علي غني
حافظ التعليم الاكاديمي بتفوقه على التعليم المهني لسنوات (السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، والى فترة معينة قبل التغيير، وبفارق شاسع، كان الطالب المقبول في الفرع المهني يصبح منبوذا من أقرانه بالتعليم الاكاديمي، وربما عزز (نظام الانسيابية)، هذا الوصف، لكن السنوات الأخيرة أشرت تنامي التعليم المهني وبروزه بنحو واضح كتعليم منافس وحقق نصرا على التعليم الاكاديمي بتنوع أقسامه الجديدة، واشتراط الدخول لها (بمعدل يفوق السبعين في الامتحانات الوزارية)، وهو تطور خطير ربما يقوده لتفكيك بنية التعليم الاكاديمي الأشهر في العراق.
إحصائيات
ومن خلال متابعة حركة نمو المدارس المهنية خلال الاعوام الدراسية المحصورة بين العامين الدراسيين (2021 - 2022 / 2014 - 2015) تبين لنا ما يأتي:
- تزايد عدد المدارس المهنية من (223) إلى (329) مدرسة أي بنسبة نمو قاربت الـ(47.5 %) .
- تزايد المدارس التجارية من (74) إلى (103) مدارس بنسبة نمو قاربت الـ(39 %) .
- تزايد المدارس الصناعية من (143) الى (193) مدرسة بنسبة نمو حوالي (35 %).
- تزايد المدارس الزراعية من (5) إلى (10) مدارس بنسبة نمو (100 %).
- تزايد عدد مدارس الفنون التطبيقية من (1) إلى (7) مدارس بنسبة نمو (600 %).
- إضافة فرعين جديدين للتعليم المهني هما (فرع السياحة وفرع الحاسبات وتقنيات المعلومات).
- إنشاء (3) مدارس سياحية.
- إنشاء (12) مدرسة حاسبات وتقنيات المعلومات.
- تزايد عدد الطلبة من (44696) إلى (108587) طالبا أي بنسبة نمو حوالي (143 %).
فرصة للتغيير
وهذه الطفرات بأعداد القبول الطلبة واعداد المدارس والفروع والاختصاصات الجديدة، تشير إلى حقبة جديدة في التعليم المهني، وان هناك خللا في المناهج وطرق التدريس في التعليم الأكاديمي، فلماذا لا يراه المختصون بعين الحقيقة؟ ولماذا لا تعيد وزارة التربية النظر بمناهج التعليم الاكاديمي، وهي فرصة لإعادة النظر بمجمل التعليم في العراق، فعندما أعود لفترة التسعينيات، عندما كانت الوزارة تطبق نظام الانسيابية، فكان الدخول إلى الفرع المهني من دون شرط المعدل، بينما يفرض التعليم الاكاديمي شرط المعدل (حصول الطالب أو الطالبة على معدل فوق الستين في الامتحانات الوزارية)، فكان اغلب طلبة العراق يفضلون التعليم الاكاديمي كونه الطريق السالك لكليتي الطب والهندسة، لكن السنوات الاخيرة وجدت ان هناك تغيرا ملحوظا لتوجه الطلبة للتعليم المهني الذي طبق تنوع التعليم بنحو مدروس (تجاوز تجربة تنوع التعليم في السادس الإعدادي التي ألغيت بسبب فشلها)، اذ تجاوزت تخصصاته الثلاثين نوعا، واصبح قريبا عن التعليم الجامعي، واصبحت بعض تخصصاته (تغلق) قبولها بعد أسبوع من افتتاحها لرغبة الطلبة في الدخول لها (كالتخصصات الطبية)، لذلك بدأت المديرية العامة للتعليم المهني تشترط القبول بهذه التخصصات ان يتجاوز معدل الطالب في الامتحانات الوزارية للدراسة المتوسطة فوق السبعين، وربما الثمانين درجة، ومن هذه النقطة سأبدأ عن البحث عن هذا التغيير المدهش الذي يحتاج إلى ملاحظات ذكية من قبل وزارة التربية.
الجانب العملي
بدأت من المدرسين الذين اختاروا التدريس في التعليم المهني، الذين وجدت اغلب اختصاصاتهم تميل للهندسة والحاسوب ومنهم المهندس بلال كامل الذي يدرس مادة الرياضيات في إعدادية الحاسبات وتقنية المعلومات الذي عزا سبب الاقبال على التعليم المهني، لا سيما تخصصات الحاسوب والأجهزة الطبية، لوجود الجانب العملي الذي يؤهلهم لسوق العمل، لان أغلب الطلبة يفكر بتحقيق الدخل الجيد، والدخول في مشاريع تؤمن لهم التطور والتقدم في مجال الاقتصاد، لمعرفتهم بصعوبة التعيين في مؤسسات الدولة، وهذا هو السر الذي قد يتجاهله المعنيين في العملية التربوية.
تنوع التعليم
لم يبخل المهندس مهند حسين علي الجبوري مدير قسم التعليم المهني الثاني في الكرخ من توضيح العديد من الحقائق عن تزايد أعداد الطلبة المقبولين في التعليم المهني في السنوات الأخيرة، فأول حقيقة لابد ان ينتبه لها المعنيون بالتعليم، ان التعليم المهني أعتمد معيار (تنوع التعليم)، وهذا الاتجاه تدعمه منظمة اليونسكو، من خلال المشاريع والورش التدريبية واقامة المؤتمرات المشتركة بين المنظمة والوزارات ذات العلاقة (التعليم العالي والتربية والصحة والعمل)، ومعنى هذا ان الطالب في التعليم المهني يؤهل لسوق العمل من خلال إكسابه المهارات العلمية في التخصصات كافة.
وتابع (الجبوري): ان التعليم المهني أصبح يتوسع عموديا (ليس فقط الجانب التخصصي وهو إكساب المعلومة المهنية، وانما مهارات في السياحة)، بعد ان تم فك ارتباط معاهد السياحة والفندقة من وزارة الثقافة وإلحاقها بالمديرية العامة للتعليم المهني في وزارة التربية.
برنامج ريادة
كما ان هناك دعما كبيرا للتعليم المهني من خلال مجلس الوزراء الذي وجه بالتعاون مع وزارة التربية بشأن توفير قطع أراض وقروض مالية للخريجين وشمولهم ببرنامج (ريادة)، الذي يهتم بصناعة قيادات مجتمعية في مجالات التعليم بصنوفه كافة وبالوقت ذاته هو دعم مالي للطلبة وللمؤسسات.
وبين المهندس مهند حسين الرغبة الكبيرة للالتحاق الطلبة بالتعليم المهني، هو خريج هذه الدراسة أصبحت له فرصة للالتحاق بالجامعات والمعاهد المشمولة بالقبول المركزي.
الورش الفنيَّة
لكن المدرس المساعد نصيف جاسم معاون إعدادية العامل للحاسوب وتقنية المعلومات أشاد بخطة الوزارة بتثبيت المدرسين المتعاقدين على الملاك الدائم، ورأى ان تفعيل الورش الفنية وتوفير المواد الاولية سيرفع من انتاج مدارس التعليم المهني وتصبح وكأنها مصانع، بل سيزيد هذا الأمر القبول في السنوات المقبلة.
واقترح (نصيف): دعم قبول الطلبة بالامتحانات الخارجية سيسهم بانحسار التسرب من الدراسة.
تخصصاتٌ جديدة
وأوضح المدير العام للتعليم المهني في وزارة التربية محمود المالكي عن وجود قفزة هائلة بعدد المقبولين في المدارس المهنية هذا العام نتيجة الاقبال الكبير على هذه المدارس، بعد فتح تخصصات جديدة تراعي حاجة سوق العمل، كما أن مشروع مبادرة (ريادة) التي اطلقها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أسهم في توجيه الأنظار إلى التعليم المهني، ونحن نتابع الدورات التدريبية التي التحق بها (16) الف طالب من انحاء العراق في الاعداديات المهنية لغرض اعداد طلبة مؤهلين للدخول الى سوق العمل من خلال دورة تطوير المشاريع الصغيرة وكيفية ادارتها.
واضاف: ان مشروع ريادة يشمل الإعداديات المهنية للبنات والبنين، ويهدف مشروع الريادة الى دعم فئات الطلبة من الباحثين عن العمل وتمكينهم من جميع النواحي التدريبية والرقمية وتمويل افكارهم العملية وتطويرها، كما تهدف اجراءات المبادرة الى تطوير الطاقات الإبداعية والافكار الابتكارية لينال اصحابها فرصاً في سوق العمل وخلق حركة اقتصادية، فعّالة تهدف الى خدمات ومنتجات عراقية وفرص عمل بامتياز.
وأقول لك حقيقة والكلام (للمالكي): ان السبب الرئيس للإقبال على الدراسة المهنية يكمن في زيادة النسبة المئوية لأعداد الطلاب المقبولين في الجامعات في اقسام الهندسة الصباحية، وثانيا تنوع الاختصاصات واستحداث اختصاصات جديدة لمواكبة التطور العالمي.
استراتيجيَّةٌ وطنية
ويرى الاستاذ علي هويدي الجبوري معاون المدير العام للتعليم المهني للشؤون الإدارية، أن ما تتبناه الحكومة المركزية برئاسة دولة رئيس الوزراء الاستاذ محمد شياع السوداني من الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم، كخارطة طريق واضحة المعالم للنهوض بالتربية والتعليم، كانت لها حصة اكبر للمديرية العامة للتعليم المهني في العراق.
اذ ركزت (الخطة)، والكلام للأستاذ علي هويدي على جذب واستقطاب الطلبة والطالبات للانخراط
في المدارس الخاصة بالتعليم المهني وفتح واستحداث أقسام جديدة تنسجم مع متطلبات سوق العمل، بما يخدم خطة الحكومة في القضاء على
البطالة.
اذ كان لها الاثر الكبير في زيادة اعداد الطلبة في المدارس المهنية، والبالغ عددها ما يقرب من 650 اعدادية، بواقع ستة فروع موزعة بين 35 اختصاصا، والعمل مستمر في فتح أقسام اخرى في جميع المديريات ومن الله التوفيق.
هذا يعني ان نسبة الارتفاع بعدد المقبولين بالمدارس المهنية بلغ اكثر من 188 %، كما ان الامر يحتاج الى رفع عدد المدارس للقبول المتزايد من قبل الطلبة لهذا النوع من التعليم ولسد الحاجة الفعلية للتعليم المهني.
إعادة النظر
المتابع الذكي لحركة القبول في الدراسات ما بعد المتوسطة في العراق يلاحظ في السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة الملل والابتعاد عن الدراسة الإعدادية، لكونها دراسة نظرية تفتقر إلى الجانب العملي، كما أنها تدفع الطلبة إلى الاعتماد على التدريس الخصوصي، كون اغلب الأسر العراقية تدفع أبناءها إلى الحصول على كليتي الطب والهندسة، لكن الطلبة في السنوات الأخيرة، وبعد تيقنهم بصعوبة التعيين في دوائر الدولة، قرروا الدخول بسوق العمل عن طريق الاتجاه إلى التعليم المهني، الذي يضمن للطلبة فرصة تعلم مهنة تساعدهم في تمشية أمور الحياة، وبعد كل هذه الحقائق، نحن ندعو وزارة التربية في اعادة مناهج الدراسة الإعدادية من اجل تطوير كل فروع التعليم في العراق.