رزاق عداي
كان هنري كيسنجر المفكر الاستراتيجي ووزير خارجية أمريكا الاسبق قد اقترح في بداية الحرب الروسية -الاوكرانية أن تتنازل أوكرانيا عن بعض من أراضيها إلى روسيا كحل واقعي ووسط لوقف الاجتياح الروسي لكل الأراضي الاوكرانية، ولكنه وبعد مرور عام واحد فقط، تراجع عن مقترحاته الأولى، نظرا لتبدل مجريات المعركة وما ظهر عليه المستوى العسكري الروسي من تواضع وتذبذب في نتائج المعارك، كل وقائع الصراع الروسي الأوكراني تشير إلى أن طرفي النزاع بات متعبٌ ويلمح إلى شروط لوقف القتال، بما يعني أولا أن عملية الحسم النهائي للمعركة ما زالت بعيدة، وهذا يعكس خطأ حسابات (بوتين) الذي اعتقد انه سينفرد بأوكرانيا وبأسلحتها المحدودة المقابلة للترسانة الروسية الكبيرة، قبل ان تنهال على أوكرانيا الأسلحة والأموال من قبل اغلب دول أوروبا وامريكا، --- لا يمكن الركون إلى النتائج المتحققة لغاية الآن من الحملة العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، لأن ما يدور في ذهن الرئيس الروسي ( بوتين ) غامض لغاية هذه اللحظة، فاحتلال أوكرانيا ليس واردا، وبوتين اذكى من ان يتورط حتى النهاية، فالجبهة العالمية التي اصطفت ضده بقيادة الولايات المتحدة، واسعة، ومساعداتها للجهد الحربي الاوكراني غير منقطع، بالاضافة إلى الدعم السياسي منقطع النظير على مستوى الساحة الدولية، ما يتردد الآن بان الصيف القادم سوف يكون موسما لحسم هذه الحرب، التي تخطت العام الثاني لاندلاعها، وما عزز هذه النبوءة بمجريات هذه الحرب التي تحولت إلى سجال طويل، هو ما صرح به الرئيس الامريكي السابق، ترامب، المرشح الساخن للانتخابات الامريكية القادمة، والذي تتوافق رؤيته مع تصورات ( هنري كيسنجر ) في منح روسيا بعض الاراضي المتنازع عليها ما بين البلدين، وربما بعض الصعوبات التي تواجه القيادة الاوكرانية، سيجعلها مذعنة للقبول بهذه الطروحات.
حرب السودان التي اندلعت منذ عام هي الأخرى أوشك النسيان ان يخيم عليها، وهي الحرب الاكثر عبثية في السنوات الاخيرة، فكلا المتخاصمين هما من المؤسسة الرسمية للدولة السودانية، والغريب أن كلاهما يدعي نفس الاهداف، ويتهم خصمه بذات التهم المتبادلة، لقد احرقت هذه الحرب المجانية كل مقومات الحياة الانسان للشعب السوداني، واجبرت الملايين للنزوح والهجرة إلى الدول المجاورة للسودان، وفشلت كل الجهود الدولية والوساطات العربية والاجنية للوصول إلى حل وسط توافقي، والمشكلة ان القوتين بين المعسكريين المتقاتلين متكافئين بالقوة، بحيث اصبحت الحرب سجالا بين الطرفين، وغير قابلة للحسم، ففقدت الحرب مصدر الاهتمام بها، وغادرتها الاضواء الاعلامية، فسقطت في عتمة النسيان، لا سيما وأن حدثا جللاً انفجر في منطقة مقاربة لمنطقة السودان شكل خطرا داهما للامن الاقليمي والدولي، هو جرى في قطاع غزة الذي توجهت اليه كل الانظار، وحصد المزيد من الاهتمام الدولي، لا سيما وأن أحداثه أشد درامية من الحربين السابقين، لقد شغلت حرب غزة كل العالم، وهي الآن تحتدم وتورط اطراف اخرى للدخول في مجرى الاحداث مباشرة، وهذا ما جرى في المواجهة الايرانية - الإسرائيلية الاخيرة، في التقاذف الصاروخي والطائرات المسيرة، الذي تجاوز حدود الدولتين لابعاد شاسعة، ليشمل مساحات دول اخرى مجاورة بشكل خطير، وها نحن نشهد المقطع الثاني لحرب (غزة) الساخنة في صيغة الرد والرد المقابل، الذي يعلن الغموض النهائي واشتجار الحرب وسخونتها على جميع الأصعدة.