يتطرق السفير الروسي في العراق إيلبروس كوتراشيف، في مقابلة مع "العربي الجديد"، إلى موقف بلاده الداعي لوقف إطلاق النار في غزة ووقف المجازر ضد أهلها، محذّراً من تفجر الصراع في المنطقة بحال استمرار الحرب. وفيما يعتبر أن الانحياز الأميركي إلى جانب إسرائيل وتجاهل حقوق الفلسطينيين، أحد أسباب عملية "طوفان الأقصى"، يتحدث عن العلاقات الروسية العراقية وسبل التعاون الممكنة وخصوصاً عبر مشروع طريق التنمية، والموقف الأميركي من العلاقة بين بغداد وموسكو، وكذلك علاقة العراق بإيران وملفات أخرى ذات صلة.
*نبدأ من تطورات الأوضاع في غزة والموقف الروسي في مجلس الأمن. كيف تنظرون إلى رفض واشنطن إصدار قرار بوقف الحرب؟
موقفنا هو وقف إطلاق النار فوراً، كونه أساساً للحل، والتمكين من فتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات وإغاثة المدنيين، وهو ما تبنته روسيا عبر مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي استخدمت أميركا الفيتو (حق النقض) لمنع صدوره، وروسيا ردّت بفيتو ثانٍ لرفض مشروع قرار أميركي لا يدعم وقف إطلاق النار.
كذلك فإن الولايات المتحدة تتسبب بتأزيم الأوضاع أكثر وباستمرار الحرب لأنها مستمرة بإرسال آلاف الأطنان من السلاح إلى إسرائيل وتشجيعها على استمرار الصراع، ونحن نرفض أي محاولة عبر هذه الحرب لتهجير سكان غزة من أرضهم ووطنهم، وندعم موقف العراق والدول العربية الرافضة لإعادة التوطين.
ممثل روسيا في مجلس الأمن (فاسيلي نيبينزيا)، عقّب على وقوع الآلاف من الضحايا، وسأل ممثلة أميركا (ليندا توماس غرينفيلد) "كيف تقبلون باستمرار إراقة الدماء وتكرار المآسي ضد النساء والأطفال والجرحى" ولم يأته أي رد. هنالك ازدواجية واضحة لدى واشنطن في التعامل مع الأحداث. الأميركيون يسمحون باستمرار المجازر ضد المدنيين في غزة وفي نفس الوقت يتهمون روسيا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا دون تقديم أي أدلة.
*قلتم في تصريح سابق إنه لا توجد أزمة في العالم لا تقف خلفها أميركا. هل ينطبق الأمر على الحرب الدائرة في غزة؟
طبعاً، أميركا لعبت دوراً سلبياً ومنحازاً لصالح إسرائيل لم يراع مصلحة الشعب الفلسطيني، وحاولت احتكار جهود التسوية بين الطرفين، إذ تمّ تشكيل منظومة متكاملة وإطار قانوني دولي على أساس حلّ الدولتين وتمّ تشكيل لجنة رباعية من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتحقيق هذا المشروع، لكنه عُطّل بفعل النهج الأميركي الذي تراجع عن تعهداته ورفض الشرعية الدولية بدعوى أن لدى واشنطن رؤية متكاملة للحل.
الأميركيون مسؤولون عمّا لحق بالفلسطينيين من ضرر بالغ نتيجة عدم مراعاة حقوقهم ما مهّد لـ 7 أكتوبر
هذا الأمر أشبه بحلول "التجار" عبر تقديم مغريات للدول العربية للاعتراف بتواجد وحدود إسرائيل على الأرض مقابل منح الفلسطينيين دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية وهو ما لم يتحقق إطلاقاً. واستمرت الولايات المتحدة بالضغط وابتزاز الدول العربية للسير في طريق التطبيع، وفي المقابل استمرت بالمماطلة، وهو ما شجع الجانب الإسرائيلي على توسيع الاستيطان والاعتداء على المقدسات الإسلامية واستخدام العنف ضد الفلسطينيين بلا حدود. هذا الأمر ولّد غضباً فلسطينياً فجّر الأوضاع مراراً في الأراضي الفلسطينية وولّد انفجاراً غير مسبوق في الأحداث الأخيرة بقطاع غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. الأميركيون مسؤولون عمّا لحق بالفلسطينيين من ضرر بالغ نتيجة عدم مراعاة حقوقهم ما مهّد لهذا التطور غير المسبوق.
*استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة، هل تعتقدون أنه سيفجّر الأوضاع في المنطقة وفي العراق أيضاً؟
القلق من حصول أمر كهذا موجود، والوضع ينفتح على العديد من التكهنات خصوصاً أن المنطقة قابلة للاشتعال في أي لحظة، ولأسباب عديدة بينها أن القضية الفلسطينية هي الهمّ الأساسي لشعوب الشرق الأوسط.
*ما هو موقفكم من حركة "حماس"؟
مواقفنا ثابتة بخصوص إيجاد حل للقضية الفلسطينية. أولاً حل الدولتين وهذا معناه إنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وثانياً نحن ندعم بشدة الإدارة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، وثالثاً، نحن نعترف بحماس كممثل عن الشعب الفلسطيني نتيجة الانتخابات التي أجريت عام 2006، ورابعاً نحن نطلب توحيد الصف الفلسطيني بين فتح وحماس وبين الضفة وقطاع غزة، ونحن نطلب، بل نطالب بفرض وقف إطلاق النار وهذا شرط رئيسي وبسبب هذا الشرط حصلت مواجهة بيننا وبين أميركا في مجلس الأمن واستخدمنا الفيتو على مشروعهم رداً على الفيتو الأميركي على مشروعنا، ونطلب فتح ممرات إنسانية وإيصال المساعدات.
*كيف تنظر روسيا إلى ما حدث في 7 أكتوبر من عملية للمقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة؟
ابتداءً، نحن نرفض سقوط ضحايا من المدنيين ومن أي طرف، ونرى أن أي تطورات هي نتيجة طبيعية للصراع الذي تمّ تجاوز الخطوط الحمراء خلاله أكثر من مرة على مدى الأعوام السابقة، وحذرنا مراراً من أن تجاهل أميركا وحلفائها المستمر لحقوق الشعب الفلسطيني سيولد الانفجار رفضاً لهذه السياسات، وموقفنا الحالي متوازن وندعو طرفي الصراع إلى إيقاف القتال والإفراج عن الأسرى من الطرفين.
*كيف تُقيّمون الموقف الحكومي العراقي والشعبي والداعي إلى إيقاف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية؟
الموقف الشعبي كان واضحاً وداعماً لإيقاف الحرب ووقف معاناة الشعب الفلسطيني، وكذلك كان خطاب رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني في قمة السلام بالقاهرة حول غزة الأقوى وكان صريحاً وواضحاً بتشخيص أساس المشاكل وما حصل من تطورات ودعا بشكل واضح وصريح إلى إيقاف الحرب التي يقع ضحيتها المدنيون وتسفك دماؤهم.
*موقف العراق، ما رأيكم به لجهة تطورات المنطقة، ومساهمة العراق في تطبيع العلاقات مع إيران والسعودية؟
ننظر إلى مساهمة العراق بتطبيع العلاقات بين دول المنطقة بكل ترحيب وارتياح، وخصوصاً الإنجاز التاريخي بإعادة العلاقات بين السعودية وإيران التي تحققت بفضل علاقات العراق الإيجابية بين الدولتين وهو ما أنجح وساطته، ونحن نرى أن تحسن العلاقات يصب في مصلحة الجميع في المنطقة ويساهم بالاستقرار فيها.
ننظر إلى مساهمة العراق بتطبيع العلاقات بين دول المنطقة بكل ترحيب وارتياح
*بالنسبة للعلاقات الثنائية... كيف تنظرون إلى واقع العلاقات بين العراق وروسيا، وهل هناك خطط لتوسيعها وكيف؟
العلاقات بين روسيا والعراق حالياً تمر بمرحلة إيجابية للغاية خصوصاً بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي الأخيرة إلى موسكو في أكتوبر الماضي (10 و11 أكتوبر). الزيارة يمكن وصفها بالتاريخية إذ إنها بحثت الأوضاع في المنطقة وتطرقت للحرب على غزة وتناولت العلاقات الثنائية وركّزت على سبل توسيع التعاون الاقتصادي والعسكري كذلك.
كما تمّ التطرق للفرص الاستثمارية في العراق والتي طرحت أمام الشركات الروسية لتوسيع حضورها ووعد الوفد العراقي بتوفير المتطلبات المشجعة، وهذه الفرص تشمل مجالات النفط والغاز وكذلك النقل والبنى التحتية عبر ما سيوفره مشروع طريق التنمية من فرص واعدة، وروسيا تدعم هذا المشروع بشدة وتعتبره مشروعاً استراتيجياً مهما للعراق والمنطقة وللاقتصادين العالمي والروسي بالذات، ونحن اقترحنا الانضمام عبر الشركات والمستثمرين الروس وكذلك في تسيير حركة البضائع.
نعتقد أن هذا المشروع سيدعم مشروع روسيا الاستراتيجي المسمى "ممر الشمال والجنوب" لنقل البضائع من روسيا إلى موانئ الخليج العربي وكذلك المحيط الهندي، ونحن مع أن يتم الربط بين المشروعين وهناك توافق بين الدول في المنطقة لتحقيق توجه كهذا.
*هل العراق قادر على توسيع علاقاته مع روسيا بوجود الضغوط الأميركية عليه؟
العراق دولة ذات سيادة وهو من يقرر نوعية علاقاته، وهو مصر على تطوير علاقاته المتوازنة مع روسيا المبنية على مصالح وطنية من الطرفين حتى وإن كانت هناك ضغوط أميركية، ونحن ضد أن تحاول أي دولة احتكار علاقات العراق لصالحها فقط وحكومته هي صاحبة القرار وقادرة على تحقيق التوازن بعلاقاتها مع الجميع. نحن ندعم المنافسة بين الدول على أساس منح المشاريع لشركات هذه الدولة أو تلك طالما كان التعاقد على أساس ما يحقق رؤية بغداد ومصلحتها.
العراق دولة ذات سيادة وهو من يقرر نوعية علاقاته، وهو مصر على تطوير علاقاته المتوازنة مع روسيا
*كيف تنظرون إلى العلاقات بين العراق وإيران والقيود الأميركية المفروضة على حركة التجارة بينهما؟
ما تفعله أميركا غير واقعي، لأن البلدين متجاوران ومن الأفضل أن تكون هنالك علاقات جيدة وحركة تجارية بينهما لأنها تصب في مصلحتهما، وهناك حالة استياء وغضب من البلدين وعدد من دول المنطقة بسبب التدخلات الأميركية والتلويح باستخدام العقوبات المالية، وكثير من الدول بدأت تبحث عن بديل للدولار في تعاملاتها داخليا وخارجياً وهو ما يضر بالاقتصاد الأميركي على المديين القريب والبعيد، كذلك فإن أميركا غير قادرة على فرض حصار على إيران من العراق لحاجته إلى استيراد الغاز منها وكذلك الكهرباء، وطالما تريد الحفاظ على علاقة إيجابية مع العراق فهي مجبرة على تقديم التسهيلات التي تسمح بنقل الأموال.
*الوجود الأميركي في العراق، ما هو موقفكم منه؟
هذا التواجد هو برغبة وطلب من الحكومة العراقية وهي صاحبة القرار ونعتبره شرعياً طالما كان برغبة بغداد، وكذلك هناك أصوات عراقية معترضة عليه. في المقابل فإن التواجد الأميركي في سورية غير شرعي لأنه تم دون موافقة حكومتها ونعتبره احتلالاً، ورأيي كدبلوماسي روسي أنه لو كان بالإمكان أن نشهد مغادرة القوات الأميركية من العراق والمنطقة فإن ذلك هو الأفضل للجميع ويصب في مصلحة المنطقة ككل.
سيرة ذاتية
- من مواليد 1975
- تخرج من جامعة مجيمو التابعة لوزارة الخارجية الروسية عام 1998
- يتحدث الإنكليزية والعربية
- بدأ العمل الدبلوماسي في عام 1998
- حمل رتبة مبعوث فوق العادة ومفوض من الدرجة الثانية في ديسمبر/كانون الأول 2017
- له خبرة واسعة في مناصب مختلفة في الديوان المركزي للوزارة وخارجها
- ما بين 2013-2015، عُيّن رئيساً لقسم مركز المواقف والأزمات في وزارة الخارجية
- ما بين 2015-2018، عُيّن في رتبة وزير مستشار السفارة الروسية في سورية
- عام 2018، عُيّن رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الروسية
- عيّن سفيراً بالعراق في 8 إبريل/نيسان 2021 بمرسوم من الرئيس فلاديمير بوتين