سيشهد العام المقبل انسحاب نحو 60 في المئة من القوات الأميركية المتمركزة في العراق بحسب مسؤولين في بغداد (صفحة القوات المسلحة العراقية على فيسبوك)
تسعى السلطات العراقية إلى تحويل علاقاتها مع التحالف الدولي من المجال الميداني العسكري إلى المجال الاستخباراتي والأمني والتدريب، إذ تعتبر بغداد أن أجهزتها الأمنية باتت قادرة على قيادة المعركة بمفردها ضد تنظيم "داعش" الإرهابي المنهزم في العراق وسوريا، والذي ينشط اليوم من خلال خلاياه النائمة والتي لن تشكل تهديداً حقيقياً للأمن في العراق لا سيما بعد تحقيق الانتصار العسكري في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) 2017.
وشدد مراقبون للشأن العراقي لـ "اندبندنت عربية"، على ضرورة أن يكون قرار الحكومة العراقية إخراج التحالف وإنهاء مهمته، "عراقياً مبنياً على حسابات دقيقة"، مؤكدين بأن "أي خطأ في الحسابات ستدفع بغداد ثمنه غالياً من استقرارها الأمني والسياسي والاقتصادي، ومن سلامة مواطنيها وفاعلية مؤسساتها الدستورية".
وتجري واشنطن وبغداد منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف في العراق.
ما هي مهمات التحالف؟
تَشكَّل التحالف الدولي ضد "داعش" في سبتمبر (أيلول) 2014، من 87 دولة ومنظمة دولية أعضاء للعمل على هدم شبكاته والوقوف أمام طموحاته بالتوسع العالمي. وتعهد التحالف بمواجهة البنية التحتية المالية والاقتصادية لـ "داعش" وعرقلتها، والتصدي لتدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود، ودعم الاستقرار وإعادة الخدمات العامة الأساسية للمناطق المحررة من قبضة التنظيم المتطرف، ومواجهة دعايته.
وتوصلت بغداد وواشنطن إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف من العراق "على مرحلتين"، بحسب وزير الدفاع العراقي ثابت العبّاسي، كاشفاً عن اتفاق بهذا الشأن سيوقَّع "في الأيام القليلة المقبلة".
وقال العبّاسي في حوار تلفزيوني "تم الاتفاق على أن يكون الانسحاب من الأراضي العراقية على مرحلتين، كما أن التفاهم يتضمن مرحلة أولى من سبتمبر الحالي وحتى سبتمبر 2025 تشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 وحتى سبتمبر 2026 من إقليم كردستان".
ويبلغ عديد قوات الولايات المتحدة المنتشرة في العراق قرابة 2500 جندي، إضافة إلى قرابة 900 عنصر في سوريا المجاورة، في إطار التحالف الذي أنشأته عام 2014 لمحاربة "داعش". ويضمّ التحالف كذلك قوات من دول أخرى لا سيما فرنسا والمملكة المتحدة.
ولفت العبّاسي إلى أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اعتبر أن "سنتَين غير كافيتين" لإتمام الانسحاب، غير أن بغداد "رفضت بالتأكيد ما طرحه لسنة ثالثة". ولفت الوزير العراقي إلى أن توقيع الاتفاق تأجل "بسبب الظروف التي تمر بها المنطقة وأحداث مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في إيران وربما الانتخابات الأميركية أيضاً".
وشدد العبّاسي على أن الطرفين "وضعا الأسس البديلة للعلاقات" الثنائية من أجل "تحويلها إلى شراكة أمنية وتعاون استخباري وتدريبي".
60 في المئة سيغادرون العام المقبل
وكان عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي علي البنداوي، أكد أن العام المقبل سيشهد انسحاب نحو 60 في المئة من القوات الأميركية المتمركزة في العراق. وقال البنداوي في تصريح متلفز إن "الحكومة العراقية شكلت لجنة تفاوض لبحث ملف خروج القوات الأميركية من العراق".
وأشار إلى أن "جزءاً كبيراً من الأراضي العراقية في إقليم كردستان واقع تحت سيطرة القوات التركية".
من جهة أخرى، وصف القيادي في "تحالف الفتح" علي الفتلاوي، التصريحات الإعلامية الصادرة من البنتاغون بشأن انسحاب قوات التحالف الدولي بأنها "غير رسمية". ورأى الفتلاوي أن "الحكومة العراقية غير ملزمة بالرد أو التوضيح، كما أن تلك التصريحات دائماً ما تكون متناقضة، إلا أنها تؤشر إلى وجود رغبة أميركية بالانسحاب لكن بشروطها".
وأوضح أنه "خلال اليومين الماضيين تناولت وسائل إعلام أميركية معلومات عن اتفاق أميركي- عراقي في شأن انسحاب قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة". وأضاف أن "مطالبة البعض الحكومة بالرد على التصريحات أمر غير صحيح، لأن الحكومة غير ملزمة بالتوضيح أو الرد على تسريبات إعلامية، إنما ترد عبر متحدثيها الرسميين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيناريوهات لسد الفراغ
في المقابل، توقع الخبير الاستراتيجي والأمني، عماد علو، سيناريوهات عدة لسد فراغ التحالف الدولي.
وقال إن "مَن يسد الفراغ سيكون القوات المسلحة العراقية بالتعاون مع مستشارين ومدرّسين من الجانب الأميركي أو قوات فريق حلف الناتو الموجودة في العراق تحت عنوان (انتقال مهمة التحالف الدولي)".
وختم أن السيناريو الآخر هو "قوات أميركية تبقى بعد توقيع اتفاقية الانتقال إلى علاقات ثنائية بين العراق والولايات المتحدة".
لكن الباحث السياسي، مجاشع التميمي اعتبر أنه "لا أحد يستطيع أن يملأ الفراغ الذي سيتركه التحالف الدولي في حال مغادرته العراق"، مبيناً أنه "إذا تم الانسحاب فإن القوات الأميركية لن تنسحب في هذه الفترات كون أن العراق طلب من الولايات المتحدة التدخل عسكرياً بناء على التهديد الذي أصابه في عام 2014".
وكشف التميمي أن "هناك شروطاً وضِعت في هذا الاتفاق فضلاً عن أن العناصر الأميركية في معظمها ليست قوات عسكرية بل هم مستشارون في المجالات المختلفة ويزودون العراق بالمعلومات الاستخباراتية والصيانة والتدريب على المعدات الأميركية.
ونبه إلى أنه "في حال انسحبت القوات الأميركية فسيكون العراق في مرمى الدول الإقليمية وهذا ما لا يتمناه أحد".
حسابات دقيقة
في السياق، كشف الباحث السياسي، خالد العرداوي، أنه "يُفترض في حال انسحاب التحالف الدولي أن تسد الأجهزة الأمنية والعسكرية الفراغ الأمني الذي سيتركه، إذا كانت هذه القوات تمتلك القدرات الكافية للعب هذا الدور وحماية سيادة العراق في مختلف الميادين". وأضاف "ولكن إذا فشلت هذه القوات أو كانت توقعاتها حول قدراتها لا تتناسب مع إمكاناتها الحقيقية، فإن الفراغ الذي سيتركه انسحاب التحالف الدولي سيعبيه طرفان، الأول سيكون القوى الإقليمية المجاورة، لا سيما طهران وأنقرة، وأما الطرف الثاني فهو الفصائل المسلحة غير الخاضعة لسلطة الحكومة، والتنظيمات الإرهابية المدعومة دولياً، لا سيما داعش، وعليه يفترض أن يكون قرار الحكومة العراقية إخراج التحالف وإنهاء مهمته عراقياً مبنياً على حسابات دقيقة".
وختم العرداوي بالقول إن "أي خطأ في الحسابات ستدفع بغداد ثمنه غالياً من استقرارها الأمني والسياسي والاقتصادي، ومن سلامة مواطنيها وفاعلية مؤسساتها الدستورية".