سيناريو النفط المقبل وخيارات "أوبك+" في 2024

آخر تحديث 2024-09-10 18:01:21 - المصدر: اندبندنت عربية

قرر التحالف النفطي الذي تقوده السعودية وروسيا الخميس الماضي تأجيل خطط استعادة الإنتاج لشهرين (اندبندنت عربية)

في وقت تواجه فيه دول تحالف "أوبك+" اختبار ثقة جديداً حول قدرتها في السيطرة على مخاوف أسواق النفط، أكد محللون نفطيون أن قرارات التحالف النفطي الذي يضم 23 دولة، ستساعد أسعار الخام على استعادة الاتجاه الصاعد في الأسابيع المقبلة، موضحين أن الظروف الحالية في الأسواق ومخاوف التباطؤ الاقتصادي تأثيرها أقوى من القرار الأخير للتحالف بإرجاء زيادة الإنتاج التي كانت متوقعة الشهر المقبلة.

في السياق ذاته، قال مدير عام تسويق النفط والغاز بوزارة الطاقة والمعادن بسلطنة عمان سابقاً علي الريامي، إن "أوبك+" تؤمن أن الأسعار ستتحسن لاحقاً، لكن ذلك يحتاج إلى الوقت لأن ظروف السوق حالياً لا تسمح بالتحسن، إلا أن لديهم قناعة أن هذه التخفيضات ستساعد الأسعار على الارتفاع في الأوقات المقبلة.

وأضاف الريامي، أنه كان من المأمول أن ترتفع الأسعار بعد قرار "أوبك+" بتأجيل زيادات الإنتاج المرتقبة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إلا أن السوق في حاجة إلى بعض الوقت لاستيعاب هذا القرار، موضحاً أن هناك عوامل عدة أخرى أثرت في السوق لذلك لم ترتفع الأسعار فور الإعلان عن القرار.

وتابع، "لا أستطيع أن أقول إن أجواء السوق سلبية بالنسبة لأسعار النفط، لكن الظروف لا تزال أقوى من قرار التحالف، لذا فإن ارتفاع الخام في الوقت الراهن قد يكون صعباً خلال الأسابيع المقبلة".

وأفاد الريامي، بأن السوق تترقب الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ومن المتعارف عليه أن الانتخابات في أميركا تلعب دوراً في أسعار الطاقة، إذ يهتم كل المتنافسين بأن تكون أسعار البنزين في متناول المستهلك الأميركي، لذا يسعون في التأثير في خفض الأسعار لكسب تأييد انتخابي.

وكشف الريامي، عن أن هناك سبباً آخر هو أخطار نمو الطلب النفطي في الصين، أما السبب الثالث لانخفاض الأسعار، فيتمثل في عدم التزام أعضاء من مجموعة "أوبك+" حول حصص خفض الإنتاج مثل العراق وكازاخستان.

وحول بدائل الطاقة التي تؤثر في الطلب النفطي، أشار إلى أنها برزت في استخدام السيارات الكهربائية خصوصاً في الصين وسط زيادة ملحوظة في مبيعاتها. 

انحسار مشاعر التفاؤل 

بحسب وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، تنحسر مشاعر التفاؤل لدى صناديق التحوط تجاه النفط الخام لمستويات هي الأقل خلال ما يفوق 13 عاماً من البيانات المسجلة مع احتمال زيادة المعروض وهبوط الطلب.

إلى ذلك، قلصت شركات إدارة الثروات مراكزها الشرائية مجتمعة على خامي "برنت" وغرب تكساس الوسيط بنحو 100 ألف عقد ليصل إجمالي صافي المراكز الاستثمارية الشرائية الطويلة إلى 139 ألفاً و242 عقداً، وفق بيانات بورصة "إنتركونتيننتال إكسشينغ" الأوروبية ولجنة تداول السلع الأساسية المستقبلية الأميركية للأسبوع المنتهي في الثالث من سبتمبر (أيلول) الجاري.

وتشكل هذه الأرقام، التي صدرت بعد ظهر الجمعة الماضي، أدنى مراكز شرائية صافية بناء على بيانات ترجع إلى مارس (آذار) 2011.

توجه هبوطي 

ويأتي هذا التوجه الهبوطي وسط تراجع كبير في الأسعار خلال الأيام الأخيرة، مدفوعاً بالقلق حول الطلب في الولايات المتحدة الأميركية والصين، وتفاقم عمليات البيع واسعة النطاق من قبل الصناديق التي تعتمد على التداول عبر الخوارزميات.

وقرر التحالف النفطي التي تقوده السعودية وروسيا، الخميس الماضي، تأجيل خطط استعادة الإنتاج مدة شهرين، بعدما دفع تعثر النمو الاقتصادي في الصين وزيادة الإمدادات الأميركية أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في 14 شهراً.

ومن خلال تعديل خطة التحالف لزيادة الإمدادات، ربما تمكنت دول "أوبك+" من تجنب الفائض الذي كانت تتوقعه مؤسسات مثل مجموعة "ترافيغورا" ووكالة الطاقة الدولية، وبعد فترة وجيزة من القرار، استقر تراجع أسعار النفط.

تفاقم الخسائر 

وتفاقمت خسائر أسعار النفط نهاية الأسبوع الماضي بعد أن خفضت "أرامكو السعودية" علاوة سعر بيع خامها الرئيس لسوقها الرئيسة في آسيا الشهر المقبل، في إشارة أخرى إلى القلق في شأن الطلب. 

وفي يونيو (حزيران) الماضي، حينما بدت آفاق السوق أكثر إشراقاً، وضع تحالف "أوبك+" خطة لاستعادة 2.2 مليون برميل يومياً تدريجاً من الإنتاج، الذي توقف خلال سلسلة من التخفيضات التي تمت منذ أواخر 2022.

وكان من المفترض أن يبدأ تنفيذ الخطة بزيادة قدرها 180 ألف برميل يومياً في أكتوبر المقبل، لكن جرى العدول عن تنفيذ الخطة بصورة موقتة لاحقاً.

وأكد أعضاء "أوبك+" في أكثر من مناسبة، أنه بإمكانهم "تعليق الزيادات أو عكسها إذا احتاج الأمر لذلك". 

وحتى الأزمة السياسية في ليبيا التي أوقفت أكثر من 50 في المئة من إنتاج البلاد التي تعد أكبر منتج للخام في أفريقيا، لم يعط التحالف طمأنة كافية لزيادة الإمدادات قليلاً.

بلا تأثير مباشر 

من جهته يرى المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، أن أسواق النفط لم تتأثر بصورة مباشرة بإرجاء زيادات الإنتاج من تحالف "أوبك+"، حتى وإن كان القرار قد يحمي أسعار الخام فوق مستوى 70 دولاراً للبرميل، ويساعد في منع زيادة المعروض، لكن على الجانب الآخر فإن الطلب يشهد ضعفاً، خصوصاً في الصين.

وأضاف الحرمي أن الصين التي تعد محركاً رئيساً للطلب على النفط على مدى العقدين الماضيين، تظهر شهية متضائلة تجاه النفط إذ تقلصت الواردات إلى أضعف وتيرة منذ نحو عامين، مع تباطؤ النمو الاقتصادي والجهود للتحول بعيداً من الوقود الأحفوري.

وأشار كامل الحرمي إلى أن تحالف "أوبك+" نجح في تجنب حدوث فائض نفطي خلال العام الحالي عبر اتخاذ قرار أخيراً بتقييد الإنتاج لفترة أطول قليلاً، لكن الإجراء الموقت لن يوقف وفرة المعروض التي تنتظر الأسواق في العام المقبل.

العوامل الاقتصادية تلعب دوراً أكبر

من جهته قال محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم، إنه بعد القرارات الأخيرة لمنظمة "أوبك" والأعضاء خارجها لم تؤثر إيجاباً على أسعار النفط، فلا تزال الأسعار غير مستقرة وتراوح حالياً ما بين 70 و80 دولاراً، إذ أصبحت العوامل الاقتصادية العالمية تلعب دوراً كبيراً على أسعار النفط، فمع تباطؤ معدلات النمو الاقتصادية العالمية، خصوصاً للدول الصناعية انخفضت معها أسعار النفط وهو ما يعني ثبات الطلب على النفط أو حتى ممكن انخفاضه، ومن جانب آخر نرى العوامل السياسية وتوتراتها بين الدول لم تعد مؤثراً كبيراً على أسعار النفط كون الدول المنتجة الكبرى قادرة على تغطية أي نقص تحتاج إليه الأسواق النفطية.

وأضاف كرم، "ما يراه المراقبون الآن هو ما يمكن عمله من قبل أوبك+ لدعم أسعار النفط والاتفاق الكلي واتخاذ قرار حازم بخفض الإنتاج النفطي حتى ترفع أسعار النفط لمستويات يرغبها الدول الأعضاء". 

وتابع كرم، "على أي حال حتى ومع الأسعار الحالية للنفط لا نرى أي تخوف عليه أو زعزعة له من مصادر الطاقة الأخرى سواء البديلة أو النظيفة، فالبترول مصدر للطاقة ولمواد استهلاكية أخرى كثيرة. ولا يزال مهيمناً في وقتنا الحالي وربما مستقبلاً".

الأوضاع الجيوسياسية

من جهته قال المحلل النفطي الكويتي خالد بودي، إن تراجع أسعار النفط أخيراً غير مرتبط بمستوى العرض والطلب، إذ إن الزيادة في الطلب مستمرة بواقع مليون برميل يومياً تقريباً خلال عام 2024 مع زيادة شبه متساوية في العرض مما يعني توازناً بين العرض والطلب ومحدودية الفائض في أسواق النفط، وإنما مرتبط بالأوضاع الجيوسياسية المضطربة في عدد من مناطق العالم.

وأضاف بودي، أن هذه الاضطرابات تؤدي إلى قلق المضاربين في أسواق النفط وتراجع نشاط المضاربة مما يضغط على أسعار النفط ويؤدي إلى تراجعها، موضحاً أن عمليات المضاربات النفطية تعد عاملاً مؤثراً على أسعار النفط ومسؤولة تقريباً عن 30-40 في المئة من حجم الارتفاع أو التراجع في أسعار النفط.

وتابع بودي، "أن الطلب على النفط في ازدياد ومتعادل تقريباً مع العرض، لكن أجواء الاستثمار في صفقات النفط سلبية مما أدى إلى تراجع الأسعار"، مضيفاً، "ليس لدينا تراجع في الطلب على النفط، ولكن هناك ضبابية في الأوضاع السياسية مما ينعكس على أسعار النفط، لذلك فإن انتعاش أسعار النفط مجدداً مرتبط بانتهاء أو تراجع الصراعات القائمة وتحسن الاستقرار السياسي في العالم".

"مورغان ستانلي" يخفض توقعات النفط

من جانبها، خفض "مورغان ستانلي" توقعاته لأسعار خام "برنت" للمرة الثانية خلال أسابيع، مع تزايد التحديات المتعلقة بالطلب بينما تظل الإمدادات وفيرة.

وسيبلغ متوسط أسعار خام "برنت" 75 دولاراً للبرميل في الربع الرابع من العام الحالي، وفقاً لمذكرة من المحللين بمن فيهم استراتيجي النفط العالمي في "مورغان ستانلي" مارتين راتس، ويقارن ذلك بتوقعات سابقة كانت عند 80 دولاراً بين أكتوبر وديسمبر (كانون الأول) 2023، التي جرى إصدارها الشهر الماضي بعد خفض من التوقعات السابقة البالغة 85 دولاراً، كما جرى تعديل التوقعات لمعظم العام المقبل بصورة طفيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت أسعار خام "برنت" قد تراجعت أخيراً إلى أدنى مستوى إغلاق منذ أواخر 2021، إذ تضافرت المخاوف المستمرة في شأن ضعف الطلب الصيني مع إشارات إلى أن الاقتصاد الأميركي قد يكون في حال من التباطؤ، وفي الوقت نفسه، تظل الإنتاجية وفيرة، مما أجبر "أوبك+" على تأجيل خطة لتخفيف قيود الإنتاج الخاصة بها.

وقال راتس وزملاؤه في التقرير المؤرخ التاسع من سبتمبر الجاري، "يتشابه المسار الأخير لأسعار النفط مع فترات أخرى شهدت ضعفاً كبيراً في الطلب".

ووفقاً لـ"بلومبيرغ"، أشارت مقارنات الأسعار على منحنى العقود الآجلة إلى قدوم "تراكمات شبيهة بالركود في المخزونات"، على رغم أن راتس وزملاءه قالوا إنه من المبكر جداً اعتبار ذلك سيناريو أساسي للبنك.

توقعات أسعار الخام حتى 2050

في حين تشير بعض التوقعات إلى تراجع الطلب على الوقود الأحفوري على المدى المتوسط إلى الطويل، مما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط بعد 10 أعوام، ونتيجة لذلك، يتوقع بصورة واسعة أن تكون أسعار النفط في عام 2030 أقل من 100 دولار للبرميل.

ووفقاً لتقرير التوقعات السنوية للطاقة الصادر عن إدارة معلومات الطاقة (EIA)، تتبنى الوكالة نظرة متحفظة في شأن توقعاتها لأسعار النفط عام 2030. وتتوقع أن يكون متوسط أسعار خام "برنت" 61 دولاراً للبرميل في عام 2025، و73 دولاراً في 2030، و80 دولاراً في 2035، و87 دولاراً في 2040، و91 دولاراً في 2045، و95 في 2050.

وقالت شركة الاستشارات الطاقية "وود ماكنزي"، إنه إذا انخفض استهلاك الوقود العالمي بما يتماشى مع الأهداف المحددة للحد من الاحتباس الحراري، قد تتراجع توقعات أسعار النفط في عام 2030 إلى 40 دولاراً للبرميل.

وتتوقع "واليت إنفيستر" أن يتداول سعر خام غرب تكساس الوسيط عند 102.94 دولار بنهاية عام 2025، بينما توقع سعر خام "برنت" في عام 2025 عند 97 دولاراً.

ومن المتوقع أن يتداول سعر النفط الخام عند 83.56 دولار للبرميل بنهاية هذا الربع، وفقاً لنماذج الاقتصاد الكلي العالمية من "تريدينغ إيكونوميكس" وتوقعات المحللين، وبالنظر إلى المستقبل، يقدر أن يتداول السعر عند 89.27 دولار بعد 12 شهراً.