عاد الجدل مجدداً تجاه المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، بعد قرار إقالة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي من منصبه بتهمة "التزوير"، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وتعرضت المحكمة إلى جملة من التساؤلات التي طرحها الحلبوسي بنفسه بعد القرار، ضمنها عدم وجود صلاحية لها بإقالته، وتطويع المحكمة فقرات دستورية في غير محلها.
قرارات المحكمة تقترب من وجهات نظر سياسية
في المقابل، اعتبر مراقبون أن معظم القرارات الكبرى للمحكمة الاتحادية تقترب من وجهات نظر سياسية لزعماء أحزاب كبيرة، لعل أبرزهم نوري المالكي، الذي يُعرف عنه أنه يسيطر على القضاء من خلال مصالح وولاءات حزبية وسياسية واتفاقات وتفاهمات أسس لها في فترة رئاسته الحكومة لدورتين بين 2006 و2014.
قيادي في التيار الصدري: قرارات المحكمة تصب دائماً في صالح تحالف الإطار التنسيقي
وأعاد قرار إقالة الحلبوسي إلى أذهان العراقيين مواقف عديدة للمحكمة الاتحادية، لعل أبرزها عقب انتخابات البرلمان عام 2010، عندما انتُزِع حق تشكيل الحكومة من الكتلة الفائزة آنذاك "ائتلاف العراقية" بزعامة إياد علاوي، ومُنِح نوري المالكي فرصة للبقاء ولاية ثانية عبر تفسير "الكتلة الأكبر"، الذي ينص الدستور العراقي على أن تكون الفائزة في الانتخابات. لكن رئيس المحكمة آنذاك مدحت المحمود فسّرها بأن تكون الكتلة المشكلة عقب إعلان نتائج الانتخابات، وليست الفائزة فيها.
كما أن هناك قرارات وجدها عراقيون ومراقبون وقانونيون، وقتها، مخالفة للقانون، مثل إعادة فرز الأصوات يدوياً في انتخابات 2018 بناءً على طلب زعماء أحزاب، كان أبرزهم المالكي، وكذلك قرار المحكمة بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان العراق وإلغائه، ثم الحكم بمنع تمويل رواتب موظفي الإقليم.
أزمة بين المحكمة والصدر
كما فجرت المحكمة الاتحادية أزمة مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي هاجمها بسبب عدة قرارات لها كانت لا تصب في صالح مساعيه لتشكيل الحكومة الأخيرة، ما اضطر الصدر في النهاية إلى سحب نواب التيار من البرلمان وترك العمل السياسي، وصولاً إلى قرار منع عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى مقره في كركوك في سبتمبر/أيلول الماضي.
وأنشأت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في العام 2005، ومقرها في بغداد، وتتألف من رئيس وثمانية أعضاء، وتختص بالفصل في النزاعات الدستورية، وتعتبر قراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة. ورغم أن الدستور العراقي أقرَّ بأن تكون هذه المحكمة مستقلة، إلا أن الأحزاب النافذة تناوبت على طرح قضاة يمثلونها.
وتتخلص مهام المحكمة الاتحادية بـ"الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، والفصل في المنازعات القضائية والإدارية التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب".
مطالبة بتشريع قانون جديد للمحكمة الاتحادية
وخلال الأيام الماضية، طالب سياسيون وأعضاء في أحزاب نافذة بتشريع قانون جديد للمحكمة الاتحادية من أجل منع التأثيرات السياسية على قراراتها.
وقال وزير الخارجية الأسبق والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري إن "الوقت حان لتشريع قانون جديد لتشكيل المحكمة الاتحادية وفق ما جاء في الدستور".
وبيّن في بيان تعليقاً على قرار إقالة رئيس البرلمان: "قلناها ونقولها إن المحكمة الاتحادية غير دستورية، وتسيس قراراتها لتصفية حسابات سياسية داخلية وخارجية باسم القضاء والعدالة".
قرارات المحكمة تصب في صالح "الإطار التنسيقي"
من جهته، وصف قيادي بارز في التيار الصدري، طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، قرارات المحكمة الاتحادية بأنها "تصب دائماً في صالح تحالف الإطار التنسيقي والقوى المنضوية تحته". وأضاف أن "هذا الأمر أكدته الأزمات السياسية ما بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في 2021، وآخرها أزمة قضية الحلبوسي".
علي التميمي: بعض الأطراف السياسية التي تتضرر من بعض القرارات تروج أنها تُتخذ عبر الضغوط
وأضاف القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب ما قال إنها توجيهات من الصدر في الامتناع عن الإدلاء بتصريحات إعلامية، أن "الكتلة الصدرية لو لم تنسحب من مجلس النواب، وتمكنت من تشكيل الحكومة الأخيرة، لكانت أولى مهامها البرلمانية تعديل قانون المحكمة الاتحادية، من أجل الحد من بعض الصلاحيات التي تمتلكها وتستغلها، لوضع عراقيل أمام بعض الأطراف السياسية لصالح أطراف سياسية أخرى". وأكد أن "عودة التيار الصدري إلى البرلمان مرهونة بأمر الصدر، لكن إذا عاد، فإن تعديل قانون المحكمة الاتحادية سيكون أولوية".
وصدرت مواقف من سياسيين وأعضاء سابقين في مجلس النواب، أكدوا خلالها أن قرار المحكمة الاتحادية كان يهدف إلى إسقاط الحلبوسي لاعتبارات سياسية من جهة، وأخرى طائفية.
وأكد النائب السابق فائق الشيخ علي أن "قرار المحكمة الاتحادية كان سياسياً واستهدف الحلبوسي لأنه سياسي سُني، والمحكمة الاتحادية لا تجرؤ على الاقتراب من السياسيين الشيعة، كنوري المالكي وقيس الخزعلي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر وغيرهم".
كما قال السياسي العراقي مثال الآلوسي في تعليق له عبر منصة "إكس": "لو طُلب مني التصويت سياسياً على عزل الحلبوسي لما ترددت ثانية واحدة، ولكن هذه المحكمة لا تملك هذه الصلاحيات أبداً، وهي مُتهمة بالكثير المُثير للجدل".
من جانبه، لفت المحلل السياسي العراقي محمد علي الحكيم إلى أن "قرار المحكمة الاتحادية بات وملزم، ولا يقبل التمييز والاستئناف، لكن القضاء يمكن أن يبرئ الحلبوسي من أي تهمة ضده، كما فعل مع الكثيرين من قبله، بسبب الضغوط السياسية الداخلية والإقليمية والدولية".
واعتبر، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "قرار عودة الحلبوسي مرهون بالرغبة السياسية في تحقيق ذلك، بالتالي، فإن السياسة هي المتحكم".
بعض قرارات المحكمة تصب في صالح جهات محددة
وأشار الحكيم إلى أن "بعض القرارات القضائية تصب في صالح جهات سياسية محددة، ولهذا، هناك شكوك مستمرة في بعض القرارات القضائية المصيرية، وخشية من وجود ضغوط أدت إلى قرارات مهمة، وهذا الأمر دائماً ما ينفيه القضاء العراقي".
في المقابل، بيَّن الخبير في الشأن القانوني علي التميمي أنه "من خلال متابعة عمل وقرارات المحكمة الاتحادية العليا خلال السنوات الماضية، فالمحكمة عملت على تطبيق النصوص الدستورية واتخاذ القرارات بشكل حاد من دون أي ضغوط سياسية".
وأكد التميمي، لـ"العربي الجديد"، أن "أي جهة قضائية تتعرض إلى ضغوط وتهديدات، لكن هذا لا يعني أنها تستجيب، وأن القضاء العراقي معروف بمهنيته، لكن بعض الأطراف السياسية التي تتضرر من بعض القرارات تروج أن القرارات تُتخذ عبر الضغوط".