قدم المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي إحاطة إلى أعضاء مجلس الأمن كان عنوانها العريض مماطلة وعرقلة القادة الأساسيين الخمسة في ليبيا لجهوده من أجل إنهاء حالة الانسداد السياسي، داعياً إياهم إلى "تقاسم مقترحاتهم بشأن سبل تسويتها في عملية سياسية جامعة".
وقال باتيلي في إحاطته، أمس الاثنين، إن القادة الليبيين تجاوبوا مع دعوته لهم لعقد اجتماع خماسي يضم القادة الأساسيين لإنهاء حالة الجمود السياسي والاتجاه نحو إجراء انتخابات في البلاد، إلا أنه أردف بأنهم "يراوحون مكانهم، ولم يبدوا التزاماً قاطعاً بإنهاء حالة الجمود السياسي"، مشيراً إلى أنّ "البعض منهم وضع شروطاً للمشاركة".
ويتعلق حديث باتيلي بالمبادرة التي أعلنها في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدعوة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وقائد مليشيات شرقي ليبيا خليفة حفتر، لعقد لقاء خماسي من أجل "التوصل إلى تسوية سياسية حول القضايا مثار الخلاف السياسي والمرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية".
ودعا هؤلاء إلى تسمية ممثليهم للمشاركة في اجتماع تحضيري لتحديد "موعد اجتماع قادة مؤسساتهم ومكان انعقاده وجدول أعماله، وتحديد المسائل العالقة التي يتوجب حلها لتمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الشروع في تنفيذ قانوني الانتخابات الصادرين عن مجلس النواب".
وشرح باتيلي، خلال إحاطته، مواقف القادة الخمسة قائلاً إنّ "المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي أبدى دعما واضحاً وملموسا يلتزم بحسن النية لإنجاح الحوار". أما عن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح "فقد اشترط حضوره بضرورة أن يركز جدول أعماله على تشكيل حكومة جديدة، ورفض مشاركة الدبيبة".
وعن المجلس الأعلى للدولة، قال باتيلي إن رئيسه محمد تكالة "قدم ثلاثة أسماء ممثلين لحضور الاجتماع، رغم رفضه لمسودة القوانين الانتخابية التي نشرها مجلس النواب"، وكذلك فعل الدبيبة، إذ "قدم أسماء ممثلي حكومة الوحدة الوطنية، وعبر عن استعداده لمناقشة المسائل العالقة في القوانين الانتخابية، إلا أنه رفض رفضا قاطعا إجراء أي مناقشات بشأن تغيير الحكومة".
أما حفتر، فقد قبل المشاركة، بحسب باتيلي، "لكنه اشترط مشاركة حكومة الدبيبة ومشاركة الحكومة المعينة من مجلس النواب أو استبعاد الحكومتين من المشاركة".
باتيلي يدعو لتقاسم المقترحات
وعبر باتيلي عن استيائه من طريقة تعاطي القادة الخمسة مع جهوده، وقال "هناك شعور بالإعياء الشديد والإرهاق بسبب تكتيكات التأخير التي تلعبها بعض الأطراف السياسية الليبية"، ودعا القادة الخمسة "إلى تقاسم مقترحاتهم بشأن سبل تسويتها في عملية سياسية جامعة"، مؤكداً أنّ القوانين الانتخابية "لن تتمكن وحدها من الوصول إلى انتخابات رئاسية وتشريعية"، بل يتحقق ذلك بالتوصل إلى "اتفاق سياسي بين الأطراف الليبية".
النص الكامل لإحاطتي لمجلس الأمن حول أخر التطورات السياسية والأمنية في #ليبيا - 18 يسمبر 2023 https://t.co/zlJmTP23bd
— SRSG Abdoulaye Bathily (@Bathily_UNSMIL) December 19, 2023
وقبيل الإحاطة شهد مقر حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس اجتماعا ضم الدبيبة وتكالة إلى جانب عضوي المجلس الرئاسي موسى الكوني وعبد الله اللافي، خلص إلى اتفاق المجتمعين على دعم جهود البعثة الأممية في عقد الاجتماع الخماسي، و"أهمية التعامل بإيجابية وجهوزية في الاجتماعات التحضيرية دون أي شروط مسبقة تغليباً للمصلحة الوطنية العامة"، ودعوا إلى ضرورة "التنازل من أجل الوطن الذي هو رفعة من أجل مستقبل شعبنا"، بحسب بيان مشترك للاجتماع نشره المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية.
وجاء اجتماع القادة في طرابلس بعد يومين من اجتماع آخر ضم المنفي وصالح وحفتر في القاهرة، رحبوا فيه بدعوة باتيلي لحوار خماسي، مشترطين "عدم إقصاء أي طرف ومراعاة تحفظات ومطالب المجتمعين والأخذ بها"، بحسب بيان مشترك لهم نشره مكتب قيادة حفتر الإعلامي.
وسبق أن أكدت مصادر ليبية متطابقة لـ"العربي الجديد"، تسمية الدبيبة وتكالة وصالح ممثليهم في الاجتماع التحضيري الذي دعا إليه باتيلي، يحدد فيه ممثلو القادة الخمسة "موعد" اجتماعهم و"مكان انعقاده وجدول أعماله، وتحديد المسائل العالقة" في ملف الانتخابات.
إحاطة باتيلي بمثابة إعلان فشل مبادرته
في الأثناء، اعتبر الباحث في الشأن السياسي عيسى همومه أن إحاطة باتيلي "بمثابة إعلان عن فشله مبادرته" لجمع القادة الخمسة.
وقال لـ"العربي الجديد": "باتيلي انطلق من دعم دولي وأممي واضح ومعلن، والآن إحاطته خلت من أي دعم صريح من طرف أعضاء مجلس الأمن، كما أنه لم يستحث المجتمع الدولي كعادته للضغط على الأطراف الليبية للرضوخ وقبول مبادرته من دون شروط، ولذا فلهجة خطابه سيطر عليها اليأس".
وتابع همومه قراءته لمضمون الإحاطة بالقول: "باتيلي دعا القادة الخمسة لتقاسم مقترحاتهم، وهو يعني هنا شروطهم التي أبلغوها له بشأن مشاركتهم، وهذه الرسالة دليل آخر على عجزه، فبخلاف إحاطاته السابقة التي كان يستقوي فيها بالمجتمع الدولي، انخفض مستوى قوة خطابه لحد توجهه لمخاطبة الأطراف المحلية التي اعترف بأن شروطها التي سماها بالمقترحات هي مواقف للمماطلة".
وأضاف: "زيارة صالح إلى تركيا تكشف عن انشغال إقليمي ودولي عن الملف الليبي بقضايا أخرى أكثر أهمية في هذه المرحلة، فلم يتمكن صالح من تغيير الموقف التركي حيال الدبيبة وضرورة إقصائه، وحتى القاهرة لم تحتضن أي موقف واضح على الرغم من احتضانها للقاء صالح بحفتر والمنفي، وكل هذا تعكسه إحاطة باتيلي التي تحمل استياءً من تراجع الدعم الإقليمي والدولي لمبادرته".
وكان صالح قد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، الأربعاء الماضي، لمناقشة ملفات سياسية، من بينها "تشكيل حكومة جديدة" في ليبيا "مهمتها الإشراف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة"، بحسب المكتب الإعلامي لمجلس النواب الليبي. وطالب أردوغان الأطراف الليبية بـ"الإسراع في إيجاد حل توافقي للأزمة الليبية".
وعن مستقبل المبادرة، لفت همومه إلى أن اصطفافات بدأت تتشكل في المشهد، متوقعا فشل مبادرة باتيلي بشكل أكثر وضوحا، "فبعدما ظهر المنفي وصالح وحفتر في اجتماع القاهرة، تمكن الدبيبة من حشد حلفه في المقابل والإعلان عنه، مؤلفاً من تكالة وعضوي المجلس الرئاسي الكوني واللافي".
وأضاف: "لقد انقسم المجلس الرئاسي على نفسه، فحتى وإن أوفد أعضاؤه الثلاثة ممثلاً عن كل منهم فسيكون موقف المجلس الرئاسي منقسما، وسيذهب مجلسا النواب والدولة قريبا للانقسام أيضا بسبب الخلافات العميقة والقديمة بين رئاستي المجلسين وأعضائهما".
باتيلي يبلغ المجتمع الدولي باستيائه
في المقابل، يرى أستاذ العلاقات الدولية نصر الدين أبورقيبة أن باتيلي "لم يعلن فشل مبادرته، بل ذهب ليبلغ المجتمع الدولي باستيائه من تراجع دعمه لمبادرته"، مشيراً إلى أن الإحاطة بمثابة حث القوى الدولية الفاعلة في الملف الليبي على تجديد دعمها لمبادرته.
وفي توضيح أكثر، قال أبورقيبة لـ"العربي الجديد": "لقد خبرنا طريقة تعاطي الفرقاء السياسيين الليبيين مع أي اتجاه دولي في الملف الليبي، فالمماطلة ومحاولة صنع العراقيل للحصول على أكبر قدر من المكاسب ثم الانخراط في أي تسوية أو مبادرة يطرحها المجتمع الدولي، هذه الطريقة التي لا يستطيع القادة المحليون تجاوزها أو لعب غيرها".
وعن قراءته لمستقبل مبادرة باتيلي، أوضح أبورقيبة: "سيستمر الجمود لفترة، وطول هذه الفترة أو قصرها مرتبط بالتفاهمات الدولية، ربما تكون هناك خلافات دولية وإقليمية في الملف الليبي تنتظر التقاربات والتفاهم خصوصا مع النشاط الروسي غير الواضح في ليبيا، وربما يكون هذا البطء في الموقف الدولي سببه الانشغال بملفات ساخنة في المنطقة، كملف فلسطين مثلاً".