الحكومة اللبنانية تمنح حق الإقامة للعراقيين مقابل تملك العقارات

آخر تحديث 2024-09-12 16:00:05 - المصدر: اندبندنت عربية

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مستقبلاً نظيره اللبناني نجيب ميقاتي ببغداد، في 21 يوليو الماضي (أ ف ب)

شهدت العلاقات اللبنانية- العراقية تطورات مهمة في السنوات الأخيرة، بخاصة في ظل أزمة الطاقة التي يعيشها لبنان. وجاء اتفاق الفيول العراقي كمحاولة لتخفيف أزمة الكهرباء، حيث زود العراق لبنان بكميات من الفيول بأسعار تفضيلية، مما أسهم بشكل جزئي في تحسين وضع الكهرباء المتدهور. ومع ذلك، ظهرت أخيراً إشكالات كبيرة حول استمرارية هذا الاتفاق نتيجة تأخر السداد من الجانب اللبناني وتزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية على الحكومة العراقية.
في ضوء هذه التحديات، اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً من خلال المديرية العامة للأمن العام اللبناني حيث سمحت الأخيرة للعراقيين بتقديم طلبات للحصول على إقامة سنوية أو دائمة مقابل كفالة مالية أو عن طريق امتلاك عقار، وهو ما يُعد خطوة قد تحمل أبعاداً دبلوماسية واقتصادية. هذه المبادرة قد تُفسر على أنها محاولة لتهدئة التوترات بين البلدين، بخاصة بعد الدعم الذي قدمه العراق للبنان في ملف الطاقة، ومن شأنها أن تفتح الباب لحلول دبلوماسية تسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين بيروت وبغداد.
هل يشكل قرار منح الإقامة للعراقيين مقابل تملك العقارات في لبنان خطوة جديدة نحو تعزيز التعاون الدبلوماسي بين البلدين وحل الخلافات المتعلقة باتفاق الفيول؟

الإجراءات والتعديلات الجديدة

في السياق، أوضح العميد الإداري المتقاعد في الأمن العام، رئيس تحرير مجلة "الأمن العام"، العميد منير عقيقي، في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية"، أن "قرار منح الإقامة للعراقيين في لبنان ليس جديداً، بل هو امتداد لإجراءات معمول بها في العديد من الدول حول العالم"، مشيراً إلى أن "لبنان يمتلك نظاماً يمكن من خلاله منح الإقامة لأي مواطن عربي أو أجنبي شرط استيفاء الشروط المطلوبة، مثل تملك العقارات أو وضع وديعة مالية في البنك".
وقال عقيقي إن "هذه الإجراءات كانت موجودة سابقاً، حيث كان يتطلب من الأجانب وضع وديعة بقيمة 300 مليون ليرة لبنانية على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، لكن مع تدهور العملة اللبنانية، تم تعديل هذه القيمة لتصبح وديعة بمقدار مليار ونصف المليار ليرة لمدة سنة. تُمنح هذه الإقامة كمجاملة، مع شرط عدم العمل في لبنان. كما أن هناك نوعاً آخر من الإقامة لمدة 3 سنوات، بشرط وضع وديعة بقيمة 4 مليارات ونصف المليار ليرة لبنانية"، لافتاً إلى أن "هذه التسهيلات متاحة لجميع المواطنين الأجانب باستثناء الإسرائيليين والدول التي لا ترغب في مجيء رعاياها إلى لبنان"، لافتاً إلى أن "الجديد في هذا القرار هو التسهيلات الممنوحة للعراقيين الذين يتملكون شققاً بالتنسيق مع اللجنة المشتركة اللبنانية- العراقية أو الذين يودعون وديعة مالية في لبنان، وذلك لتسهيل إقامتهم".

شروط إقامة الأجانب في لبنان

وتخضع إقامة الأجانب في لبنان لشروط قانونية تنظمها المديرية العامة للأمن العام وفقاً لقانون تنظيم دخول الأجانب وإقامتهم وخروجهم، الصادر عام 1962 وتعديلاته. وتختلف الشروط بحسب نوع الإقامة المطلوبة، سواء كانت للإقامة السياحية، العمل، الدراسة، أو غيرها، وتلزم الأجانب بالتقيد بالقوانين وتقديم المستندات اللازمة لضمان قانونية وجودهم في البلاد.
وعن شروط إقامة الأجانب في لبنان، أوضحت المحامية مايا جعارة أن "الأنظمة تختلف بحسب جنسية الشخص ونوع الإقامة المطلوبة". وقالت إن "لبنان يوفر أنواعاً عدة من الإقامات، بما في ذلك الإقامة السياحية التي تُمنح لرعايا بعض الدول عند الوصول إلى لبنان من دون الحاجة لتأشيرة مسبقة وهي قابلة للتجديد حتى ثلاثة أشهر"، مشيرةً إلى أن "بعض الدول مثل دول مجلس التعاون الخليجي، الأردن، ودول أخرى مثل أندورا، وأستراليا، وكندا والولايات المتحدة، وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي تتمتع بإمكانية الحصول على تأشيرة دخول وإقامة مجانية لأغراض سياحية. وفي المقابل، يحتاج مواطنو دول أخرى إلى تأشيرة دخول مسبقة".

وشرحت جعارة عن "الإقامة العملية" التي تتطلب عقد عمل مع شركة أو مؤسسة مسجلة في لبنان، التي عادةً ما تُمنح لمدة سنة قابلة للتجديد، إضافة إلى "الإقامة الدراسية" الممنوحة للطلاب الأجانب بناءً على إفادة قبول من جامعة معترف بها في لبنان، و"الإقامة العائلية" المخصصة لأفراد الأسرة المباشرين لمن لديهم إقامة عمل أو إقامة طويلة الأمد"، موضحةً أن "التسهيلات الجديدة للعراقيين للحصول على إقامة تستفيد منها عائلات الأفراد وتشمل أيضاً الوالدين إذا تجاوزا الـ64 سنة".

من ناحيتها، أوضحت الأستاذة المحاضرة في القانون الدولي، جوديت التيني، أن "القرار الجديد المتعلق بالإقامة في لبنان لا يمكن اعتباره مبرراً قانونياً لفتح الباب أمام جنسيات أخرى، مثل السوريين، للحصول على إقامة مماثلة"، مضيفة أن "القرار حصري للرعايا العراقيين في ما يخص الإقامة السنوية والدائمة، ولا ينطبق على جنسيات أخرى"، لافتةً إلى أن "هذا القرار قد يواجه إشكالات قانونية نظراً لغياب رئيس للجمهورية في لبنان، حيث يتطلب توقيع مرسوم رئاسي ليصبح نافذاً". وأكدت التيني أن "العراقيين يمكنهم الحصول على إقامة سنوية من دون عمل، بشرط تقديم سند تمليك لعقار سكني"، موضحةً أن "التملك العقاري في لبنان لا يمنح حق الإقامة تلقائياً للأجانب، وليس شرطاً قانونياً للإقامة، بل يُنظر إليه كخيار إضافي من دون ارتباط مباشر بالإقامة القانونية".
ورأت التيني أن "المبادئ القانونية لا تُطبق دائماً بشكل صارم من قبل الحكومة اللبنانية، حيث أن قراراتها قد لا تستند إلى دراسة جدوى أو تأثير مستقبلي على المصلحة العامة"، متسائلةً حول "ما إذا كانت الحكومة قد درست أبعاد وتأثير تملك الأجانب للعقارات على لبنان، وما إذا كان القرار يتوافق مع القانون أو يستند إلى مصالح سياسية واقتصادية محددة فقط"، معتبرةً أن "مثل هذه القرارات قد تكون عرضة للطعن أمام القضاء الإداري اللبناني بتهمة تجاوز حد السلطة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التداعيات السياسية

في السياسة، تُتخذ القرارات عادةً بناءً على مجموعة من الدوافع التي تجمع بين المصلحة الوطنية والتحديات الإقليمية والدولية. وفي حالة القرار المتعلق بتسهيل إقامة العراقيين في لبنان، فتأتي الدوافع من عوامل عدة، أبرزها تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، إلى جانب الحاجة لدعم الاقتصاد اللبناني عبر جذب الاستثمارات الأجنبية. كما يسهم القرار في تعزيز التعاون الإقليمي والاستفادة من الفرص التي يقدمها العراق للبنان في مجالات عدة مثل الطاقة والسياحة، مما يعزز من استقرار لبنان في ظل أزماته المتعددة.
في السياق، أوضح النائب بلال عبدالله لـ"اندبندنت عربية" أن "موافقة مجلس الوزراء على القرار الجديد تعكس سياسة الانفتاح اللبنانية نحو العمق العربي"، لافتاً إلى "دور العراق البارز في دعم لبنان خلال أزماته المتتالية وتحديداً في الفترة الأخيرة، حيث ساند العراق لبنان بتزويده الفيول لتشغيل محطات الكهرباء"، معتبراً أنه "يجب التعامل مع هذه المسألة بجدية من دون التقليل من شأنها". كما لفت عبدالله إلى أن "السياحة العراقية استمرت في تصدر المشهد في لبنان، وتحديداً الاستشفائية، مماثلةً الزيارات اللبنانية المتزايدة إلى العراق".
وعن قانونية القرار في ظل غياب توقيع رئيس للجمهورية، أكد النائب عبدالله على "الطابع القانوني للقرار"، مشيراً إلى أن "الحكومة تمارس صلاحياتها بموجب السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية"، معرباً عن أمله في أن "تمتد هذه السياسات إلى الدول العربية الأخرى لتعزيز التعاون الإقليمي".

مصلحة العراق ولبنان الاقتصادية

وعن الشق الاقتصادي، يرى الخبير المالي والاقتصادي، بلال علامة، أن "منح إقامة لبعض رعايا الدول الأجنبية يُعد إجراءً مناسباً في حال كان مرتبطاً باستثمار مالي محدد، سواء كان ذلك يتعلق بعقار معين أو مشروع استثماري. ومن المهم هنا أن يكون هذا الإجراء موجهاً للدول العربية، لا سيما في ظل التعاون القائم بين لبنان والعراق، حيث أبدى العراق مساعدات كبيرة للبنان في ظل أزمته الاقتصادية".
وأشار علامة إلى أن "العراق منح اللبنانيين تسهيلات تتعلق بتأشيرات الدخول والإقامة، حيث يُسمح لهم بالحصول على فيزا عند الوصول إلى المطار من دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة. وفي إطار التعامل بالمثل، يتوجب على لبنان السماح للعراقيين بالحصول على إقامة في حال تملكوا عقاراً أو قاموا باستثمار معين".
وأوضح علامة أن "هذه المبادرة تحمل فوائد اقتصادية واضحة، حيث أن الأموال التي ستُستثمر في لبنان ستأتي من الخارج، ما يساعد في تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني المتعثر. كما أن تعزيز التعاون مع العراق في هذا السياق يفتح الباب أمام فوائد سياسية كبيرة، حيث أن العراق قدم مساعدات كثيرة للبنان في الماضي".
ويشير إلى أن "منح الإقامة للعراقيين مقابل استثمار عقاري قد يُسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين"، مؤكداً أن "لبنان، بصفته بوابة إلى أوروبا وشمال أفريقيا، قد يستفيد من توسيع هذا التعاون مع العراق، بخاصة في ظل الركود الذي يضرب القطاع العقاري اللبناني".

ملف النزوح السوري وتأثيره على لبنان

أما في ما يتعلق بملف النزوح السوري، شدد العميد عقيقي على أن "هذا الملف له خصوصيته، حيث يرتبط مباشرة بمنظمات الأمم المتحدة وليس تحت رعاية مباشرة من الدولة اللبنانية"، لافتاً إلى أن "الوضع السوري يمثل تحدياً كبيراً من النواحي الاقتصادية والأمنية والديموغرافية، حيث يشكل النزوح المستمر خطراً على التوازن الديموغرافي في لبنان"، مؤكداً على "ضرورة إيجاد صيغة لعودتهم إلى بلادهم".
في خضم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه لبنان، تسعى الحكومة إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية عبر إجراءات جديدة تمنح الإقامة للأجانب مقابل تملك العقارات أو وديعة مالية. وعلى رغم الفوائد الاقتصادية المحتملة، تبقى هذه الخطوات مثار جدل حول تأثيرها على التوازن الديموغرافي والاجتماعي. وبينما تحاول الحكومة اللبنانية الحفاظ على توازن دقيق بين تحقيق المكاسب الاقتصادية والحفاظ على استقرارها الداخلي، يبقى السؤال الأهم حول مدى قدرة هذه السياسات على تحقيق الأهداف المرجوة من دون التأثير سلباً في المصلحة العامة.