نور علي الهادي حسين
يؤصل كتاب "المكياج الرقمي" للأستاذ المساعد الدكتور علي مولود فاضل، الصادر مؤخراً عن دار أمجد للطباعة والنشر والتوزيع في عمان، فكرة التغيرات التي تطرأ على وجوه البشر باستعمالهم للتقنيات الرقمية أو ما يعرف بالفلاتر أو المرشحات الرقمية.
ويطرح الكاتب في فصول مؤلفه الأربعة محاولات البشر في تغيير ملامحهم وتحسينها منذ الحضارات القديمة، مرورا بالعصور الوسطى، فالحديثة، وانتهاء بالألفية الحالية، مع شرحه للصورة التي أوجدها الإنسان قبل قرون عدة، وحاول أن ينظر من خلالها إلى شكله وتكوينه، ويسعى أن يظهر عبرها بشكل أفضل مما هو عليه، وهذا ما وفرته مواقع التواصل الاجتماعي وخواص تطبيقاتها التي تمنح المستخدم حرية الظهور بالملامح التي يريدها.
من زاوية أخرى، فإن المؤلف يقدم في هذا الكتاب تأصيلاً نظرياً للمكياج الرقمي، الذي عرّفه بأنه "عملية إضفاء تغييرٍ على وجه المستخدم والتلاعب بملامحه بتقنيات الفلتر والمرشحات الرقمية التي توفّر العديد من النماذج الصورية التي تعطي انطباعاً أو شكلاً مختلفًا بعض الشيء للوجه الحقيقي، سواء أكان من ناحية لون البشرة أم العيون أم التصغير وتكبير، وكذلك التغير الجوهري في شكل المستخدم غير الراضي عن تفاصيل وجهه"، وهذا يقود إلى فهم الحياة الافتراضية التي سيطرت على أبناء الجيل الحالي، وأخذت تشكّل يومهم على النحو الموجود في تطبيقات الانترنت وعالمه الشاسع المروع.
إن هذا الكتاب يعد واحداً من المصادر الغنية بالابتكارات اللفظية والمفاهيم التي يمكن أن تصبح دراسات علمية رصينة، وفتوحات أكاديمية حقة في مجالات الاتصال وتحديداً الفضاء الرقمي الذي كوّن (الحياة الثالثة) على حدّ وصف المؤلف وقصد بها "وجود الحياة الدنيوية وهي الأولى، والحياة الأخروية الثانية، والحياة الافتراضية الثالثة"، التي ينسحب الغوص فيها بمجمل مجريات الأيام التي يسوّف الوقت فيها وتضيع الساعات والأيام على بني البشر دون أن يحققوا شيئاً ملموساً ومفيداً لهم ولذويهم.
الجدير بالذكر أن هذا الكتاب سبقه إصدار للمؤلف حمل عنوان "التزييف العميق" وهو يحاكي الفبركة العميقة من نواح عدة، لاسيما أن علي مولود فاضل يحمل شهادة الدكتوراه في علوم الاتصال والإعلام، ويشغل منصب رئيس قسم الإعلام في كلية الآداب في جامعة سامراء، ويهتم في طرح موضوعات جديدة لها أبعاد فكرية وفلسفية في مجال الإعلام والاتصال، وحظيت أبحاثه ومؤلفاته بميزات الجدة والاختلاف والتجديد واصطيادها للظواهر المنفردة والسباقة دائما.