محمد حسن الساعدي
بات من المنطقي جداً أنَّ زيارة أي رئيس وزراء عراقي إلى الولايات المتحدة الأميركيَّة، تعني قبولاً بالواقع السياسي الجديد للعراق، وعلى واشنطن أنْ تتعامل مع هذا الواقع ليس وفق رغبتها فحسب، بل هو إرادة سياسيَّة عبَّرت عن صوت الشارع العراقي، والذي جاء عبر صناديق الاقتراع، بالمقابل يدرك السيد السوداني أنَّ زيارته إذا لم يكن مرحباً بها في البيت الأبيض، فهذا يعني أنه سيواجه عقباتٍ كبيرة في سيرته وعمله السياسي والتنفيذي.
لذلك بالفعل كانت الزيارة لافتة ومهمة وحظيت باهتمامٍ كبيرٍ من قبل الإدارة الأميركيَّة، من حيث الاستقبال والأهمية، إذ ترأس فيها السيد السوداني وفداً مهماً كان فيها على رأس طاولة المفاوضات.
تنظر القوى السياسية العراقيَّة إلى هذه الزيارة بعين الحذر، لأن نجاحها يعني انتقال العراق من مرحلة إلى مرحلة جديدة، خصوصاً مع وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركيَّة من العراق، أو الاتفاق على الخطوط العريضة لمهمة القوات الأميركيَّة القادمة، كما من المتوقع سيكون هناك رفع للعقوبات على بعض المصارف العراقيَّة المدرجة في القائمة السوداء الأميركيَّة، بالمقابل فإن واشنطن تنظر إلى الزيارة على انها خطوة استراتيجية في وضع العراق على طريق الاستقرار السياسي، خصوصاً مع الاستقرار الامني في البلاد والذي انعكس بصورة إيجابية على الوضع السياسي وتفعيل ملف الاستثمار والمشاريع العمرانية الكبرى، وربما سيكون دافعاً لواشنطن باتجاه تشجيع الشركات الأميركيَّة على الدخول إلى السوق العراقيَّة، خصوصاً في مجال الطاقة والكهرباء والبنى التحتية الأخرى، وهذا ما تعمل عليه بغداد لتكون نقطة توازن وتهدئة في منطقة الشرق الأوسط ولجميع الاطراف الاقليمية والدولية.
تنظر واشنطن للسيد السوداني على أنه شخصية سياسية، تجسد واقع وأحلام وتطلعات الشعب العراقي، ويبدو أنه نجح إلى حد ما داخلياً ويريد أن يتفوق أقليمياً ودولياً، ويثبت نجاحه في هذه الملفات المعقدة، ويعيد ثقة المجتمع الدولي بالعراق الجديد، ويعكس واقع الديمقراطية المنتجة، التي استطاعت أن تضع مبدأ التبادل السلمي للسلطة بعد سنوات من التفرد والظلم والديكتاتورية، وعكس صورة معقولة للحكم في العراق، ويحاول الآن أن يصل إلى الشبكات المعقدة للعلاقات الدولية بشكل عام، التي منها الولايات المتحدة الأميركيَّة، لذلك يدرك السيد السوداني أن زيارته فيها الكثير من المحطات المهمة، وأن يعمل جاهداً من أجل عكس صورة جيدة للحكم وللديمقراطية في البلاد.
الزيارة ستحقق هدفاً ومرحلة جديدة للشراكة الاستراتيجيَّة بين بغداد وواشنطن، والتي بالتأكيد ستكون الداعم لسيادة العراق واستقلالية قراره السياسي والسيادي، والتأكيد على إبعاده عن أي صراعٍ محتملٍ في المنطقة خصوصاً في ظل الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل وبتدخل مباشر مع المجتمع الدولي، لذلك يدرك الجميع سواء القوى السياسيَّة أو حكومة السيد السوداني، أنَّ هناك عملاً مضنياً ومهماً ينتظره في إبعاد العراق من أنْ تكون أرضه ساحة حربٍ للآخرين، بل على العكس أنْ يكون طاولة للحوار وتقريب وجهات النظر ين جميع الأطراف المتصارعة، كما على الحكومة العراقيَّة فتح ملف علاقات العراق مع العالم، والبدء بإطلاق رسائل مطمئنة بأنَّ العراق بدأ يتعافى وقادرٌ على اتخاذ قراره بنفسه، بعيداً عن أي تأثير داخلي أو خارجي ممكن أنْ يؤثر في استقلاليَّة العراق السياسي والسياد.