رحل عام 2023 وأصبح أثراً بعد عين، لأن هذه دورة الحياة، لكل بداية نهاية، فتتوالى الأعوام وتمضي إلى غياهب النسيان، لكننا لو دققنا في هذه الأعوام لعرفنا أنها هي أعمارنا تتساقط كأوراق الخريف أمام أعيننا.
نحن البشر مَنْ اصطلحنا على هذه التقاويم التي توثق بداية عام ونهاية آخر، وكأننا نريد أن نمسك بنقطة معينة في مجرى الزمن الذاهب بنا من الماضي إلى المستقبل، مع إقامة تطول أو تقصر في الحاضر، وهذه المسميات الثلاثة أيضاً من اصطلاحاتنا.
عام 2023 كان حافلاً بالأحداث التي شدت البشرية، لعل معركة غزة، التي لا يزال أوارها مشتعلاً، هي من أكثر الأحداث حضوراً.
بالطبع لن ننسى حرب الجنرالين البرهان وحميدتي في السودان المنكوب، والتي اندلعت في منتصف إبريل الفائت، ولا يزال السودانيون يصطلون بنيرانها دون أفق لتوقف زمجرات المدافع وقصف الطائرات وأزيز الرصاص.
وهناك في شرق أوروبا لا تزال حرب روسيا ضد أوكرانيا مشتعلةً منذ فبراير 2022، وتتوالى فصولها الدموية في ظل مد الغرب أوكرانيا بالسلاح، وكأنهم يغذون المحرقة بالحطب اللازم لتدفئة برد شتاء أوروبا القارس!
لكن الإعلام العربي انشغل عن كل هذا بمعركة غزة، وله الحق في ذلك؛ فطوفان الأقصى الذي فوجئت به إسرائيل في صباح السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم جعل الكاميرا رابضةً على أرض غزة كي توثق الملاحم والمجازر؛ الملاحم التي تخوضها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد الكيان المحتل للأرض منذ أكثر من 75 سنة، ملاحم تخطت اليوم الثمانين من الصمود في ظل تفاوت العتاد العسكري بين الطرفين، خصوصاً مع الدعم القادم إلى إسرائيل من معظم دول الغرب، تتصدرها في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.
طوفان الأقصى الذي تفاجأت به إسرائيل في صباح السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، جعل الكاميرا رابضةً على أرض غزة كي توثق الملاحم والمجازر
وتوثق الكاميرا أيضاً المجازر التي لا تتوانى إسرائيل في ارتكابها بدم بارد تحت مظلة الحماية الأميركية المطلقة بكل أشكالها، بما لها من (فيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرار لإيقاف تلك المجازر.
إن أميركا هي الشريك الرئيسي فيما تقوم به إسرائيل من انتهاكات بحق الإنسانية على أرض غزة، وكذلك مدن الضفة الغربية، على حد سواء.
وهكذا رحل عام 2023 ونحن في هذا الجحيم مصطلون، فماذا يخبئ لنا عام 2024؟
طبعاً، الله أعلم هو الجواب الجاهز!
لكن هذا لا يمنع التوقعات البشرية على حسب المؤشرات الحياتية الموجودة أمامنا؛ لأن عام 2024 لن يكون في معزل عن عام 2023، ولا عن الأعوام التي قبله، فهو الوريث الشرعي لكل تلك الأعوام.
فماذا يخبئ لنا هذا العام؟
أظن أن معركة غزة ستستمر حتى منتصف العام، بمزيد من الشهداء يرتقون إلى بارئهم، وعظيم من الصمود والبسالة لفصائل المقاومة الفلسطينية، ومزيد من العنجهية والدموية لإسرائيل في ظل الصمت العربي الرسمي المطبق كصمت القبور، وإن ندت تصريحات هنا أو هناك، لا قيمة لها.
لكن ما أعتقده أن الموقف الأوروبي سيتغير نوعاً مع استمرار مجازر إسرائيل بحق المدنيين، فلن يظل الدعم كما هو عليه الآن، وذلك لاستمرار المظاهرات الشعبية التي تملأ مدن وعواصم الغرب.
مظاهرات تجعلنا نحن العرب نتصبب خجلاً، ونحن قابعون في دولنا (العربية) كأن الموضوع لا علاقة لنا به، وكأن تلك الشعوب الأوروبية هي ذوات أواصر متينة بالقضية الفلسطينية!
ما أظنه أن الرئيس الأميركي جوزيف بايدن سيخسر الانتخابات القادمة في ظل تدني شعبيته حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، بيد أن هذا لا يدعو للتفاؤل كثيراً، فأي إدارة تمسك بمقاليد السلطة في البيت الأبيض ستظل في دعمها لإسرائيل!
وأظن أن هجمات محاور المقاومة ستستمر؛ في الجنوب اللبناني، وكذلك على محورا العراق واليمن، وهذه الأخيرة لن يفت في عضدها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، كما تزعم، لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وأظن أن الهجمات ستتخذ شكلاً آخر!
لا أدري كنهها الآن، لكنها لن تتوقف.
أما أحداثنا العربية الأخرى، فلا أظن الآفاق مفتوحة الآن لحلها أو حلحلتها، في لهيب الأتون العالمي في غزة أو أوكرانيا، لذا ستجري على نفس وتيرة العام المنصرم، وربما ستتطور للأسوأ، والله أعلم.