رحيم رزاق الجبوري
ليس من السهل أو اليسير أن تقدم لمحة وفكرة هادفة، تناقش موضوعا معينا في مجتمع اعتاد على لون ونمط معينين جُبِلت ذائقته عليهما، وباستخدام وسائل غير نمطية وغير معتادة فهذا هو التحدي بعينه؟ كيف لا وأنت تخاطب جميع طبقات المجتمع وتحاول إيصال مبتغاك من خلال هذا الفن، وتطرح في ثناياه رسالتك الهادفة، بتقنية جديدة وجاذبة لم تألفها العين بهذا الشكل. فقد استطاعت {أفلام الأنيميشن} أن تحقق هذا الغرض وتحلق عاليا في خيال الجمهور، رغم حداثة التجربة في بلادنا لكنها تبشر ببزوغ نجوم ساطعة اختارت الولوج لهذا العالم والإبحار في فضاءاته الساحرة بإمكانيات ومجهودات ذاتية، كما استطاعت أن تحقق اسما ومكانة في المحافل العربية والدولية.
لمحة
يقول صباح رحيمة (كاتب ومخرج): "بدأت صناعة أفلام الأنيميشن تدخل عالم السينما وتقدم المواضيع، التي تهم المجتمع وتعالج مشكلاته وصار لهذا الفن صناع معروفون، وشركات متخصصة بإنتاجه وتطورت الأجهزة والتقنيات الخاصة بصناعته. وبعدما كانت مقتصرة على تقديم أفلام التسلية للأطفال والتعليم، والترويج واستعمالها كعناوين (تايتلات) للأفلام أو المسلسلات؛ ها هي اليوم تصنع لتقدم للمشاهد قيما فكرية وأخلاقية ومتعة بصرية، حاكت ما يدور في محيط الإنسان مثل غيرها من الأفلام السينمائية الاعتيادية؛ ولكنها تميزت عن تلك بنفقات إنتاجها العالية وبمعدات تقنية دقيقة، وأطقم محترفة وكذلك استهلاكها للوقت الكبير الذي تأخذه من صناعها".
مراكز خاصة
فيما يعد وليد عبد صيهود (مصمم ونحات شخصيات ثلاثية الأبعاد) هذا الفن من أهم الفنون في عصرنا الحديث، لأنه يتيح لك الحرية بصناعة ونشر جميع الأفكار التربوية والتعليمية والثقافية والسياسية وغيرها؛ لما فيه من مرونة في خلق عوالم خيالية ومشاهد غير ممكنة في الطرق التقليدية الأخرى مثل التصوير السينمائي. مشيرا لوجود عدة مراكز متخصصة بصناعته في العرق، أهمها: مركز في قناة كربلاء يترأسه عدي عبد الكاظم، ومركز الجود للرسوم المتحركة التابع للعتبة العباسية المقدسة لمسؤوله أحمد ماميثة، ومركز جي فورس في الموصل ويشرف عليه مهند الكاتب.
نواة
عدي عبد الكاظم (مخرج سينمائي وصانع أفلام أنيميشن يعد من أبرز المخرجين والمصممين العراقيين للرسوم المتحركة بتقنية الأنيميشن، ونالت أعماله الفنية شهرة واسعة وجوائز داخل العراق وخارجه، يتحدث قائلا: "اتسمت التجربة العراقية في مجال الرسوم المتحركة بالتحديات والفرص، مما يعكس تاريخ البلاد المضطرب وصمود فنانيها ومبدعيها. وساهم العراق بإنتاج أول فيلم رسوم متحركة عراقي عام 1982، حمل عنوان (الأميرة والنهر) إخراج فيصل الياسري. وتم تصميم الأشكال والرسوم في جمهورية ألمانيا الشرقية، حيث أصبح الفيلم عنصرا أساسيا في ذاكرة الطفولة العراقية، مما عزز البنية التحتية الإعلامية خلال تلك الحقبة بهذه التجربة الناجحة".
ولادة جديدة
ويضيف: "بعد 2003 كان لي دور في إعادة المشهد الفني في صناعة وإخراج أفلام الرسوم المتحركة، حيث عملت مع فريقي بتطوير هذه الصناعة والالتحاق بعدة دورات داخل العراق وخارجه؛ حتى قمت بتأسيس فريق عمل احترافي من مختلف محافظات العراق، وافتتحنا مركزا للرسوم المتحركة في تلفزيون النبأ المحلي بكركوك عام 2004 وفي عام 2011 أسسنا مركزا آخر في مجموعة قنوات كربلاء الفضائية، وأنتجنا العديد من المسلسلات والأفلام القصيرة التي جالت المهرجانات السينمائية، ومن خلال هذه التجارب؛ برزت أسماء عراقية في هذا المجال من الحقبتين الماضية والحالية؛ واتسمت أعمالهم بالرقي والتميز. وتعد تجربتنا العراقية في الرسوم المتحركة هي شهادة على صمود وإبداع فنانيها، الذين اجتازوا التحديات واستخدموا الفن كأداة لإعادة البناء الثقافي للبلد. ولكننا نعاني من قلة الدعم المؤسساتي والحكومي، لكون هذه الصناعة معقدة وتحتاج إلى مبالغ طائلة، إضافة إلى الحاجة لإنشاء بنى تحتية لمراكز التدريب والتدريس والإنتاج والتسويق".
تجارب مهمة
إلى ذلك يستعرض حسين العكيلي (مخرج روائي وأنيميشن وصانع للعديد من الأفلام القصيرة) جانبا من بدايات هذا الفن، وأبرز صناعه في البلاد، إذ يقول: "بعد عام 2003 انفتح العراق على العالم من خلال دخول الميديا وتواصل أكثر صناع سينما الأنيميشن مع المهرجانات الدولية والتعرف على آلية صناعته، وبدأت مراحل صناعة الأفلام في عام 2004 في أول فيلم صنعه المخرج فاخر حسين تحت عنوان (الصديقان) وتلتها تجارب عديدة بزغ نورها. وتطورت الصنعة لدى مخرجين شباب منهم خالد البياتي في فيلم (بالونات) عام 2013 وأنس الموسوي في أول تجربة مهمة له بفيلم (قصة حياة) عام 2016 ومن خلال انتشار ثقافة أفلام التحريك بين صناع السينما العراقية؛ برزت أسماء مبدعة، منها: عدي عبد الكاظم، وإياد عبد الحسن، وزيد شكر، ومهند الكاتب، وأحمد ماميثة، وميثم هاشم؛ فقد استطاع هؤلاء أن يضعوا بصمتها في عالم التحريك من خلال نتاجهم الفيلمي على الرغم من معرفتنا بصعوبة صناعة أفلام من هذا النوع، لكونها بحاجة إلى تقنيات وأجهزة حاسوب وبرامج رسم وتحريك وتصميم غالية الثمن، وثبتوا جذورا مهمة لهذا الجنس السينمائي من خلال صناعة مجموعة من الأفلام لا يستهان بها وجميعها هي نتاجهم الشخصي ومن حسابهم الخاص".
حضورٌ لافت
بدوره يرى علي عبد الستار (مخرج سينمائي): "إن اتساع حجم الثورة التكنولوجية في العالم ودخولنا للحياة الرقمية بشكل كبير، وتوفر التقنيات الحديثة وبرامج الرسوم والتصميم ساهم ببداية صناعة أفلام الأنيميشن وانتشارها في العراق؛ على الرغم من أننا لا نمتلك إرثا فنيا بصناعتها. لكن العديد من المخرجين العراقيين وبمجهودات ذاتية قاموا بصناعة العديد من هذه الأفلام القصيرة، وبقصص مختلفة تعبر عن العديد من القضايا المهمة، وشكلت حضورا لافتا في الكثير من المهرجانات العراقية والعربية والعالمية. ورغم تمثيلها للعراق ورؤيته وهي تنال الكثير من الجوائز وهو أمر مفرح جدا؛ إلا أننا نأمل بإنتاج (فيلم أنيميشن طويل) ويكون فيلم شباك تذاكر. فلدينا الطاقات والكفاءات التي تستطيع تنفيذه وتغني الساحة السينمائية به".
سلاحٌ فتاك
ويؤكد مخرج الرسوم المتحركة (زيد شكر)، أن هذا الفن يستهدف في المقام الأول الأطفال الذين يتأثرون بشكل غير اعتيادي يفوق التصور بالرسوم المتحركة، فهي تؤثر في سلوكهم وانطباعاتهم وتصرفاتهم مع الآخر تأثيرا إيجابيا أو سلبيا، وهنا مفترق طرق. فهذا التأثر يعتمد على طبيعة الأعمال الكارتونية التي يشاهدونها، ومدى تأثرهم بهذا السلاح الفتاك، الذي يعد من أصعب وأغلى وأندر الصناعات في العالم، حيث تتمتع بهذه الصناعة دول متطورة ولكنها معدودة، وهذا الكنز الثمين يحقق إيرادات مادية ومعنوية عالية، فضلا عن توثيقه ونشره حضارات وتقاليد وعادات تلك الدول المساهمة في صناعة الرسوم المتحركة، التي لا تتعرض للتلف، لأنها تصنع على شكل فيديو يعرض في السينما والتلفزيون، ومن ثم يرفع على شبكة الإنترنت، ومن هذا المنطلق بدأت مجموعات من الشباب الهواة والشركات الصغيرة في الوطن العربي بشكل عام، والعراق بشكل خاص، في التصدي لسلبيات هذا السلاح الفتاك وتحقيق الحلم بإنتاج الرسوم المتحركة الهادفة التي تساهم وبشكل كبير في تربية وإعداد وتهذيب الأطفال للخروج بجيل طيب وواع يبني البلاد، فإذا تمكنا من التصدي لهذه الموجات السلبية التي بثها ويبثها هذا السلاح في إنتاج أعمال كارتونية تساير التطور لنخلص أطفالنا من العادات والظواهر السيئة؛ فأننا قد نلنا مرادنا وكل هذا يهيئنا ويمكننا من التصدي للسلاح الأقوى وهو ألعاب الفيديو".
فيلمٌ عراقيٌّ طويل
يروي فراس قاسم (رسام ومخرج مسلسلات كارتونية) رحلته وكيفية دخوله لهذا العالم الساحر، إذ يقول: "تعلمت من خلال الإنترنت وصقلت تجربتي وأصبحت مهاراتي قوية في الرسم والتصميم والتحريك، فضلا عن القدرة على إيصال القصة، وإثارة المشاعر لدى الجمهور، من خلال إضافة المشاعر للشخصيات. وتوصلت إلى فهم عميق لعملية صناعة مسلسلات الأنيميشن وأغاني الأطفال والتقنيات المستخدمة في الرسوم المتحركة، وابتكرت طرقا ناجحة لإدارة فريق عمل ناجح، فضلا على مواكبتي المستمرة لآخر المستجدات في هذا المجال، الذي يعد مظلوما في البلد فلا يوجد دعم أو قنوات أو شركات تبدي اهتماما له؛ والمستغرب عدم وجود كليات أو معاهد تدرس فن الأنيميشن. ورغم ذلك كله؛ فأننا نمتلك فنانين وتجارب بصناعة الأفلام القصيرة والمسلسلات الكارتونية نالت جوائز عالمية؛ لكننا فقط نحتاج للاهتمام الإعلامي والدعم المادي حتى ننطلق بصناعة أول فيلم أنيميشن عراقي طويل".
مهرجان بابل للأنيميشن
المخرج والممثل السينمائي جمال أمين، تمنى من القائمين على (مهرجان بابل لسينما الأنيميشن)، الذي أقيم مؤخرا؛ بتطوير مفرداته وزيادة عدد أيامه، وأن يحظى بدعم ورعاية كبيرة من قبل وزارة الثقافة والسياحة والآثار، وأن تسهم بإنتاج أفلام عراقية كي نحظى ببزوغ فنانين ينافسون عربيا وعالميا. كما رجا من صناع الأفلام أن يشتغلوا كثيرا على السيناريو وصناعة وخلق الكاريكترات، وأن يكون هنالك مخرج للفيلم؛ لأن بعض صناع الأنيميشن ليست لديهم خبرة في صناعة الفيلم؛ فهؤلاء متخصصون بصنع الصورة والحركة للشخصيات الكارتونية وهذا ليس كافيا. وطالب بأن تكون هنالك ورش تقنية تنظم على هامش المهرجان مع إقامة الندوات والدراسات والبحوث، التي تساعد الشباب على تطوير مواهبهم وقدراتهم".