أحمد عبد الحسين
برحيل الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي أول من أمس، تفتح ثغرة كبيرة في الثقافة العراقية كان يملؤها بقامته السامقة بحثاً وقراءة واستقصاء في مجال دراسات التراث الشعبي، وهو مجال يقلّ المتخصصون فيه عندنا برغم أهميته وضرورته.
كل من عرف الراحل حمودي أو قرأ له لا يمكن إلا أن يعجب بحيويته ونشاطه وملاحقته الجديد في مختلف صنوف الثقافة. وبقيت هذه الحيوية سمة من سماته الأجلى حتى وهو في سنّ السابعة والثمانين، فقبل وفاته بأقل من أسبوع صدر له كتابه الضخم "في صندوق الولايات" وهو يتعلق بشغفه الأثير "الفولوكلور العراقي"، وهو شغف رافقه منذ صباه إلى أن أصبح أيام الثمانينيات رئيساً لتحرير مجلة "التراث الشعبي".
لحمودي عشرات الكتب التي شملت بالإضافة إلى الدرس التراثي روايات وقصصاً ومقالات في النقد الأدبيّ، إضافة إلى نتاجه الصحفيّ الذي باشره منذ أول مقال له سنة 1954 ولم ينقطع إلى اليوم، حيث يضمّ هذا العدد الذين بين أيديكم من "الصباح" آخر مقال للراحل الكبير أرسله لنا قبل يومين من وفاته.
استثمر حمودي فاعليته وعلاقاته مع رموز الوسط الثقافي العراقي في التوثيق لأبرز مفاصل الحياة الثقافية، ففي كتابيه "ديوان الأقلام" و"رحلة مع القصة العراقية" وسواهما يؤرخ لجزء هامّ من الشعر والسرد العراقيين. كما أنّ كتابه "القضاء العرفي عند العرب" هو أوّل كتاب ـ بحسب علمي ـ يعنى بتكوين معجم للاصطلاحات القضائية العرفية في التراث العربي قديمه وحديثه.
النعي الذي توجّهت به الرئاسات الثلاث لأسرة الراحل وقرّائه ومحبيه يكشف عن الأثر الذي قدّمه طوال حياته المديدة، والإسهام المميز له تعليماً وبحثاً وحضوراً في المشهد المعرفي والثقافيّ العراقي.
تفتخر "الصباح" بأنّ الراحل الكبير كان من أعمدة الصحيفة ومن كتّابها الدائمين، فلم يكن يمرّ أسبوع من دون أن يكون له مقال أو عمود يضيء به صفحات الثقافة أو صفحة "ثقافة شعبية". وعزاؤنا أنّ إرثه المعرفي باق بيننا في كتبه ومقالاته الوفيرة.
رحم الله أبا شهرزاد فقد كان مثالاً حياً على ما يمكن أن تفعله الثقافة حين تكون ممتزجة بخلق عالٍ وروح سامية.