام الله حكومة تنسيقٍ أمنيٍّ لاعتقال المناضلين ورافضي هذا الكيان، وربما لسلطة أوسلو. إن عدم إقامة دولة فلسطينية هو ما منع العرب، وفي مقدمتهم المصريون، من إقامة علاقات طبيعية مع هذا الكيان. ولهذا تخصّ كل اتفاقيات التطبيع الأنظمة، ومن أجل حمايتها، وضد مصلحة الشعوب العربية، وضد الفلسطينيين.
ليس موقف الوزيرة الاسبانية، وكل ما يقول كلامها، أهوج، أو عاطفياً، أو ميّالاً إلى العنف، ويرفض الحل العادل للقضية الفلسطينية أو يفضّل السلاح، أو ليس لديه انتقادات على "حماس". موقفها دقيق لجهة مواجهة العدوان الحالي؛ ففي لحظة الحروب هناك سياسات، وفي لحظة السلم سياساتٌ أخرى؛ عربياً، هناك ضرورة لموقفٍ رافضٍ للعدوان، وإيقاف كل أشكال العلاقات واتفاقيات التطبيع، وتهديد الإدارة الأميركية والأوروبية بقطع العلاقات الاقتصادية وسحب السفراء مثلاً.
رخصة الإبادة الجماعية الجارية للفلسطينيين، والمعطاة من الإدارة الأميركية والأوروبية تستدعي ما ورد أعلاه، والتأكيد على أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو تفكيك دولة الاحتلال وإيجاد حل عادل وديمقراطي للقضية الفلسطينية، للعرب ولليهود بآن واحد. هل هذا منطق طوباوي؟ بالتأكيد لا، ولكن، وفي حال صعوبة تحقيق ذلك، تجب إعادة تأكيد ما اتفقت عليه الدول العربية، أي مبادرة السلام العربية المعلنة في 2002، وهناك عشرات القرارات الدولية لحل القضية، وهناك إعادة تطبيق اتفاقية أوسلو. ومن دون ذلك، يجب السير بقطع كل العلاقات مع الدول الداعمة للكيان الصهيوني، كي يبدأ الاعتراف بالمشكلة، والتفاوض على حلّها.